التخطي إلى المحتوى الرئيسي

"حياة دون كيخوته وسانتشو".. قراءة في سيرة البطل المضاد



يندرج كتاب "حياة دون كيخوته وسانتشو" للكاتب الإسباني ميغيل دي أونامونو في إطار السيل الجارف من النصوص النقدية التي حاولت تفسير شخصية الدون كيخوته وتابعه سانتشو بانثا بطلي رواية الكاتب الإسباني سيرفانتس حيث شهدت الأربعمئة سنة الأخيرة التي تلت صدور الرواية العديد من الدراسات والمقالات والأطروحات التي سعت لتقويم هذا العمل الأدبي العظيم.

وكان كتاب وفلاسفة وأدباء كل عصر يفهمون الدون كيخوته على طريقتهم فيبرزون طبيعته الساخرة من كتب الفروسية ووظيفته التهكمية من عادات معينة وموقفه في الدفاع عن المثل العليا وتقويم الاعوجاج فضلاً عن التركيز على طبيعة العمل الروائية الواقعية‏ التي دشنت مسار الرواية العالمية بمفهومها الحديث.

وفي هذا الاتجاه يأتي كتاب أونامونو المنشور لأول مرة عام 1905 في الذكرى المئوية الثالثة لصدور رواية ثربانتس حيث سبقه في إسبانيا بتلك المرحلة كم هائل من الأدب التجديدي الإصلاحي ساهم أونامونو نفسه في إثرائه فيما بعد بصورة متوالية وحاسمة عبر أعمال ومقالات مهمة حول فيها دون كيخوته إلى مركز تأملاته حول أسباب انحدار الإسبان وسباتهم والبحث عن حلول للخروج من ذلك الوضع جاعلاً من الدون كيشوت مثلاً لفارس الإيمان بمثل نشر العدالة والمحبة.

ويقول صالح علماني مترجم الكتاب عن الإسبانية في مقدمة الكتاب الصادر حديثاً عن “دار رفوف” بدمشق انه من أجل فهم دقيق لهذا الكتاب ولطروحات أونامونو فيه فلا بد للقارئ من العودة مجدداً إلى أجواء المرحلة التي كتب فيها هذا الكتاب أي مرحلة ما بعد هزيمة إسبانيا في مواجهتها مع الولايات المتحدة عام 1898 والتي انعكست على كافة مستويات الحياة اليومية الإسبانية فكان هناك اختلال توازن هائل جرى التعبير عنه على المستوى الفكري من خلال كتاب “جيل 98” الذين عكسوا في أعمالهم احتضار الكارثة الاستعمارية والغم الوجودي لموضوع إسبانيا.


ويوضح علماني على صفحات الكتاب أن “حياة دون كيخوته وسانتشو” ليس في الواقع إلا صورة ذاتية يقدمها أونامونو لنفسه مزينة بمجموعة من القيم كالإيمان والشجاعة والجنون والعاطفة كي يعرض نفسه للقارئ كمثال حيوي خاص بأونامونو قبل أن يكون لثربانتس ويؤكد أنامونو في مقدمة الطبعة الثانية لكتابه أن إصداره “ حياة الدون كيخوته وسانتشو” توافق مصادفة وليس عمداً مع الاحتفال بالذكرى المئوية الثالثة لطباعة الكيخوته أول مرة إذ يجب عدم فهم كتابه على أنه “عمل بمناسبة الذكرى المئوية”.

ويهرب أونامونو في كتابه “حياة دون كيخوته وسانتشو” من الطريقة التقليدية في قراءة عمل ثربانتس التي سار عليها التجديديون من أبناء جيله ففي لجوئه إلى طرح أسطورة الكيخوته لم يتبع أونامونو الدروب التي خطها غيره من التجديديين الإصلاحيين إنما استفاد من شخصية الكيخوته بصورة أساسية ليحدد نفسه في دور المثقف المصمم في تلك الفترة على لعب دور البطولة.

وينطلق أونامونو في تأملاته حول شخصية الكيخوته من إنكار أي مغزى موضوعي في كتاب ثربانتس ويبقي خطابه موجهاً حصرياً إلى ذاتية القارئ فنراه ينطلق في خطابه على الدوام من تجربة واردة في الكتاب ترفع لديه إلى مقولة فلسفية ثم تحول إلى نظرية وأخيراً وفي حركة ثالثة يتحول اهتمام النص إلى الحياة. ‏

‏يذكر أن كتاب “حياة دون كيخوته وسانتشو” يقع في 324 صفحة من القطع المتوسط ورواية ثربانتس من أهم الروايات العالمية التي تلقت في القرن التاسع عشر دفعة كبيرة حولت الكيخوته إلى أسطورة من خلال ما قدمه الرومانسيون الألمان من قراءات مثالية للكتاب وسعت من انتشاره عالمياً.

ودون كيخوته هو الشخصية الرئيسية التي تمنح العنوان لرواية الكاتب الإسباني ميغيل ثربانتس الصادرة بعنوان.. “قصة النبيل العبقري دون كيخوته دي لا مانتشا” حيث كان صدورها أول مرة في جزأين الأول منهما عام 1605 بينما صدر الجزء الثاني بعد عشرة أعوام في العام 1614 وتعتبر رواية ثربانتس من أوسع الكتب قراءة في العالم فقد تحول بطلها “دون كيخوته” مع مرور الزمن إلى أسطورة ونموذج للمغامر المثالي المناضل ضد الظلم.



تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

قصص قصيرة جدا

إدواردو غاليانو* ترجمة: أسامة أسبر العالم صعد رجل من بلدة نيغوا، الواقعة على الساحل الكولومبي، إلى السماء. حين عاد وصف رحلته، وروى كيف تأمل الحياة البشرية من مكان مرتفع. قال: نحن بحرٌ من ألسنةِ اللهب الصغيرة. أضاف: العالم كومةُ من البشر، بحر من ألسنة اللهب الصغيرة. كل شخص يشع بضوئه الخاص وليس هناك لسانا لهب متشابهان. ثمة ألسنة لهب كبيرة وأخرى صغيرة من جميع الألوان. ألسنة لهب بعض البشر هادئة بحيث لا تتأجج حين تهب الريح، بينما يمتلك آخرون ألسنة لهب وحشية تملأ الجو بالشرار. بعض ألسنة اللهب الغبية لا تحرق ولا تضيء، لكن ثمة أخرى تفيض بلهب الحياة بحيث أنك لا تستطيع أن تنظر إليها دون أن ترف عيناك، وإذا اقتربت منها تضيئك.   العنب والخمر على فراش الموت، تحدث رجل يعمل في الكروم في أذن مرسليا. قبل أن يموت كشف السر هامساً: "إن العنب مصنوع من الخمر." هذا ما روته لي مارسيلا بيريث-سيلبا، وبعدها فكرتُ: إذا كان العنب مصنوعاً من الخمر، فربما نكون الكلمات التي تروي من نحن. فن للأطفال كانت تجلس على كرسي مرتفع أمام صحن من الحساء على مستوى العين. أنفها مجعد، أسنانها محكمة الإغلاق، وذراعاها

EL TIEMPO ENTRE COSTURAS

رواية اسبانية بنكهة مغربية أصبحت رواية الأديبة الإسبانية ماريا دوينياس "الوقت بين ثنايا الغرز"، التي تدور أحداثها في مدينة طنجة المغربية، إلى ظاهرة حقيقية حيث حققت مبيعات تجاوزت المليون نسخة، كما ترجمت لعدة لغات بينها الإنجليزية والألمانية كما تحولت إلى مسلسل تليفزيوني ضخم، سوف يبدأ عرضه مطلع 2012. وامتد نجاح الرواية ليتجاوز حدود إسبانيا حيث من المقرر أن تظهر ترجمتها الإنجليزية في الولايات المتحدة في نوفمبر المقبل، وفي نفس الشهر سوف يتم تكريم المؤلفة، في معرض جوادالاخارا الدولي للكتاب في المكسيك. وفي تصريحات لوكالة (إفي) قالت الأديبة دوينياس "أنا سعيدة لكل هذا النجاح الذي حققته الرواية، لأنه يؤكد أنها تتناول أحداثا ذات طبيعة كونية. تدور أحداث الرواية حول سيرا كيروجا، مصممة أزياء شابة، تضطر لمغادرة مدريد، بحثا عن حبيب مجهول، إلى أن تعثر عليه في مدينة طنجة التي كانت واقعة في تلك الأثناء تحت الاحتلال الإسباني، ويحاولان الاستقرار هناك. ومرة أخرى تجد سيرا نفسها مضطرة للرحيل إلى تطوان، والتي كانت أيضا تحت الاحتلال الإسباني (1902-1956)، هربا من الديون والشعور بالو

المترجمة بثينة الإبراهيم: الترجمة تقاوم القبح وتدخلنا غابة الكلمات

علي سعيد جريدة الرياض بالنسبة لبثينة الإبراهيم، الترجمة بمثابة مزاولة الرياضة اليومية. المترجمة السورية المقيمة في الكويت، احتفى بها متابعوها على شبكات التواصل لاتمام عامها الأول في نشر مقاطع أدبية واظبت على ترجمتها ونشرها كل صباح، إلى جانب استمرار مترجمة (أشباهنا في العالم) في رفد المكتبة بالأعمال التي نقلتها إلى العربية. عن تجربة الترجمة اليومية، تقول بثينة الإبراهيم: "كان أول مقطع أترجمه منفصلًا –أعني دون أن يكون في مقال أو عمل كامل- في شهر يونيو من العام الماضي، كنت أقرأ رواية لخابيير مارياس وأعجبتني عدة مقاطع من الرواية، كان أولها ذاك الذي يصف فيه يدي امرأة تجلس أمامه في القطار، لم يكن هناك خطة مسبقة لهذا، كان الأمر بسيطًا جدًا في حينها". وحول مسألة الالتزام في الترجمة اليومية، وأهميته على المترجم من حيث تطوير الأدوات وصقل التجربة، تقول الإبراهيم: "ربما لا يلتزم كل المترجمين بترجمة يومية، إلا لو كانوا مرتبطين بأعمال يودون إنجازها سريعًا، لكن من تجربتي الشخصية؛ أجد أنها لا تختلف أبدًا عن ممارسة التمارين الرياضية يوميًا، كلاهما تصقل العضلات والمهارات&q