قصة: خوليو غارمينديا
1898 – 1977 :Julio Garmendia
- فنزويلا -
ترجمة: توفيق البوركي
أمعنت النظر سريعا في الموقف الغريب الذي وجدت نفسي فيه. كان علي أن أنطلق في تعقب أناي الآخر دون أن أضيع ثانية واحدة. فقد انفصل عن شخصيتي لأسباب أجهلها، لذا يتوجب علي اللحاق به قبل أن يبتعد كثيرا. كان من اللازم، بل من المستعجل اتخاذ تدابير تعوقه، إن هو حاول الفرار سرا إلى بلد أجنبي تدفعه في ذلك الرغبة في اكتشاف المجهول وتعطشه للمغامرات.
أعلم جيدا، أنا صديقه ورفيقه الحميم، أن تلك الأحاسيس كانت تراوده منذ زمن بعيد، أدت، فيما بعد، إلى خلخلة حسه النقدي وعقله الرصين، الذي من المفترض أن يتمتع به كل أنا آخر في سلوكياته العامة والخاصة على حد سواء.
كانت لي دوافعي الكافية لأنشغل باختفائه المفاجئ، فهو بلا أدنى شك، قد أبان عن ذلك من خلال تكتمته اللامحدود وحذره الشديد وبراعة منقطعة النظير في الاحتيال والتدليس، لذا لم يترك أي شيء يتسرب عن خططه المحكمة التي حاكها في سره. ظل لأيام مستغرقا في صمته، وبما أن لا اختلافات جوهرية بيننا فقد عزيت سلوكه إلى الملل الذي ينتابه حتى وهو في أفضل حالاته. وخمنت أنه يعتبرني إنسانا مجردا من روح الدعابة التي تستهويه كثيرا. وهاهو الآن يفاجئني بفعلة غير مبررة: فر دون أن أعلم كيف ولا متى تم ذلك.
بحثت عنه في الغرفة التي اكتشفت فيها غيابه، بحثت خلف الأبواب، أسفل الموائد، داخل الدولاب، ولا أثر له حتى في باقي غرف البيت. تدخلت زوجتي لتعرف إن كنت قد فقدت شيئا، بعد أن لاحظت باستغراب ذهابي وإيابي المتكرر.
ـ كوني متيقنة أنني لم أفقد عقلي بعد. أجبت وأضفت بخبث:
ـ لقد أضعت قبعتي.