قصة :خوليو كورتاثر
ترجمها عن الإسبانية: أحمد يماني**
حكاية بلا مغزى
كان ثمة رجل يبيع صرخات وكلمات، وكانت تجارته رابحة، رغم التقائه أناسًا كثيرين يساومون في السعر ويطلبون تخفيضًا. كان الرجل يقبل دومًا وهكذا تمكن من بيع العديد من الصيحات إلى باعة متجولين وبعض التنهدات التي تشتريها سيدات من ذوات الأملاك وكلمات تصلح كهتافات وشعارات وعناوين وأفكار زائفة.
أخيرًا عرف الرجل أن الوقت قد حان وطلب لقاء طاغية البلاد، والذي يشبه جميع زملائه، وقد استقبله محاطًا بالجنرالات والأمناء وفناجين القهوة: قال الرجل: جئت لأبيع لك كلماتك الأخيرة، إنها بالغة الأهمية لأنها لن تخرج منك قط بشكل طيب في حينها، وفي المقابل من الملائم لك أن تقولها ساعة الاحتضار القاسي، كي تشكل بسهولة مصيرًا تاريخيًا وتذكاريًا.
- ترجم لي ما يقوله. - أمر الطاغية مترجمه-
- إنه يتحدث بالأرجنتينية، فخامتكم.
- بالأرجنتينية؟! ولماذا لا أفهم شيئا؟!
- لقد فهمت جيدًا قال الرجل - أكرر أنني جئت لأبيع لك كلماتك الأخيرة.
وقف الطاغية على قدميه كما يحدث عادة في مثل هذه الظروف، وكاظمًا رعشة أمر بإلقاء القبض على الرجل وحبسه في زنزانة خاصة دائما ما توجد في هذه الأجواء الحكومية.
- يا للأسف- قال الرجل بينما كانوا يحملونه- في الحقيقة إنك ستود أن تقول هذه الكلمات حين يأتي الأجل، وستحتاج لقولها من أجل أن تشكل بسهولة مصيرا تاريخيا وتذكاريا. ما كنت سأبيعه لك هو ما ستود أن تقوله، فلا يوجد غش إذن، ولكن بما أنك لم تقبل الاتفاق وبما أنك لن تتعلم مقدمًا تلك الكلمات فحينما تحين اللحظة التي ستود فيها الكلمات أن تنبثق للمرة الأولى وبشكل طبيعي فإنك لن تتمكن من النطق بها.
- لماذا لن أتمكن من النطق بها، إذا كانت ما يجب علي قوله؟ تساءل الطاغية وأمامه فنجان آخر من القهوة.
- لأن الخوف لن يسمح لك- قال الرجل بحزن: لأن حبلاً سيكون حول عنقك ومرتديًا قميصا ترتعش من الرعب والبرد، وسوف تصطك أسنانك ولن تستطيع أن تنطق بكلمة. الجلاد والحضور، بينهم سيكون بعض هؤلاء السادة، سينتظرون دقيقتين لياقة، لكن عندما يخرج من فمك فقط أنين متقطع جراء الشهقة وتضرع استغفارا (لأن هذا ستتمكن من نطقه من دون جهد) سيفرغ صبرهم وسيقومون بشنقك.
أحاط الحاضرون بالطاغية وهم جد غاضبين وخصوصا الجنرالات وطلبوا منه إطلاق النار على الرجل في الحال. لكن الطاغية، وكان شاحبًا كالموت، طردهم بفظاظة واختلى بالرجل كي يشتري منه كلماته الأخيرة.
في الوقت نفسه، فإن الجنرالات والأمناء، المذلّين تماما من هذه المعاملة، أعدوا العدة للانقلاب عليه وفي الصباح التالي قبضوا على الطاغية بينما كان يأكل عنبًا في استراحته المفضلة. وكي لا يتمكن من نطق كلماته الأخيرة قاموا بقتله في الحال بإطلاق رصاصة عليه. بعد ذلك شرعوا في البحث عن الرجل الذي كان قد اختفى من مقر الحكومة، وسرعان ما وجدوه، فقد كان يتمشى في السوق بائعًا إعلانات للبهلوانات. وضعوه في سيارة الشرطة وحملوه إلى القلعة وقاموا بتعذيبه كي يكشف عن الكلمات التي كانت من الممكن أن تكون الأخيرة للطاغية. وبما أنهم لم يتحصلوا على أي اعتراف منه فقد قاموا بقتله ركلاً.
الباعة الجائلون الذين كانوا قد اشتروا صرخات منه ظلوا يصرخون في الزوايا، إحدى تلك الصرخات صارت بعد ذلك كلمة سر للثورة المضادة التي أنهت حكم الجنرالات والأمناء. البعض منهم، قبل أن يموت، فكر مضطربًا أنه في الحقيقة كل ذلك كان سلسلة خرقاء من الارتباكات وأن الكلمات والصرخات كانت في الواقع شيئا يمكن أن يباع ولكن لا يشترى، وإن كان يبدو ذلك عبثيا.
طال التحلل الجميع، الطاغية والرجل والجنرالات والأمناء، لكن الصرخات ظلت تتردد بين الحين والآخر في الزوايا.
- ترجم لي ما يقوله. - أمر الطاغية مترجمه-
- إنه يتحدث بالأرجنتينية، فخامتكم.
- بالأرجنتينية؟! ولماذا لا أفهم شيئا؟!
- لقد فهمت جيدًا قال الرجل - أكرر أنني جئت لأبيع لك كلماتك الأخيرة.
وقف الطاغية على قدميه كما يحدث عادة في مثل هذه الظروف، وكاظمًا رعشة أمر بإلقاء القبض على الرجل وحبسه في زنزانة خاصة دائما ما توجد في هذه الأجواء الحكومية.
- يا للأسف- قال الرجل بينما كانوا يحملونه- في الحقيقة إنك ستود أن تقول هذه الكلمات حين يأتي الأجل، وستحتاج لقولها من أجل أن تشكل بسهولة مصيرا تاريخيا وتذكاريا. ما كنت سأبيعه لك هو ما ستود أن تقوله، فلا يوجد غش إذن، ولكن بما أنك لم تقبل الاتفاق وبما أنك لن تتعلم مقدمًا تلك الكلمات فحينما تحين اللحظة التي ستود فيها الكلمات أن تنبثق للمرة الأولى وبشكل طبيعي فإنك لن تتمكن من النطق بها.
- لماذا لن أتمكن من النطق بها، إذا كانت ما يجب علي قوله؟ تساءل الطاغية وأمامه فنجان آخر من القهوة.
- لأن الخوف لن يسمح لك- قال الرجل بحزن: لأن حبلاً سيكون حول عنقك ومرتديًا قميصا ترتعش من الرعب والبرد، وسوف تصطك أسنانك ولن تستطيع أن تنطق بكلمة. الجلاد والحضور، بينهم سيكون بعض هؤلاء السادة، سينتظرون دقيقتين لياقة، لكن عندما يخرج من فمك فقط أنين متقطع جراء الشهقة وتضرع استغفارا (لأن هذا ستتمكن من نطقه من دون جهد) سيفرغ صبرهم وسيقومون بشنقك.
أحاط الحاضرون بالطاغية وهم جد غاضبين وخصوصا الجنرالات وطلبوا منه إطلاق النار على الرجل في الحال. لكن الطاغية، وكان شاحبًا كالموت، طردهم بفظاظة واختلى بالرجل كي يشتري منه كلماته الأخيرة.
في الوقت نفسه، فإن الجنرالات والأمناء، المذلّين تماما من هذه المعاملة، أعدوا العدة للانقلاب عليه وفي الصباح التالي قبضوا على الطاغية بينما كان يأكل عنبًا في استراحته المفضلة. وكي لا يتمكن من نطق كلماته الأخيرة قاموا بقتله في الحال بإطلاق رصاصة عليه. بعد ذلك شرعوا في البحث عن الرجل الذي كان قد اختفى من مقر الحكومة، وسرعان ما وجدوه، فقد كان يتمشى في السوق بائعًا إعلانات للبهلوانات. وضعوه في سيارة الشرطة وحملوه إلى القلعة وقاموا بتعذيبه كي يكشف عن الكلمات التي كانت من الممكن أن تكون الأخيرة للطاغية. وبما أنهم لم يتحصلوا على أي اعتراف منه فقد قاموا بقتله ركلاً.
الباعة الجائلون الذين كانوا قد اشتروا صرخات منه ظلوا يصرخون في الزوايا، إحدى تلك الصرخات صارت بعد ذلك كلمة سر للثورة المضادة التي أنهت حكم الجنرالات والأمناء. البعض منهم، قبل أن يموت، فكر مضطربًا أنه في الحقيقة كل ذلك كان سلسلة خرقاء من الارتباكات وأن الكلمات والصرخات كانت في الواقع شيئا يمكن أن يباع ولكن لا يشترى، وإن كان يبدو ذلك عبثيا.
طال التحلل الجميع، الطاغية والرجل والجنرالات والأمناء، لكن الصرخات ظلت تتردد بين الحين والآخر في الزوايا.
خطوط اليد
مسلك المرايا في جزيرة عيد الفصح
جمل غير مرغوب فيه
-----------------------------------
* كاتب أرجنتيني 1914 - 1984
** كاتب ومترجم من مصر
- عن موقع سين
تعليقات
إرسال تعليق