التخطي إلى المحتوى الرئيسي

فصل من رواية (أورا) للكاتب المكسيكي كارلوس فوينتيس


 ترجمة: خالد الجبيلي*

الآن، أصبحت تعرف السبب الذي يجعل أورا تعيش في هذا البيت: لإدامة وهم الشباب والجمال لتلك السيدة العجوز المخبولة المسكينة. لقد ظلت أورا هنا مثل مرآة، مثل أيقونة أخرى مصفوفة على ذلك الحائط المليء بالأيقونات، والقلوب، والقديسين، والشياطين المتخيّلة.

تضع المخطوط جانباً، وتهبط إلى الطابق السفلي، تقول لنفسك إنه لا يوجد إلا مكان واحد يمكن أن توجد فيه أورا في الصباح - المكان الذي خصّصته لها العجوز الجشعة.

نعم، تجدها في المطبخ، في هذه اللحظة، وهي تقطع رأس جدي: البخار المتصاعد من الحنجرة المفتوحة، رائحة الدم المسفوح، عينا الجدي المزجّجتان، كلّ ذلك يجعلك تشعر بالغثيان. وأورا مرتدية ثوباً مهترءاً ملوثاً ببقع من الدم، وشعرها مشعّث. تنظر إليك دون أن تعرفك، وتواصل عملية التقطيع.

تغادر المطبخ: هذه المرة ستكلّم السيدة العجوز، وترمي في وجهها جشعها واستبدادها. عندما تدفع الباب وتفتحه، تراها واقفة وراء ستار الأضواء، تؤدّي طقوساً في الهواء الفارغ، يداً ممدودة، وأخرى منقبضة، كأنها ترفع شيئاً، وكأن اليد الأخرى تلتف حول شيء خفي، تقرع المكان ذاته مرات ومرات. ثمّ تجفف يديها على صدرها، تتنهّد، وتبدأ بقطع الهواء ثانية، وكأنها - نعم، يمكنك أن تراها بوضوح - تسلخ جلد حيوان...

تجري في الممر، تجتاز صالة الاستقبال، وغرفة الطعام، إلى حيث تسلخ أورا جلد الجدي ببطء، إنها مستغرقة في عملها، غير عابئة بدخولك أو بكلماتك. تنظر إليك كما لو كنت مصنوعاً من الأثير.

تصعد إلى غرفتك، تدلف إليها، وتقف ملتصقاً بالباب وكأن أحداً يتبعك: تلهث، ترشح عرقاً، ضحيّة شرفك، ضحية قناعتك. إذا حاول شيء أو أحد أن يدخل، فلا قِبَلَ لك بالمقاومة، وستبتعد عن الباب، تاركاً إياه يدخل. على نحو مسعور، تسحب الكرسي ذي المسند، وتضعه أمام الباب الذي لا رتاج له، تدفع السرير وتضعه أمامه، ثمّ تتهاوى على السرير، مرهقاً، وقد استنزفت طاقتك، وتغمض عينيك وتلفّ ذراعيك حول وسادتك - الوسادة التي هي ليست لك. لا شيء لك.

يتملكك الذهول، تتهاوى إلى أعماق حلم هو خلاصك الوحيد، سبيلك الوحيد لتقول لا للجنون. "إنها مجنونة، إنها مجنونة"، تكرر قائلاً حتى يغالبك النعاس، وتستطيع أن تراها ثانية، وهي تسلخ الجدي المتخيّل بسكين متخيّل. "إنها مجنونة، إنها مجنونة".

في أعماق الهاوية المظلمة، في حلمك الصامت بأفواهه الفاغرة بصمت، تراها قادمة نحوك من سواد الهاوية، تراها تحبو نحوك.

بصمت،

 تحرّك يدها المعروقة، تقترب منك حتى يلامس وجهها وجهك، وترى لثة العجوز الدامية. لثتها الخالية من الأسنان. تصرخ وتبتعد مرة أخرى، يدها تجرّك، تبذر الهاوية بالأسنان الصفراء التي تحملها في مئزرها الملطّخ بالدم: صيحتك هي صدى لصيحةأورا، الواقفة أمامك في حلمك، تصرخ لأن يدي أحدهم مزّقت تنورتها الخضراء المصنوعة من قماش التفتا إلى شقين، ومن ثمّ تدير رأسها نحوك

تمسك طيّات تنورتها الممزّقة بيديها، وتستدير نحوك وتضحك بصمت، وأسنان السيدة العجوز تعلو أسنانها، بينما ساقاها، ساقاها العاريتان، تتناثران إلى قطع، وتطيران إلى الهاوية...

ثمة من يطرق الباب، ثمّ يتناهى إليك صوت الجرس، جرس العشاء. رأسك يؤلمك كثيراً فلا تستطيع أن تميّز العقارب في الساعة، لكنّك تعرف أن الوقت متأخر: فوق رأسك يمكنك رؤية الغيوم الليلية وراء نافذة السقيفة. تنهض متألماً، مذهولاً وجائعاً. تضع الإبريق الزجاجي تحت الصنبور، تنتظر حتى يسيل الماء، تملأ الإبريق، ثمّ تصبّه في الحوض. تغسل وجهك، تنظّف أسنانك بفرشاة أسنانك المهترئة وبمعجون الأسنان المائل إلى الخضرة، تبلّل شعرك - لا تلاحظ أنك تفعل ذلك بالترتيب الخاطئ - وتمشّطه بدقة شديدة أمام المرآة البيضوية المثبّتة على الخزانة المصنوعة من خشب الجوز. ثمّ تعقد ربطة عنقك، وترتدي سترتك، وتهبط إلى غرفة الطعام الفارغة، حيث أعدّ مكان واحد فقط – مكانك.

بجانب صحنك، تحت منديلك، ثمة شيء تبدأ بمداعبته بأصابعك: دمية قماشية صغيرة سيئة الصنع، مليئة بمسحوق ينقط من كتفها مخاط بطريقة سيئة، وجهها مرسوم بالحبر الهندي، جسمها عار، مخطّط ببضع ضربات بالفرشاة. تتناول طعام العشاء البارد – كبدة، بندورة، نبيذ - بيدك اليمنى، وبيدك اليسرى تمسك الدمية.

        تتناول طعامك بصورة آلية، دون أن تلاحظ، في البدء وضعك المنوّم مغنطيسياً، لكنك ترى بعد ذلك سبباً لنومك القهري، كابوسك، وأخيراً تماهي حركاتك في المشي أثناء النوم بحركات أورا، وحركات السيدة العجوز. تشعر فجأة بالقرف من تلك الدمية الصغيرة الفظيعة، التي تبدأ بالارتياب في أنها مصابة بمرض سري، عدوى. تتركها تسقط على الأرض. تمسح شفتيك بالمنديل، تنظر إلى ساعتك، وتتذكّر أن أورا تنتظرك في غرفتها.

تصعد بحذر إلى باب غرفة السنيورا كونسويلو، لكنك لا تسمع صوتاً من داخل الغرفة. تنظر إلى ساعتك مرة أخرى: الساعة التاسعة تقريباً. تقرّر أن تتلمّس طريقك إلى ذلك الفناء المسقوف المعتم الذي لم تدخله منذ أتيت، من دون أن ترى شيئاً، في اليوم الذي وصلت فيه إلى هذا المكان.

تتلمس الجدران الرطبة المكسوة بالطحالب، تتنشق الهواء المعطّر، وتحاول أن تعزل العناصر المختلفة التي تتنشقها، لكي تميّز الروائح الثقيلة الفخمة المحيطة بك. بصيص عود ثقاب مرتعش يضيء الفناء الفارغ الضيّق، حيث تنمو نباتات مختلفة على جوانب التربة المفككة المائلة إلى اللون الأحمر. يمكنك إدراك الأشكال الطويلة المليئة بالأوراق التي تلقي بظلالها على الحيطان في ضوء عود الثقاب. لكنه يحترق حتى آخره، ويلسع أصابعك، وتضطر لإشعال عود آخر لرؤية الأزهار والفواكة والنباتات التي تتذكّر أنك قرأتها في السجلات القديمة، الأعشاب المنسيّة التي تنمو هنا، وتنشر شذى العطر بخمول: أوراق نبات البنج الطويلة العريضة المكسوة بالزغب؛ الجذوع الملتفة التي تنمو عليها أزهار صفر في الخارج، وحمر من الداخل؛ وأوراق نبات الثلثان المدبّبة التي تتخذ شكل قلب؛ والزغب الرمادي لنبات عنب البوصفيربأزهاره التي تأخذ شكل عناقيد؛ وشجيرات الجرموق الكثيفة بأزهارها البيضاء؛ ونبات ست الحسن.

تنبعث إلى الحياة تحت وهج عود الثقاب الذي أشعلته، تترنح برقة مع ظلالها، وبينما تتذكّر فوائد هذه الأعشاب التي توسّع مآقي العين، وتخفّف من حدة الألم، وتخفّف من آلام الولادة، وتوفر السكينة، وتضعف الإرادة، وتسكّن من سعير الشهوة الحسية.

إنك وحيد تماماً مع العطور عندما يحترق العود الثالث. ببطء، تصعد إلى الممر، تنصت ثانية إلى باب السنيورة كونسويلو، ثمّ تتوجه على أطراف أصابعك إلى غرفة أورا. تفتح بابها من دون أن تقرعه، وتلج تلك الغرفة العارية، حيث تكشف دائرة الضوء السرير، الصليب المكسيكي الضخم، والمرأة التي تتّجه نحوك عندما تغلق الباب. تتشح أورا بالأخضر، رداء أخضر مصنوع من قماش التفتا يكشف، عندما تقترب، عن فخذيها بلون القمر الشاحب. المرأة، تكرّر عندما تقترب منك، المرأة، لا فتاة البارحة: فتاة البارحة - تلمس أصابع أورا، خصرها- التي لا يمكن أن تكون قد تجاوزت العشرين من عمرها؛ امرأة اليوم - تداعب شعرها الأسود الطليق، خديها الشاحبين - تبدو في الأربعين. بين البارحة واليوم، ثمة شيء في عينيها الخضراوين، حول عينيها يصبح قاسياً؛ وحمرة شفتيها ضلت طريقها وتجاوزت خطوطها السابقة، وكأنها تريد أنّ تثبّتها في ابتسامة عريضة سعيدة، ابتسامة مضطربة، وكأنها، مثل تلك النبتة المنتصبة في الفناء، تجمع ابتسامتها بين مذاق العسل وطعم المرارة. لا وقت لديك للتفكير بأيّ شيء آخر.

"اجلس على السرير، يا فيليب".

"نعم".

"سنلعب. لا يتعين عليك أن تفعل شيئاً. سأفعل أنا كلّ شيء".

تجلس على حافة السرير، تحاول أن تتبين مصدر ذلك الضوء المنتشر المشعّ الذي لا يكاد يسمح لك بتمييز الأشياء في الغرفة، ووجود أورا، من الأجواء الذهبية التي تحيط بها. تراك تنظر إلى الأعلى، وتحاول أنت أن تعرف مصدر انبعاثه. من صوتها تستطيع أن تعرف أنها جاثية أمامك.

"السماء ليست عالية ولا واطئة. إنها فوقنا وتحتنا في الوقت نفسه".

تنزع لك حذاءك وجوربك وتداعب قدميك العاريتين.

تحسّ بالماء الدافئ يغسل باطن قدميك، وتبدأ بغسلهما بقطعة قماش ثقيلة. وبين الحين والآخر، تسترق النظر إلى ذلك المسيح المنحوت من خشب أسود. ثمّ تجفّف قدميك، تأخذك بيدك، تثبّت بضع زهرات بنفسج في شعرها الطليق، وتبدأ تدندن لحناً، فالس، ترقص معها على أنغامه. مأسوراً بدندنة صوتها، تتزلقان في الإيقاع المهيب البطيئ الذي تدندنه، الإيقاع المختلف تماماً عن حركات يديها الخفيفة، اللتين تفكان أزرار قميصك، تداعبان صدرك، تمتدان إلى ظهرك، وتجوسان فوقه. تدندن أنت أيضاً أغنية من دون كلمات، ذلك النغم ينبعث طبيعياً من حنجرتك: تنزلقان معاً، في كلّ مرّة تزدادان قرباً من السرير، تكتم الأغنية بقبلاتك النهمة فوق فم أورا، حتى توقف الرقص بقبلاتك المنهمرة على كتفيها ونهديها.

تحمل الرداء الفارغ بيديك. أورا، مقرفصة على السرير، تضع شيئاً على فخذيها المضمومين، تداعبه، تناديك بحركة بيدها. تداعب قطعة البسكويت الرقيقة، تكسرها على فخذيها، غير عابئة بالفتات الذي يتدحرج على ردفيها: تقدم لك نصف قطعة البسكويت الرقيقة فتأخذها، تضعها في فمك في ذات الوقت الذي تضعها هي في فمها، وتبتلعها بصعوبة. ثمّ تسقط فوق جسد أورا العاري، تسقط فوق ذراعيها العاريتين، اللتين تمتدان من جانب السرير إلى الجانب الآخر، مثل ذراعيّ المسيح المصلوب المعلّق على الحائط، المسيح الأسود الذي يلتف حول فخذيه شريط قرمزي من الحرير، ركبتاه الممدوتان، خاصرته الجريحة، تاج الأشواك الكائن فوق باروكة سوداء متشابكة نثر عليها ترتر فضي. تنفتح أورا مثل مذبح كنيسة.

تدمدم اسمها في أذنها. تحسّ بذراعيّ المرأة الكاملين حول ظهرك. تسمع صوتها الدافئ في أذنك: "هل ستحبّني إلى الأبد؟"

"إلى الأبد، يا أورا. سأحبّك إلى الأبد".

"إلى الأبد؟ هل تقسم بذلك؟"

"أقسم".

"حتى لو أصبحت عجوزاً؟ حتى لو فقدت جمالي؟ حتى لو شاب شعري؟"

"إلى الأبد، يا حبيبتي، إلى الأبد".

"حتى لو متّ، يا فيليب؟ هل ستحبّني إلى الأبد، حتى لو متّ؟"

"إلى الأبد، إلى الأبد. أقسم على ذلك. لا شيء يمكن أن يفصل أحدنا عن الآخر".

"تعال، فيليب، تعال..."

عندما تستيقظ، تمدّ يدك لتلمس كتف أورا، لكنّك لا تلمس إلا الوسادة التي لا تزال دافئة والملاءة البيضاء التي تغطّيك.

تدندن اسمها.

تفتح عينيك وتراها واقفة عند أسفل السرير، تبتسم لكنها لا تنظر إليك. تتجه ببطء نحو زاوية الغرفة، تجلس على الأرض، تضع ذراعيها على الركبتين اللتين تبزغان من الظلام الذي يمنعك من التحديق، وتداعب اليد المتغضنة التي تتقدّم من الظلام الذي أخذ يخفّ رويداً رويداً: إنها تجلس عند قدميَ السيدة العجوز، السنيورا كونسويلو، الجالسة في كرسي ذي مسند لم تلحظه سابقاً: السنيورا كونسويلو تبتسم لك، تومئ برأسها، تبتسم لك هي وأورا، التي تحرّك رأسها في حركة متناغمة مع السيدة العجوز: كلاهما تبتسمان لك، تشكرك. تستلقي على ظهرك، من دون أيّ إرادة، ظاناً أن السيدة العجوز كانت موجودة في الغرفة طوال الوقت.

 تتذكّر حركاتها، صوتها، رقصتها، مع أنك لا تكفّ عن القول لنفسك إنها لم تكن هناك.

تنهض المرأتان وتقفان في ذات اللحظة، كونسويلو من على الكرسي، وأورا من على الأرض. توليناك ظهريهما، وتسيران ببطء نحو الباب المفضي إلى غرفة نوم الأرملة، تدخلان الغرفة التي ترتعش فيها الأضواء إلى الأبد أمام الصور، تغلقان الباب خلفهما، وتدعانك تنام في سرير أورا.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*خالد الجبيلي، مترجم سوري مقيم في نيويورك

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

قصص قصيرة جدا

إدواردو غاليانو* ترجمة: أسامة أسبر العالم صعد رجل من بلدة نيغوا، الواقعة على الساحل الكولومبي، إلى السماء. حين عاد وصف رحلته، وروى كيف تأمل الحياة البشرية من مكان مرتفع. قال: نحن بحرٌ من ألسنةِ اللهب الصغيرة. أضاف: العالم كومةُ من البشر، بحر من ألسنة اللهب الصغيرة. كل شخص يشع بضوئه الخاص وليس هناك لسانا لهب متشابهان. ثمة ألسنة لهب كبيرة وأخرى صغيرة من جميع الألوان. ألسنة لهب بعض البشر هادئة بحيث لا تتأجج حين تهب الريح، بينما يمتلك آخرون ألسنة لهب وحشية تملأ الجو بالشرار. بعض ألسنة اللهب الغبية لا تحرق ولا تضيء، لكن ثمة أخرى تفيض بلهب الحياة بحيث أنك لا تستطيع أن تنظر إليها دون أن ترف عيناك، وإذا اقتربت منها تضيئك.   العنب والخمر على فراش الموت، تحدث رجل يعمل في الكروم في أذن مرسليا. قبل أن يموت كشف السر هامساً: "إن العنب مصنوع من الخمر." هذا ما روته لي مارسيلا بيريث-سيلبا، وبعدها فكرتُ: إذا كان العنب مصنوعاً من الخمر، فربما نكون الكلمات التي تروي من نحن. فن للأطفال كانت تجلس على كرسي مرتفع أمام صحن من الحساء على مستوى العين. أنفها مجعد، أسنانها محكمة الإغلاق، وذراعاها

EL TIEMPO ENTRE COSTURAS

رواية اسبانية بنكهة مغربية أصبحت رواية الأديبة الإسبانية ماريا دوينياس "الوقت بين ثنايا الغرز"، التي تدور أحداثها في مدينة طنجة المغربية، إلى ظاهرة حقيقية حيث حققت مبيعات تجاوزت المليون نسخة، كما ترجمت لعدة لغات بينها الإنجليزية والألمانية كما تحولت إلى مسلسل تليفزيوني ضخم، سوف يبدأ عرضه مطلع 2012. وامتد نجاح الرواية ليتجاوز حدود إسبانيا حيث من المقرر أن تظهر ترجمتها الإنجليزية في الولايات المتحدة في نوفمبر المقبل، وفي نفس الشهر سوف يتم تكريم المؤلفة، في معرض جوادالاخارا الدولي للكتاب في المكسيك. وفي تصريحات لوكالة (إفي) قالت الأديبة دوينياس "أنا سعيدة لكل هذا النجاح الذي حققته الرواية، لأنه يؤكد أنها تتناول أحداثا ذات طبيعة كونية. تدور أحداث الرواية حول سيرا كيروجا، مصممة أزياء شابة، تضطر لمغادرة مدريد، بحثا عن حبيب مجهول، إلى أن تعثر عليه في مدينة طنجة التي كانت واقعة في تلك الأثناء تحت الاحتلال الإسباني، ويحاولان الاستقرار هناك. ومرة أخرى تجد سيرا نفسها مضطرة للرحيل إلى تطوان، والتي كانت أيضا تحت الاحتلال الإسباني (1902-1956)، هربا من الديون والشعور بالو

ظننتُ أنّ أحداً لم يعد يقرأني

  قصة: خايمي بيلي * ترجمة عن الإسبانية :  غدير أبو سنينة   سيّارة أجرة تمرّ أمام جدارية في العاصمة البيروفية ليما، آذار/ مارس 2022  عند وصولي إلى مدينة الغبار والضباب (يقصد ليما)، أعلن أحد عناصر طاقم الطائرة عبر مُكبِّر الصوت، وبنبرة مُبتهجة، كأنّما ينقل لنا أخباراً طيّبة، أننا سنستخدم دَرَجاً قديماً للهبوط، وسنضطرّ لحمل أمتعتنا واستقلال الحافلة، لنمارس رقصة الكومبيا عند كلّ منعطف نمرّ به، حتى من دون وجود موسيقى في الخلفية: يا مرحباً بكم في الفوضى ! ما إن يصل المسافرون، حتى يسيروا بأقصى سرعة كأنهم يُشاركون في مسابقة رياضية، كأنّ هناك جائزةً تُمنح لمن يصل أوّلاً إلى مكتب ضابط الهجرة. والحقيقة أنّ أحداً لا يصل أوّلاً، إذ يُصادفهم طابور طويل عريض مُتعرّج، يزحف مثل أفعى تُحتضر. لا جوائز، الجميع معاقَب بسبب البطء المُستفزّ لمن ينفّذون القانون بلا مبالاة .  بعد اجتياز عدّة ضوابط صارمة، يستقبلنا السائق بحذَر ويقودنا إلى الشاحنة المُدرَّعة، ذات النوافذ المُظلَّلة، يعرفُني باقي السائقين، يُحيُّونني بصُراخهم، يتبعونني، الحمقى، يعرضون علي خدماتهم، ويطلبون منّي بقشيشاً. أبدو لهم شخصاً فا