التخطي إلى المحتوى الرئيسي

الكاتب والشّاعر الإسبانيّ أنطونيُو غَالاَ: الأندلس كانت وما زالت الهواء الذي أتنفّسُه!

د.محمّد م. خطّابي
 
يقول الكاتب والناقد الإسباني خوسّيه إنفانتي: إنّ نوعية الأدب الملتزم الذي يكتبه الرّوائي والشاعر الإسباني الأندلسي المعروف أنطونيو غالا يجعله ينأى عن أيّ تكريم أو عن أية جائزة أدبية مرموقة رسمية في إسبانيا منذ سنوات عديدة خلت باستثناء جائزة بلانيتا التي حصل عليها بواسطة روايته المخطوط القرمزي، التي تدور حول آخر ملوك بني نصر في غرناطة أبي عبد الله الصغير، ومعروف أنّ اختيار اللون القرمزي عنواناً لهذه الرّواية يرمز به غالا إلى الوثائق، والورق المُهرق، والقراطيس التي كانت تُستعمل في بلاطات قصور بني نصر بمدينة غرناطة، وعلى هذا الصّنف من المخطوطات الغميسة، كتب الملك أبو عبد الله الصغير مذكراته ويومياته، ومن ثمّ كان هذا العنوان الذي أراد غالا به أن يحتفظ أو أن يبرز في روايته اسمَه العربي القديم بعد اطلاعه على هذه المخطوطات، والمراجع، والمظانّ الأخرى التي لها صلة بالحقبة التاريخية التي تدور فيها أحداث هذه الرواية على إثر سقوط آخر معاقل الإسلام في الأندلس وهي غرناطة عام 1492 في يد الإسبان.
  ضريبة الالتزام في الأدب !
يشير الناقد خوسّيه إنفانتي إلى أنّ: الالتزام في الأدب على طريقة كبار الكتّاب الرّوس قد تكون ضريبته باهظة الثمن، فالكاتب أنطونيو غالا، الذي حصل على العديد من الجوائز التكريمية، وعلى أوسمة فخرية وشرفية داخل بلاده إسبانيا وخارجها، يبيّن لنا أنّ هناك تناقضاً واضحاً في هذا القبيل، ففي الوقت الذي يحظى فيه غالا بشهرة واسعة بين القراء في مختلف البلدان الناطقة باللغة الإسبانية نراهم يحرمونه من أيّ جوائز كبرى أدبية رسمية في بلده إسبانيا، مصداقاً للقول المشهور لا كرامة لنبيّ بين قومه، فقد انحاز غالا سياسياً لليسار خلال الانتقال الديمقراطي في إسبانيا، وطالب بالحُكم الذاتي لإقليم الأندلس، وهاجم إسرائيل بشدّة، واتّهِم بمعاداته للسّامية، وكان رئيساً لجمعية الصداقة الإسبانية-العربية. وما فتئ الناقد الإسباني خوسّيه إنفانتي إلى جانب كوكبة واسعة من الكتاب، والنقّاد، والفنّانين الإسبان الآخرين، يطالبون من دون هوادة منح أنطونيو غالا جائزة أميرة أستورياس أو سيرفانتيس أو الجائزة الوطنية للآداب، -وهي أهمّ الجوائز الأدبية المرموقة التي تمنح في إسبانيا-لأنه جدير، وأهل، وقمين بها. بل إنه في نظر هؤلاء الكتّاب أكثر استحقاقا من الكثيرين ممّن حصلوا على هذه الجوائز الأدبية الكبرى قبله.
كان أنطونيو غالا بالفعل، وما زال، ضمن الكتّاب الأسبان المُرشّحين للحصول على هذه الجوائز المهمّة بعد أن أصبح يناهز ال 88 سنة من عمره، ومع ذلك فهو لم يحظ بهذا التكريم إلى اليوم. علماً أنّ هذا الكاتب معروف عنه شجاعته الأدبية في ما يتعلق بتاريخ الأندلس، حيث ما انفك يعيد توضيح بعض الحقائق التاريخية عن شبه الجزيرة الإيبيرية حول مدى تأثير الثقافة العربية ولغتها في الحضارة والنفسية الاسبانية على وجه الخصوص، وقال في العديد من المناسبات، وما زال يقول بصوتٍ جهوري وصريح إنه: من دون معرفة الثقافة العربية والأمازيغية الإسلامية لا يمكن فهم إسبانيا.
عاشق الأندلس 
كثيراً ما يتعرّض أنطونيو غالا في أحاديثه ومداخلاته، بل وفي كتبه ومؤلفاته شعراً ونثراً إلى هذه المواضيع التي تروقه، وبشكل خاص الوجود العربي والاسلامي في إسبانيا، والإشعاع الذي عرفته الأندلس على أيامهم. إنّه يقول على سبيل المثال لا الحصر: إذا سئلت ما هي الأندلس...؟ لقلت إنها عصير غازي يساعد على هضم كلّ ما يُعطىَ لها حتى لو كان حجراً، فقد مرّت من هنا مختلف الثقافات بكل معارفها وعلومها، إلاّ أنّ الثقافة العربية والإسلامية في إسبانيا كانت من أغنى الثقافات الإنسانية ثراءً، وتنوّعاً، وتألقاً وإشعاعاً التي عرفتها شبه الجزيرة الإيبيرية في الأندلس وبالتالي، هي بحقّ منارة علم، وحضارة، وعرفان، قلّ نظيرها على امتداد تاريخها الطويل، فبعد الملوك الكاثوليك جاءت محاكم التفتيش الفظيعة في أعقاب ما سُمّي ب: حروب الاسترداد التي كانت في الواقع حروباً للاستعباد والاستبداد والتي تركت جروحاً عميقة غائرة في الجسم الاسباني، هذه الجروح لم تلتئم بعدُ حتى اليوم، فإسبانيا ظلت هي ذَنَب أوروبا غير المسلوخ، هي أوروبا كذلك ولكن بطريقة أخرى، فهناك جبال البرانس التي توصد الأبواب بيننا وبين العالم الأوروبي، وهناك البحر الأبيض المتوسّط من الأسفل، فإسبانيا وكأنها تشكل قدَراً جغرافياً، وهي ممرّ أوروبا نحو إفريقيا. ولإسبانيا اليوم سفارتان كبيرتان ينبغي لها أن توليهما أهمية خاصّة، وهما العالم العربي، والعالم الأميركي، فقد أورثها التاريخ هذه المهمّة الصّعبة، وهي أيّ إسبانيا إذا لم تضطلع بهذا الدّور فإنما تخون نفسَها وتخون شعبَها والتاريخ. ويشير غالا إلى أنّ اللغة بالنسبة إليه، أساسيّة بل إنها هوَسه وقدَره، وهو يعمل محاطاً بالعديد من القواميس، فاللغة الاسبانية في نظره، لغتان أو فرعان اثنان، فرع ينحدر من اللغة اللاتينية، وفرع آخر ينحدر من اللغة العربية لدرجة تبعث القشعريرة في الجسم.
أجمل المعاني 
وأروع الأشياء 
ويشير غالا إلى أنه خلال قراءاته المتنوّعة العديدة، أو عند كتابته لأيّ مؤلَّف جديد حول الحضارة العربية، فإنه يكتشف كل يوم حقائقَ مثيرة تدعو للتفكير، والتأمّل، والإعجاب حقاً. فأجمل المعاني وأروع الأشياء في إسبانيا جاءت من الحضارة العربية، بل إنّ أجمل المهن، وأغربها، وأدقها، وأروعها، وكذلك ميادين تنظيم الادارة، والجيوش، والفلاحة، والملاحة، والطبّ، والاقتصاد، والعمارة، والبستنة والري، وتصنيف الألوان، والأحجار الكريمة، والصناعات التقليدية معدنية كانت أم فخارية، أم خشبية، وفضلاً عن المهن المتواضعة، كلّ هذه الأشياء التي نفخر بها نحن اليوم في إسبانيا، تأتي وتنحدر من اللغة العربية وحضارتها، وهذا لم يحدث من باب الصّدفة أو الاعتباط، فالعرب والأمازيغ أقاموا في هذه الديار زهاء ثمانية قرون، وظللنا نحن نحاربهم ثمانية قرون لإخراجهم، وطردهم من شبه الجزيرة الإيبيرية، فكيف يمكن للمرء أن يحارب نفسَه؟. ذلك أن الثقافة العربية كانت قد تغلغلت في روح كلّ إسباني، فبدون هذه الثقافة لا يمكن فهم إسبانيا، ولا كل ما هو إسباني بل لا يمكننا أن نفهم حتى اللغة الاسبانية ذاتها. ويضيف: إنّ هذه الحقيقة تصدم البعض إلا أنّهم إذا أعملوا النظر، وتأمّلوا مليّاً في هذا الشأن فلا بدّ أنهم سيقبلون بهذه الحقيقة بدون ريب، فالبراهين قائمة، والحجج دامغة في هذا القبيل.
الأندلس بالنسبة إليه 
وضمن استجواب مُوفٍ، ومُثرٍ وعميق، أجراه مشكوراً الباحث الزميل الدكتور خالد سالم مع أنطونيو غالا حيث سأله عن بداية اهتمامه بالتراث العربي الأندلسي قال: أعتقد أنّ طفلاً يولد في مدينة أبيلا شمالي إسبانيا ليس مثل طفل آخر يولد في قرطبة، فهو ليس أفضل ولا أسوأ، بل إنه بكل بساطة مختلف. والطفل الذي أدافع عنه طفل يشمّ هواءً معيّناً، ويرى أثاراً خاصّة، ويعيش في وسط مختلف، فأنا عندما يسألونني عن أثر الأندلس في شخصيتي لا أملك سوى الضّحك، لأن الأندلس تتملّكني، إنّها الهواء الذي تنفسّتُ، والحليب الذي رضعت في الصّغر، فهي عميقة وقوية وصريحة في أعمالي وفي شخصيتي، إنها كلّ أعمالي، فروايتي التي تحمل عنوان خلف الحديقة تجري أحداثها في إشبيلية، وإشبيلية الحالية هي أكثر المدن أندلسيةً أو احتفاظا بروحها الأندلسية، إنه الاهتمام بأجدادي، بأصولي. وإن كان التطوّر قد أساء إلى الأندلس، فالتقدّم يعني التخلف هناك. كانت الأندلس عظيمة، ولكي تصبح عظيمة من جديد عليها أن تعود كما كانت عليه في الماضي. كانت حلماً تاريخياً. الطريق الذي كان يصل بين قرطبة ومدينة الزّهراء كان مرصوفاً بمسحوق الذهب والطيب والقرفة، حتى لا تطأ أرجل الذين كانوا يحملون الهودج الأرضَ في طريقهم إلى مدينة الزّهراء، وهو ما يحملني على الشّعور بالأسىَ عندما أرى طريقاً سيّاراً سريعاً يمرّ بقرطبة. فقرطبتي كانت أفضل بكثير ممّا هي عليه الآن. وإذا كان لي أن أتكلم عن الأثر التاريخي الذي خلف أعمق بصمة في حياتي، فإنني سأختار بلا تردّد المسجد الكبير في قرطبة، ولو لم يكن هذا الأثر موجوداً فيها لتغيّرت حياتي كثيراً. وقال غالا في هذا الحوار الرّائع أيضاً: أشعر أنني أنتمي إلى الثقافة العربية، وقد درستها بتأنٍّ ورويّةٍ لأكتشف أنها ثقافة مُدهشة، ومن منطلق هذا الإعجاب، فإنني أشعر أنّ اسم الأمويين محفور على جبهتي، وفي قلبي اسم العباسيين الإشبيليين، وفي يدي اسم بني نصر الغرناطيين. إنني أشعر بصلةٍ قويةٍ تجمعني بالأندلس، لهذا أردتُ أن يكون أوّل عملٍ روائي لي هو المخطوط القرمزي، وهي رواية تدور أحداثها في غرناطة العربية.
الشّعرُ يتكيّف 
مع كلِّ إناءٍ يحتويه 
وعن سؤال عن الشّعر وعن أقرب أجناس الأدب وأكثرها تأثيراً عليه، قال غالا في الحوار نفسه: إنني أؤمن بنظرية لأفلاطون، وهي أن الإبداع عندي هو الشعر، أيّ أنه كلّ شيء. إنه كأيّ سائلٍ يتكيّف مع شكل الإناء الذي يحتويه. وهكذا نجد أبيات القصيدة شعراً، وهناك شعر روائي يتمثل في المسرح، وشعر قصصي في القصّة، وشعر المقالة، وشعر الحياة، كيفية تأمل الحياة، الطريقة التي نرى بها مرورها وقدوم الموت، ففي حالة إدراك الناس للحقيقة، قد تكون القصيدة الشعرية من أكثر الفنون تأثيراً، لأنها درب للمعرفة، فهي ليست شكلاً تعبيرياً كالمسرح، بل هي شكل معرفة ودراية، لهذا إن وصلت القراء تأثروا بها. بعد الشعر يأتي المسرح على أساس أنه مباشر، يصل بلا وسيط إلى قلب المتفرج، وتأثيره يختلف عن تأثير العمل الروائي حيث يتصل القارئ بالكاتب رغم المسافة التي تفصل بينهما عند القراءة. المسرح يتمتع بالظاهرة الجماعية ومشاركة الجمهور، وهو شأن القصيدة، إذ يفترض أنها تكتب لتنشد على الجمهور، وإن كانت هذه الخاصّية قد سرقها المسرح من القصيدة، بيد أن المسرح لا يغير، فوظيفته هي التنبيه، والإيقاظ. إنه يشير إلى موطن الداء، ولا يضع الدواء.
حضارة بهرت العالم 
ويقول غالا ضمن استجواب كان قد أدلى به لجريدة لا خُورنادا المكسيكية: إن الذي حدث في إسبانيا ليس اكتشافا أو غزواً مثلما هو عليه الشأن في أميركا، فالذي حدث هنا كان تجليّاً ثقافيا واضحاً، إنه شيء يشبه الانبهار الذي يبعث على الإعجاب الذي يغشى المرء بعد كل معجزة، فقد وصل العرب والأمازيغ إلى إسبانيا وهم يحملون معهم ذلك العِطر الشرقي العبق الفوّاح الذي كانت الأندلس تعرفه من قبل عن طريق الفينيقيّين الذين قدِموا من لبنان ، والإغريق الذين قدِموا من اليونان، وصل العرب بذلك العطر الشرقي والبيزنطي، ووجدوا في الأندلس ذلك العطر الروماني حيث نتج في ما بعد أو تفتّق وانبثق عطر أو سحر جديد من جرّاء الاختلاط والتمازج، والتجانس، والتنوّع والتعدد الذى بهر العالم المعروف في ذلك الأوان، فحقيقة التهجين والتوليد وتمازج الأجناس في إسبانيا هي حقيقة ماثلة، لا يمكن إنكارها، إنّ إسبانيا ابنة التوليد، إذ تمازجت على أرضها ثقافات الشرق والغرب، وبشكل خاص في حوض البحر المتوسط. فالعرب والأمازيغ لم يدخلوا شبه الجزيرة الإيبيرية بواسطة الحصان وحسب، بل إنّهم دخلوها مستنيرين، مكتشفين، ناشرين لأضواء المعرفة، وشعاع العلم، والأدب، والشّعر، والحِكمة، والعرفان والموسيقى والأنغام، وبهذا المعنى كان دخولهم إليها كشفاً أو اكتشافا ثقافياً خالصاً.
ويضيف غالا: هنا يكمن الفرق بين الذي ينبغي لنا أن نحطّه نصبَ أعيننا للإجابة عن ذلك التساؤل الدائم: لماذا لم تلتئم القروح ولم تندمل الجروح بعد في أميركا اللاتّينية حتى اليوم؟. ويتعجّب غالا من إسبانيا اليوم التي تقف في وجه كلّ ما هو أجنبيّ وتنبذه وتصدّه عِلماً أنّ الشعب الاسباني تجري في عروقه مختلف الدّماء والسّلالات، والأجناس والأعراق، ومع ذلك ما زالت إسبانيا تظهر بمظهر العنصرية وتدّعي أنها براء من أيّ دم أجنبي.
دواعي اكتشاف العالم الجديد 
ويشير غالا بسخرية مبطّنة مرّة ولاذعة إلى أنّ: أيّ إسباني من مملكة قشتالة لم يكن في مقدوره أن يقوم بأيّ أعمال يدوية بارعة ،كما لم يكن في إمكانه زراعة الأرض المترامية الأطراف أمامه بحنكة ومهارة، وهذا هو السّبب الذي أدّى أو أفضى الى اكتشاف أميركا، أو ما سمّي في ما بعد بالعالم الجديد. فجميع هؤلاء الذين لم يكونوا يحبّون القيام بأيّ عمل يدوي كان عليهم أن يذهبوا وينتشروا في الأرض مكتشفين، وكان الإسبان شعباً محارباً، فهم يتدرّبون منذ ثمانمائة سنة، وكانوا باستمرار ينتظرون ويتحيّنون الفرصة المواتية للانقضاض على الغنائم بعد هذه الحروب الطويلة الضروس، ومن هنا ذهبوا بحثاً عن أرض بِكر تعجّ بالغِنىَ، والثراء، والثروات، وكانت هذه الأرض هي أمريكا .ويعتب غالا على الإسبان إذ اتسموا في غالب الأحيان في بلدهم وفي البلدان التي غزوها بالعنف، والجبروت، والقهر، والغِلظة، ولم يعتبروا الشعوبَ الاسبانية شعوباً بالمعنىَ الصّحيح للكلمة، وقد نُزِعت عنهم كلّ صفةٍ للرّحمة والرّأفة والشّفقة، وهكذا أصبحوا في هذا الصّقع النائي من العالم أبعدَ ما يكونون عن رسالة السيّد المسيح المتسامحة .
لابدّ أنّ القارئ أمكنه بعد هذه العجالة استكناه الأسباب والدّواعي التي حَدَتْ بالمُطالبين بترشيح، أو توشيح، أو منح الجوائز الأدبية الإسبانية المرموقة إيّاها عن كلّ استحقاق لأنطونيو غالا ولنظرائه من المبُدعين المُلتزمين..!.

د. محمد خطّابي، كاتب، وباحث، ومترجم، وقاصّ ، عضو الأكاديمية الإسبانية- الأميركية للآداب والعلوم - بوغوتا- كولومبيا.
ــــــــــــــــــــــــــ

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

قصص قصيرة جدا

إدواردو غاليانو* ترجمة: أسامة أسبر العالم صعد رجل من بلدة نيغوا، الواقعة على الساحل الكولومبي، إلى السماء. حين عاد وصف رحلته، وروى كيف تأمل الحياة البشرية من مكان مرتفع. قال: نحن بحرٌ من ألسنةِ اللهب الصغيرة. أضاف: العالم كومةُ من البشر، بحر من ألسنة اللهب الصغيرة. كل شخص يشع بضوئه الخاص وليس هناك لسانا لهب متشابهان. ثمة ألسنة لهب كبيرة وأخرى صغيرة من جميع الألوان. ألسنة لهب بعض البشر هادئة بحيث لا تتأجج حين تهب الريح، بينما يمتلك آخرون ألسنة لهب وحشية تملأ الجو بالشرار. بعض ألسنة اللهب الغبية لا تحرق ولا تضيء، لكن ثمة أخرى تفيض بلهب الحياة بحيث أنك لا تستطيع أن تنظر إليها دون أن ترف عيناك، وإذا اقتربت منها تضيئك.   العنب والخمر على فراش الموت، تحدث رجل يعمل في الكروم في أذن مرسليا. قبل أن يموت كشف السر هامساً: "إن العنب مصنوع من الخمر." هذا ما روته لي مارسيلا بيريث-سيلبا، وبعدها فكرتُ: إذا كان العنب مصنوعاً من الخمر، فربما نكون الكلمات التي تروي من نحن. فن للأطفال كانت تجلس على كرسي مرتفع أمام صحن من الحساء على مستوى العين. أنفها مجعد، أسنانها محكمة الإغلاق، وذراعاها

EL TIEMPO ENTRE COSTURAS

رواية اسبانية بنكهة مغربية أصبحت رواية الأديبة الإسبانية ماريا دوينياس "الوقت بين ثنايا الغرز"، التي تدور أحداثها في مدينة طنجة المغربية، إلى ظاهرة حقيقية حيث حققت مبيعات تجاوزت المليون نسخة، كما ترجمت لعدة لغات بينها الإنجليزية والألمانية كما تحولت إلى مسلسل تليفزيوني ضخم، سوف يبدأ عرضه مطلع 2012. وامتد نجاح الرواية ليتجاوز حدود إسبانيا حيث من المقرر أن تظهر ترجمتها الإنجليزية في الولايات المتحدة في نوفمبر المقبل، وفي نفس الشهر سوف يتم تكريم المؤلفة، في معرض جوادالاخارا الدولي للكتاب في المكسيك. وفي تصريحات لوكالة (إفي) قالت الأديبة دوينياس "أنا سعيدة لكل هذا النجاح الذي حققته الرواية، لأنه يؤكد أنها تتناول أحداثا ذات طبيعة كونية. تدور أحداث الرواية حول سيرا كيروجا، مصممة أزياء شابة، تضطر لمغادرة مدريد، بحثا عن حبيب مجهول، إلى أن تعثر عليه في مدينة طنجة التي كانت واقعة في تلك الأثناء تحت الاحتلال الإسباني، ويحاولان الاستقرار هناك. ومرة أخرى تجد سيرا نفسها مضطرة للرحيل إلى تطوان، والتي كانت أيضا تحت الاحتلال الإسباني (1902-1956)، هربا من الديون والشعور بالو

المترجمة بثينة الإبراهيم: الترجمة تقاوم القبح وتدخلنا غابة الكلمات

علي سعيد جريدة الرياض بالنسبة لبثينة الإبراهيم، الترجمة بمثابة مزاولة الرياضة اليومية. المترجمة السورية المقيمة في الكويت، احتفى بها متابعوها على شبكات التواصل لاتمام عامها الأول في نشر مقاطع أدبية واظبت على ترجمتها ونشرها كل صباح، إلى جانب استمرار مترجمة (أشباهنا في العالم) في رفد المكتبة بالأعمال التي نقلتها إلى العربية. عن تجربة الترجمة اليومية، تقول بثينة الإبراهيم: "كان أول مقطع أترجمه منفصلًا –أعني دون أن يكون في مقال أو عمل كامل- في شهر يونيو من العام الماضي، كنت أقرأ رواية لخابيير مارياس وأعجبتني عدة مقاطع من الرواية، كان أولها ذاك الذي يصف فيه يدي امرأة تجلس أمامه في القطار، لم يكن هناك خطة مسبقة لهذا، كان الأمر بسيطًا جدًا في حينها". وحول مسألة الالتزام في الترجمة اليومية، وأهميته على المترجم من حيث تطوير الأدوات وصقل التجربة، تقول الإبراهيم: "ربما لا يلتزم كل المترجمين بترجمة يومية، إلا لو كانوا مرتبطين بأعمال يودون إنجازها سريعًا، لكن من تجربتي الشخصية؛ أجد أنها لا تختلف أبدًا عن ممارسة التمارين الرياضية يوميًا، كلاهما تصقل العضلات والمهارات&q