التخطي إلى المحتوى الرئيسي

في ضيافة المترجم صالح علماني

المترجم صالح علماني

بقلم: أحلام الزعيم

اخترق بعربيته الشعرية جدا المكتبة اللاتينية لتطل من خلاله وهو بوابتها الأهم على العالم العربي , بصمت وجلد وتقشف وجدية وبرفقة حاسوبه وجلسته الأرضية أمام طاولة مربعة واطئة تحمل ذاكرتها 93 كتابا مروا عليها كلمة كلمة ليخلعوا أرديتهم الأسبانية ويرتدوا ثياب العربية .. عبر هذه الطاولة الواطئة وجهاز الحاسوب وصالح علماني الجاد , المتحفظ , العفوي أحيانا , والبسيط دائما تشكلت البوابة التي زارها كل عشاق الأدب اللاتيني من العرب .

المترجم صالح علماني عراب الرواية اللاتينية المترجمة والذي قرأ كلماته ملاين العرب يعمل خلف الكواليس دون أن يتيح للضوء أن يتسلل ويقترب منه , ظهوره وتفاعله الوحيد مع الآخرين لا يأتي إلا عبر مترجماته , أما الإعلام فهي الدائرة التي يفر منها هربا رغم أنه واقع متلبس بها فزوجته السيدة نادية علماني هي في صميم الدائرة من خلال عملها الصحفي ..مرارا وتكرارا أثنا اتصالاتي المتكررة معه حاولت بشدة أن أقنعه بإجراء حوار صحفي .. فكيف لا نجد على شبكة الإنترنت ظهور يذكر لصالح علماني وهو الذي نقل ما يقارب 100 كتاب عن اللاتينية إلى اللغة العربية ؟ّ! لكنه –ويبدو أنه يجيد هذه اللعبة ببراعة- يتملص دائما حتى أعطاني الوعد الذي لم يكن يتوقع أن يحدث أبدا حين قال عندما تأتين إلى سوريا لابد أن نلتقي ونجري هذا الحوار .. ولم يحسب حسابا أنني تربصت به بالفعل فتلقى اتصالي من دمشق قلت له أنا هنا الآن وعلينا أن نلتقي ونجري الحوار .. فلا مفر يا علماني و وعد الحر دين عليه ..
إذن اضطر علماني فحوقل والتقاني! ولأعترف فقد كان أكثر مني ذكاء فتركني أسعد بلقياه لينجز الشق الأول من وعده وينسيني الشق الثاني – إجباريا- .. (لنتحدث كأصدقاء.. دعي عنك الصحافة والإعلام والأسئلة وأغلقي التسجيل) وحين أصريت على أن يبقى التسجيل مفتوحا ولو لجزء بسيط من الوقت أصر أن يجيبني بالإيماء فقط !.. وما دامت إجاباته إيماء فقد أجبرني بطريقته أن أغلق التسجيل وأن أعلن فشلي في محاولتي الخبيثة التي جربت فيها أن أوهمه إيهاما أنني أغلقته .. واضطررت أخيرا إلى أن أحوقل أنا هذه المرة وأغلق التسجيل وأترك لحديثنا متسعا من الصداقة أصطاد فيه من ذاكرتي الرديئة ما بقي وأستعيض بالله عما سقط سهوا وجبرا ..!
السيدة نادية بدورها لعبت  -مجبرة- دور ملطف الجو, حيث أن حذر علماني الشديد وتحفظه شكلا لي صدمة حاولت بدماثتها ولطفها أن تقلص دهشتي –أو لنكن أكثر صراحة صدمتي- من حزم زوجها وتحفظه وحذره المبالغ فيه. (إذن يا علماني لندع ساحة النقاد والمترجمين والمنافسين ممن يتاجرون بكلماتهم وقوامسيهم ونتحدث بصداقة .. متى سأقرأ صالح وحده) ضحك وأجابني ( وهل ظننت أن المترجم أمين جدا حد ألا يتواجد في مترجماته , صدقيني أنا موجود في كل ترجماتي , أسلوب المترجم يفرض نفسه على النص , من يعرفني جيدا من أصدقائي يعرفون أين أتواجد في مترجماتي). إذن المترجم خائن .. ولهذا لم يتجه علماني لترجمة الشعر لأنه كان قال لي الخيانة فيه كبيرة جدا .. قد يحتمل السرد الخيانات لكن الشعر أكثر رهافة .. غير أن إجابته لم تكفيني فصرح أنه يفكر- رغم إيمانه الشديد بأن مترجما جيدا أفضل كثيرا من نجومية كاتب نخب ثاني! – في كتابة روايته الأولى بعد أن ينهي ترجمة الكتاب المئة!.

(ما الذي انطبع بك من مترجماتك ولاحقك منغصا عليك نومك يا علماني)؟..أجاب إنها بالتأكيد (حفلة التيس) بقسوتها ليس أكثر .. وإنها بالتأكيد ( الحب في زمن الكوليرا) تلك التي أحببتها وإنها أيضا (الهدنة) والتي بقيت في الأمنيات أن أترجمها (القديسة سانتا إيفاتا) . (أي اللاتينيين يمتعك أكثر)؟ (ماركيز أولا ويوسا ثانيا) .. وهل بقي لديك للعرب متسع ؟( أقرأ لهم لكن ليس كثيرا , غير أنني أقرأ هدى بركات , حنان الشيخ,و ممدوح عزام). أين أنت من الاحتفاءآت العربية ؟(لم أعمل لأتلق جوائز .. ولم أتلق من أي جهة رسمية أي جائزة أو تكريم)..(ولماذا يا علماني لم تعمل كعميل مزدوج ؟حيث ربما يكرمك الآخرين) ابتسم وقد أدرك سؤالي جيدا وقال: الترجمة من العربية إلى الأسبانية تحتاج إلى مراس طويل وصبر حتى تصبح عملية آلية كما أترجم من الإسبانية الآن بطريقة آلية جدا .. صدقيني يا صديقتي أنا أترجم وأشرد كثيرا وأنا أترجم ) ضحكت وقلت له تمدنا بروايات (مضروبة ) يا علماني ..

إلى هنا انتهت زيارتي تقريبا .. وحتى أكون دقيقة وأكثر صدقا .. طلبت منه أن يوقع لي على أحد مترجماته فوقع بعبارة حميمة جدا .. (ابتعدي عن الصحافة ولنبق أصدقاء)!!


عن موقع سين الثقافي

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

9 من أفضل روايات أمريكا الجنوبية ننصحك بقراءتها

من البرازيل وحتى المكسيك، من تشيلي لبيرو ومرورًا بكوبا والإكوادور، في تلك البلاد والمجتمعات التي عانت كثيرًا من الاستعمار وقاومت لعقود عبر عشرات الثورات، من تلك البلاد الساحرة والمجتمعات الثرية بالحكايات كان أدب أمريكا اللاتينية جديرًا بالتبجيل والانتشار . ذلك الجمال الأدبي الساحر، والقصص والحكايات الإنسانية التي أبدع كتاب أمريكا الجنوبية في نسجها. ومن آلاف الكُتاب وعشرات الآلاف من الكتب والروايات الساحرة المنتمية لتلك البيئة نرشح لكم تلك الروايات التسعة .

المترجم عمر بوحاشي: الترجمة من الإسبانية للعربية تعرف قفزة نوعية بفضل ظهور جيل من المترجمين وتحديدا في شمال المغرب

حاورته: إيمان السلاوي يكشف المترجم المغربي عمر بوحاشي، في هذا الحوار، آخر أعماله المترجمة التي تهم رواية "الكوخ" للكاتب الإسباني بيثينتي بلاسكو إيبانييث، وكذلك عن إصداراته الأخيرة، ويقدم رؤية عن واقع الكتب المترجمة من الإسبانية إلى العربية في المغرب التي يعتبرها ذات مستقبل واعد . والمترجم حاصل على جائزة الترجمة من المعرض الدولي للنشر والثقافة بالدار البيضاء سنة 2014، عن رواية بعنوان "لسيدة بيرفيكتا" للكاتب المخضرم، بينيتو بيريث غالدوس، يؤكد أن “الترجمة تخلق نوعا من التفاعل الثقافي، وفتح الحوار بين الحضارات، وتساهم في انفتاح الشعوب على بعضها لتتعارف أكثر”. ويعتبر بوحاشي من جيل المترجمين الذين نقلوا أهم الكتب الإسبانية التي ساهمت في تشكيل المغرب في المخيلة الإسبانية خلال العقدين الأخيرين. فقد ترجم رواية "عيطة تطاون" لبينيتو بيريث غالدوس التي تعتبر منعطفا في الروايات التي كتبت حول المغرب لأنها تميزت بواقعية لم يعتدها الإنتاج الأدبي الإسباني حول الجار الجنوبي للإسبان .

قصص قصيرة جدا

إدواردو غاليانو* ترجمة: أسامة أسبر العالم صعد رجل من بلدة نيغوا، الواقعة على الساحل الكولومبي، إلى السماء. حين عاد وصف رحلته، وروى كيف تأمل الحياة البشرية من مكان مرتفع. قال: نحن بحرٌ من ألسنةِ اللهب الصغيرة. أضاف: العالم كومةُ من البشر، بحر من ألسنة اللهب الصغيرة. كل شخص يشع بضوئه الخاص وليس هناك لسانا لهب متشابهان. ثمة ألسنة لهب كبيرة وأخرى صغيرة من جميع الألوان. ألسنة لهب بعض البشر هادئة بحيث لا تتأجج حين تهب الريح، بينما يمتلك آخرون ألسنة لهب وحشية تملأ الجو بالشرار. بعض ألسنة اللهب الغبية لا تحرق ولا تضيء، لكن ثمة أخرى تفيض بلهب الحياة بحيث أنك لا تستطيع أن تنظر إليها دون أن ترف عيناك، وإذا اقتربت منها تضيئك.   العنب والخمر على فراش الموت، تحدث رجل يعمل في الكروم في أذن مرسليا. قبل أن يموت كشف السر هامساً: "إن العنب مصنوع من الخمر." هذا ما روته لي مارسيلا بيريث-سيلبا، وبعدها فكرتُ: إذا كان العنب مصنوعاً من الخمر، فربما نكون الكلمات التي تروي من نحن. فن للأطفال كانت تجلس على كرسي مرتفع أمام صحن من الحساء على مستوى العين. أنفها مجعد، أسنانها محكمة الإغلاق، وذراعاها...