التخطي إلى المحتوى الرئيسي

العطش


قصة: الكاتب ادموندو أراغونيس (المكسيك)
ترجمة: محمد الخطابي 
قطرة ماء تنحدر على جبهتي، قطرة واحدة، لم أتذوّق طعمها لأنّها لم تصل إلى شفتي، القطرة صفيقة وثقيلة، الحاجب الأيسر يقف حائلا دون انحدارها ونزولها نحو الفم، هناك تستقرّ برهة لتزيد من عذابي، القطرة بدأت تفقد حجمها الأصلي،عند الصّباح أجدها فوق مدمعي ناحية خدّي الأيسر، قريبة من قوس أنفي، ثمّ تزداد انحدارا نحو الشّارب الذي نما بشكل طبيعي.
عند هذا الحاجز الآخر تستقرّ، ثمّ سرعان ما تنزلق نحو الشفتين، أتذوّق طعمها القلوي، إنّه طعم لا يصعب على المرء استذكاره واستحضاره.
أشعر بظمأ شديد سرعان ما يتحوّل إلى عطش أو صدى أو أوهام، القطرة لا تحلّ المشكلة، إنّها تذكّرني فقط بجرعة تملأ الفم والشدقين، هناك في هذه الصّحراء القاحلة ذات الرّمال النّاعمة والدقيقة التي تتكاثر وتتحرّك والتي تكوّن هذا العالم اللاّمحدود الذي يحيط بي
أشتاق إلى تدفّق فوّار من حنفيّة مفتوحة على مداها لأرتوي وأشفي غليلي من هذا القاتل.
الماء يثير فينا ردود فعل متباينة، له تأثير بليغ على تفكيرنا، ونظرنا، الفم يصبح شبيها بقطراته، وليس هناك سوى فكرة واحدة مستقرّة وثابتة وملحّة تتركّز أساسا في هذا السّراب الممتدّ أمام ناظري، وهذه الفكرة تحاول إقناعي عبثا أنّ هذا السّراب إنّما هو واحة حقيقية.
أتجرجر، وأجترّ عبر الرّمال، أعرف مسبّقا أنّ هذه البحيرة سوف تبدأ في الابتعاد عنّي كلّما دنوت منها، أعضّ الرّمال لعلّي أتذوّق البلل الذي بها، فتزيد حدّة عطشي، أشعر بنوع من الهذيان.
القطرة التي شعرت بها على جبهتي، هل كانت إعلانا أو إيذانا بمطر..؟ هكذا خيّل لي. الآن تراني أتساءل:هل كان ذلك الشّعور حقيقيّا أم وهميّا..؟ إذن ما هذه الخثرات المتلألئة التي تشبه الأحجار الكريمة اللاّمعة..؟ إنّني أتحسّسها، أشعر بها، أتذوّقها..إنّها مائيّة، زلاليّة، سائلة، إنّه الماء إذن، إنّه الإنقاذ، قطرة واحدة تنحدر على جبهتي، إنّها ما فتئت تنزل وتنزل.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

قصص قصيرة جدا

إدواردو غاليانو* ترجمة: أسامة أسبر العالم صعد رجل من بلدة نيغوا، الواقعة على الساحل الكولومبي، إلى السماء. حين عاد وصف رحلته، وروى كيف تأمل الحياة البشرية من مكان مرتفع. قال: نحن بحرٌ من ألسنةِ اللهب الصغيرة. أضاف: العالم كومةُ من البشر، بحر من ألسنة اللهب الصغيرة. كل شخص يشع بضوئه الخاص وليس هناك لسانا لهب متشابهان. ثمة ألسنة لهب كبيرة وأخرى صغيرة من جميع الألوان. ألسنة لهب بعض البشر هادئة بحيث لا تتأجج حين تهب الريح، بينما يمتلك آخرون ألسنة لهب وحشية تملأ الجو بالشرار. بعض ألسنة اللهب الغبية لا تحرق ولا تضيء، لكن ثمة أخرى تفيض بلهب الحياة بحيث أنك لا تستطيع أن تنظر إليها دون أن ترف عيناك، وإذا اقتربت منها تضيئك.   العنب والخمر على فراش الموت، تحدث رجل يعمل في الكروم في أذن مرسليا. قبل أن يموت كشف السر هامساً: "إن العنب مصنوع من الخمر." هذا ما روته لي مارسيلا بيريث-سيلبا، وبعدها فكرتُ: إذا كان العنب مصنوعاً من الخمر، فربما نكون الكلمات التي تروي من نحن. فن للأطفال كانت تجلس على كرسي مرتفع أمام صحن من الحساء على مستوى العين. أنفها مجعد، أسنانها محكمة الإغلاق، وذراعاها

EL TIEMPO ENTRE COSTURAS

رواية اسبانية بنكهة مغربية أصبحت رواية الأديبة الإسبانية ماريا دوينياس "الوقت بين ثنايا الغرز"، التي تدور أحداثها في مدينة طنجة المغربية، إلى ظاهرة حقيقية حيث حققت مبيعات تجاوزت المليون نسخة، كما ترجمت لعدة لغات بينها الإنجليزية والألمانية كما تحولت إلى مسلسل تليفزيوني ضخم، سوف يبدأ عرضه مطلع 2012. وامتد نجاح الرواية ليتجاوز حدود إسبانيا حيث من المقرر أن تظهر ترجمتها الإنجليزية في الولايات المتحدة في نوفمبر المقبل، وفي نفس الشهر سوف يتم تكريم المؤلفة، في معرض جوادالاخارا الدولي للكتاب في المكسيك. وفي تصريحات لوكالة (إفي) قالت الأديبة دوينياس "أنا سعيدة لكل هذا النجاح الذي حققته الرواية، لأنه يؤكد أنها تتناول أحداثا ذات طبيعة كونية. تدور أحداث الرواية حول سيرا كيروجا، مصممة أزياء شابة، تضطر لمغادرة مدريد، بحثا عن حبيب مجهول، إلى أن تعثر عليه في مدينة طنجة التي كانت واقعة في تلك الأثناء تحت الاحتلال الإسباني، ويحاولان الاستقرار هناك. ومرة أخرى تجد سيرا نفسها مضطرة للرحيل إلى تطوان، والتي كانت أيضا تحت الاحتلال الإسباني (1902-1956)، هربا من الديون والشعور بالو

ظننتُ أنّ أحداً لم يعد يقرأني

  قصة: خايمي بيلي * ترجمة عن الإسبانية :  غدير أبو سنينة   سيّارة أجرة تمرّ أمام جدارية في العاصمة البيروفية ليما، آذار/ مارس 2022  عند وصولي إلى مدينة الغبار والضباب (يقصد ليما)، أعلن أحد عناصر طاقم الطائرة عبر مُكبِّر الصوت، وبنبرة مُبتهجة، كأنّما ينقل لنا أخباراً طيّبة، أننا سنستخدم دَرَجاً قديماً للهبوط، وسنضطرّ لحمل أمتعتنا واستقلال الحافلة، لنمارس رقصة الكومبيا عند كلّ منعطف نمرّ به، حتى من دون وجود موسيقى في الخلفية: يا مرحباً بكم في الفوضى ! ما إن يصل المسافرون، حتى يسيروا بأقصى سرعة كأنهم يُشاركون في مسابقة رياضية، كأنّ هناك جائزةً تُمنح لمن يصل أوّلاً إلى مكتب ضابط الهجرة. والحقيقة أنّ أحداً لا يصل أوّلاً، إذ يُصادفهم طابور طويل عريض مُتعرّج، يزحف مثل أفعى تُحتضر. لا جوائز، الجميع معاقَب بسبب البطء المُستفزّ لمن ينفّذون القانون بلا مبالاة .  بعد اجتياز عدّة ضوابط صارمة، يستقبلنا السائق بحذَر ويقودنا إلى الشاحنة المُدرَّعة، ذات النوافذ المُظلَّلة، يعرفُني باقي السائقين، يُحيُّونني بصُراخهم، يتبعونني، الحمقى، يعرضون علي خدماتهم، ويطلبون منّي بقشيشاً. أبدو لهم شخصاً فا