التخطي إلى المحتوى الرئيسي

السوبرماركت

خافيير كامبوس
ترجمة عن الإسبانية: غدير أبو سنينة

اليوم لن أتحدث عن غزو العراق، بل عن السوبرماركت المليء بالأطعمة على أشكالها. تلك التي لا تخطر ببال أحدٍ، بعضها ضروري وبعضها لا. فواكه جاءت من أقصى أركان الكوكب، أرز بجميع الأحجام، أبيض وبألوان عدَّة. ما كان ينتجه سكان أميركا الشمالية الأصليون، ما كان ينتجه الصينيون منذ آلاف السنين في آسيا، والهنود في طعامهم المتبَّل الشهي، لأن العالم كلَّه يعرف أن "الكاما سوترا" كُتبت بعد الشَّبع.
هناك يعيش التفّاح الفوّاح بألوانه ونكهاته، تفاح من العالم لا يُرى كما يُرى في هذا السوبرماركت، ما يراه الكوبيون بضائع من ذهب لم ينم عندهم أبداً، فقط نمت حلاوة قصب السكر في كوبا وهي موجودة في هذا السوق أيضاً.

عنب تشيلي، الوردي والأسود والأبيض، كبيراً كحبات زيتون إشبيلية.
الجبنة من فرنسا وألمانيا ومن أوريغون الماطرة.
خضار قادمة من الصين، ماليزيا، مدغشقر، وفيتنام، ومن أميركا الوسطى الكزبرة العطرة أو فلفل واخاكا المكسيكية الحار القوي، بيرة بولونيا وروسيا ونيويورك، مشروب الرون النيكاراغوي أو مشروب كوبا الألذ "هابانا كلوب"، جامبون إسبانيا وبلاد الباسك، برتقال فلوريدا والأندلس الضخم. طماطم غوادالاخارا، البصل التشيلي للسيفيتشي البيروفي، الخبز المصنوع من حبوب لا تحصى تخلِّف رائحة دافئة وحميميّة في البيت، خبز يومي موجود هنا كل ساعة وبشكل دائم.
لا أحد يجوع في هذه السوبرماركت.
نبيذ تشيلي، الأرجنتين، إسبانيا، أستراليا، ألمانيا، هنغاريا وكاليفورنيا، كلها موجودة في تلك الحديقة، من أجل حاجاتنا والحاجات التي لا نحتاجها وأيضا الحاجات التي نحلم بها
هنا على الرفوف التي تصلها اليد، ثمار الكون هادئة ولطيفة ومتاحة. الناس السائرة في هذا السوبرماركت تعتقد أن هذه الأماكن في كل مكان في العالم، حتى أكثر مناطق العراق بعداً.
هذا المكان هو حديقة عدن لأن التاريخ يقول إن جنة عدن في بابل، قريباً من بغداد التي كانت واحدة من أحلى مدن الشرق بحدائقها المعلقة التي جعلتها من عجائب الدنيا السبع،
لأن بغداد كانت المدينة التي استطاعت أن تلهم حكايا ألف ليلة وليلة بعد أن أكل العشاق وشربوا مالئين قلوبهم باللذة والحب، لكن هناك في جنوب بغداد كانت مدينة أور منذ عام 4000 ق.م.، حيث ولد النبي إبراهيم المبجَّل من اليهود والمسيحيين والمسلمين
إلّا أنَّ أحداً لا يفكِّر بسوق بلاد الرافدين العتيقة ("مهد الحضارات الإنسانية الأولى للعالم القديم"، كما تقول الموسوعة البريطانية نفسها)؛ حيث تسقط ملايين القنابل في هذه اللحظات...
إنما في هذه السوق أيضا لا أحد يفكر بالحرب ولا ببلاد الرافدين العتيقة، ولا بالنبي إبراهيم ولا بقصص ألف ليلة وليلة، ولا بالقنابل النووية ولا بملايين الأموات الذين يتساقطون هناك كحشرات بسبب الهواء الملوَّث والدخان المخلوط بيورانيوم القنابل. يلوثون المياه والحدائق والحقول والوديان والأنهار والخلجان وكل البذور، كي تنتج هذه المنتوجات الجميلة في هذا السوبرماركت اللطيف بموسيقاه الشائعة، لأن الأرض ستصبح هناك ولزمن طويل في جزيئات من اليورانيوم أو ستستحمُّ ببلايين الغالونات من النفط الخام.
في قرن الماعز الضخم هذا، لا أحد يعرف ماذا تعني هذه الحرب لأن هذه الكلمة لم تُلفظ أبداً بين الخضراوات وبين هذه الحبوب الشهية. آلاف الأكياس بآلاف حبوب القهوة الفواحة، ينابيع الحليب بدسم كامل أو خالية الدسم، اللحوم المنوعة، الأسماك اللذيذة من جميع أنهار وبحار الكون، متعة أكل العنب في أي فصل من فصول السنة، احتساء نبيذ شهي ثم ممارسة الحب يعني أن تعيش حياة مثالية.
لا أريد الحديث عن الحرب في هذه اللحظة بل عن هذا السوبرماركت الذي أذهب إليه لأشتري حاجاتي الأساسية سعيداً مبتهجاً دون أن أذكر أبداً كلمة "حرب". 


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

قصص قصيرة جدا

إدواردو غاليانو* ترجمة: أسامة أسبر العالم صعد رجل من بلدة نيغوا، الواقعة على الساحل الكولومبي، إلى السماء. حين عاد وصف رحلته، وروى كيف تأمل الحياة البشرية من مكان مرتفع. قال: نحن بحرٌ من ألسنةِ اللهب الصغيرة. أضاف: العالم كومةُ من البشر، بحر من ألسنة اللهب الصغيرة. كل شخص يشع بضوئه الخاص وليس هناك لسانا لهب متشابهان. ثمة ألسنة لهب كبيرة وأخرى صغيرة من جميع الألوان. ألسنة لهب بعض البشر هادئة بحيث لا تتأجج حين تهب الريح، بينما يمتلك آخرون ألسنة لهب وحشية تملأ الجو بالشرار. بعض ألسنة اللهب الغبية لا تحرق ولا تضيء، لكن ثمة أخرى تفيض بلهب الحياة بحيث أنك لا تستطيع أن تنظر إليها دون أن ترف عيناك، وإذا اقتربت منها تضيئك.   العنب والخمر على فراش الموت، تحدث رجل يعمل في الكروم في أذن مرسليا. قبل أن يموت كشف السر هامساً: "إن العنب مصنوع من الخمر." هذا ما روته لي مارسيلا بيريث-سيلبا، وبعدها فكرتُ: إذا كان العنب مصنوعاً من الخمر، فربما نكون الكلمات التي تروي من نحن. فن للأطفال كانت تجلس على كرسي مرتفع أمام صحن من الحساء على مستوى العين. أنفها مجعد، أسنانها محكمة الإغلاق، وذراعاها

EL TIEMPO ENTRE COSTURAS

رواية اسبانية بنكهة مغربية أصبحت رواية الأديبة الإسبانية ماريا دوينياس "الوقت بين ثنايا الغرز"، التي تدور أحداثها في مدينة طنجة المغربية، إلى ظاهرة حقيقية حيث حققت مبيعات تجاوزت المليون نسخة، كما ترجمت لعدة لغات بينها الإنجليزية والألمانية كما تحولت إلى مسلسل تليفزيوني ضخم، سوف يبدأ عرضه مطلع 2012. وامتد نجاح الرواية ليتجاوز حدود إسبانيا حيث من المقرر أن تظهر ترجمتها الإنجليزية في الولايات المتحدة في نوفمبر المقبل، وفي نفس الشهر سوف يتم تكريم المؤلفة، في معرض جوادالاخارا الدولي للكتاب في المكسيك. وفي تصريحات لوكالة (إفي) قالت الأديبة دوينياس "أنا سعيدة لكل هذا النجاح الذي حققته الرواية، لأنه يؤكد أنها تتناول أحداثا ذات طبيعة كونية. تدور أحداث الرواية حول سيرا كيروجا، مصممة أزياء شابة، تضطر لمغادرة مدريد، بحثا عن حبيب مجهول، إلى أن تعثر عليه في مدينة طنجة التي كانت واقعة في تلك الأثناء تحت الاحتلال الإسباني، ويحاولان الاستقرار هناك. ومرة أخرى تجد سيرا نفسها مضطرة للرحيل إلى تطوان، والتي كانت أيضا تحت الاحتلال الإسباني (1902-1956)، هربا من الديون والشعور بالو

ظننتُ أنّ أحداً لم يعد يقرأني

  قصة: خايمي بيلي * ترجمة عن الإسبانية :  غدير أبو سنينة   سيّارة أجرة تمرّ أمام جدارية في العاصمة البيروفية ليما، آذار/ مارس 2022  عند وصولي إلى مدينة الغبار والضباب (يقصد ليما)، أعلن أحد عناصر طاقم الطائرة عبر مُكبِّر الصوت، وبنبرة مُبتهجة، كأنّما ينقل لنا أخباراً طيّبة، أننا سنستخدم دَرَجاً قديماً للهبوط، وسنضطرّ لحمل أمتعتنا واستقلال الحافلة، لنمارس رقصة الكومبيا عند كلّ منعطف نمرّ به، حتى من دون وجود موسيقى في الخلفية: يا مرحباً بكم في الفوضى ! ما إن يصل المسافرون، حتى يسيروا بأقصى سرعة كأنهم يُشاركون في مسابقة رياضية، كأنّ هناك جائزةً تُمنح لمن يصل أوّلاً إلى مكتب ضابط الهجرة. والحقيقة أنّ أحداً لا يصل أوّلاً، إذ يُصادفهم طابور طويل عريض مُتعرّج، يزحف مثل أفعى تُحتضر. لا جوائز، الجميع معاقَب بسبب البطء المُستفزّ لمن ينفّذون القانون بلا مبالاة .  بعد اجتياز عدّة ضوابط صارمة، يستقبلنا السائق بحذَر ويقودنا إلى الشاحنة المُدرَّعة، ذات النوافذ المُظلَّلة، يعرفُني باقي السائقين، يُحيُّونني بصُراخهم، يتبعونني، الحمقى، يعرضون علي خدماتهم، ويطلبون منّي بقشيشاً. أبدو لهم شخصاً فا