التخطي إلى المحتوى الرئيسي

جوزيه ساراماغو.. حرب خاسرة مع النسيان

جوزيه ساراماغو.. حرب خاسرة مع النسيان (1 - 2)
ترجمة: أنس سمحان

ننشر هنا، على جزأين، مقابلة أجراها الصحافي والمترجم جيوفاني بونتييرو مع الروائي البرتغالي جوزيه ساراماغو (1922 – 2010)، وهو روائي حائز على جائزة نوبل للأدب وكاتب أدبي ومسرحي وصحافي. مؤلفاته التي يمكن اعتبار بعضها أمثولات، تستعرض عادة أحداثًا تاريخية من وجهة نظر مختلفة تركز على العنصر الإنساني.

بونتييرو: بدأت يا سيدي بنشر أهم رواياتك في وقت متأخر من حياتك، أو على الأقل في وقت متأخر بالنسبة لكاتب عظيم بمكانتك ونتاجك. هل كان لك أي أعمال منشورة قبل روايتك "ثورة الأرض" والتي نشرت لأول مرة عام 1980؟
 
ساراماغو: بعيدًا عن تسمية أول كتاب، فإجابتي هي نعم. رواية نشرتها عام 1947 حينما كان عمري 25 عامًا، والتي أتمنى لو أنني أرفعها من قائمة أعمالي الآن. أعتبر أن حياتي الأدبية قد بدأت عام 1966 بنشر مجموعتي الشعرية "قصائد محتملة" (Os Poemas Possíveis). لكن بحلول عام 1980، فكنت نشرت تسعة كتبٍ أخرى ومنها مجموعتان شعريتان وكتابا تاريخ ومجموعة قصص قصيرة ومسرحية. صحيحٌ بأني قد بدأت الكتابة متأخرًا، لكن ليس كما تتصور، إذا بدأت فعلًا بالعد من عند أول رواياتي المهمة.
بونتييرو: كيف تصف رحلتك في الانتقال من بدايتك في الكتابة وحتى وصولك إلى الاحتراف؟
ساراماغو: كنت في الثامنة عشرة من عمري، حينما أخبرت أصدقائي في إحدى أحاديث المراهقة والتي بالنسبة لي أجمل متع الحياة بأني أود أن أصبح كاتبًا. لكن كل ما كنت قد كتبته في ذلك الوقت كان مجموعة من القصائد الدرامية والشاعرية مثل التي كان يكتبها الشباب في ذلك الوقت. وإن أردنا الحديث عن أكثر شيءٍ أثّر في حياتي المستقبلية ككاتب في ذلك الوقت فهو حبي للقراءة من مرحلة مبكرة في حياتي.

بونتييرو: تميل رواياتك الرئيسية إلى نشلنا من حاضرنا وأخذنا إلى تقاليد الروايات الكلاسيكية من حيث المجالات التي تغطيها والثراء الموضوعي وفيض الأفكار وترابطها!
ساراماغو: قد يكون في هذا إطراء جميل، ولربما أكثر. لستُ الشخص المناسب للرد على ذلك؛ لأنه سيتطلب مني أن أكون ناقدي وقاضيّ الخاص. مع ذلك، ما تقوله صحيح. من وجهة نظري، فإنه لا يمكن أن تكون هناك رواية بدون وجود للاتساع والشمول، بل إن الرواية عالم صغير يتوسع ويبدأ بتجميع واستيعاب جميع الهيئات المترامية التي تواجهها، والتي قد تكون متناقضة في بعض الأحيان. لكن يمكن في النهاية وضعها في نسق معين. وعليه، فكما أفهم وأمارس حرفة الكتابة، يجب على الرواية أن تميل دائمًا لأن تكون "متطرفة". ينبغي لهذا "التطرف"، على الأقل من ناحية المبدأ، أن يتعارض مع "الكلاسيكي" إلا إذا كانت وقائع العمل تثبت خلاف ذلك. الروايات الكلاسيكية وبشكل عام... هي روايات متطرفة!

بونتييرو: في حين أن كتبك مسلية إلى حد ما، إلا أنها تتطلب الكثير من القارئ، الكثير من المعرفة والكثير من الفضول!
ساراماغو: يسعدني أن أعرف أن رواياتي تجعل القارئ يفكّر. وبالنسبةِ لي، فقد فكّرت كثيرًا وبقدر استطاعتي أثناء كتابتها، وسيكون من المثير للخيبة أنه وبعد كل العناء الذي تكبّدته، ألّا يجد القرّاء في أعمالي غير "الرواية المُسلية". لو كان للتسلية أي قيمة في وجودها، فهنا تتعزز القيمة بشكل كبيرٍ عندما تصبح القصة جواز سفرٍ إلى التفكير.

بونتييرو: في روايتك "الطوف الحجري"، ذكرت بأن "موضوعية الراوي اختراع حديث". هل لي أن أطلب منك أن تعلق على هذه النقطة، نظرًا لتفضيلك الواضح للموقف غير الموضوعي؟
ساراماغو: لا يجدر بها أن تعتبر نقطة من الأساس. فمجرد قيام المؤلف بتقمص دور معين للتماهي مع الراوي، فإنه غالبًا ما يأخذ دوره عمدًا. أنا أعارض فكرة معينة صارت دارجة هذه الأيام، وهي الروائي الغائب والنزيه والموضوعي، والذي يحدّد دوره عند تسجيل الانطباعات دون أن يتفاعل معها. ربما لكل هذا علاقة بعدم قدرتي (غير المغتفرة من ناحية نظرية) على الفصل بين الراوي والروائي نفسه.

بونتييرو: يصفك الكاتب والناقد إيرفنغ هاو في مراجعته لكتاب "بالتازار وبيلموندا" بـ "سيد المفارقات الساخرة"، ومما لا شك فيه أن كتاباتك تتمتع بهذا اللون من السخرية. أظن بأنك تستمتع بكونك استفزازياً، خصوصًا عندما يتعلق الأمر بالسياسيين والأثرياء.
ساراماغو: لأشرح الأمر بشكل بسيط. السخرية هي سلاح الفقراء في مواجهة السلطة وانتهاكاتها، مهما كان شكل هذه السلطة (سياسية أو اقتصادية أو دينية أو غيره)، وهذا على سبيل المثال. وكما قال الروائي البرتغالي من القرن الماضي إيكا دي كروز مرة: "هناك طريقة واحدة لإسقاط أي مؤسسة، كل ما عليك فعله هو أن تدور حولها في ثلاث جولات من الضحك". أما أنا فأقل تفاؤلًا. السخرية تشبه صفيرك في مقبرة بينما تتمشى فيها ليلًا: نظن أنه بإمكاننا تجاهل الموت باستخدام هذا الصوت الإنساني الخفيف الذي يخفي رهبة الخوف. وأيضًا، لو وجدنا يومًا أنفسنا مجردين من قدرتنا على السخرية، فهذا يعني تجريدنا من آخر أسلحتنا. سنكون حينها واقفين عراة من أي شيء يحمينا.

بونتييرو: كيف تنظر إلى العلاقة بين النص والنص الفرعي في رواياتك مع ذلك الكم من الأقواس والإشارات المرجعية؟
ساراماغو: هذا سؤال صعب.. بصعوبة سؤال لاعب تنسٍ كيف يقوم بحركة معينة، وليرد على سؤالك، فإنه غالبًا ما سيعيد تلك الحركة بالتصوير البطيء محاولًا شرحها لك خطوة بخطوة مفككًا إياها، كما لو أن ما كان قبل قليل حركة عفوية وفعالة قد تحولت إلى مجموعة من الصور الثابتة عديمة المعنى. أفترض بأنه لا يمكن للكاتب أن يراقب نفسه أثناء الكتابة. وأؤمن بأنه لا يمكن للكاتب وبمجرد أن يتواجه مع صفحاته المكتوبة أن يكون قادرًا على تحليل علاقة معقدة مثل هذه التي في سؤالك. موليير، في مسرحيته "البرجوازي النبيل"، خلص إلى أنه كان يكتب النثر دون أن يعرف، ولم يكن يقدم لنا مجرد مواقف عابرة، بل كانت مسرحيته هزلية حد السخافة. هناك الكثير من المعرفة في اللامعرفة أحيانًا، أكثر مما نتصور.

بونتييرو: تأخذنا رواياتك إلى عدد من العوالم المختلفة حيث نلتقي مجموعة هائلة من الشخصيات الحقيقية والوهمية. رواياتك مأهولة بالملوك والشعراء والكهنة والفنانين والموسيقيين والطبقات المهنية والعمال والفلاحين. لكن في التحليل النهائي بالنسبة لك كما هو بالنسبة للروائي الكولومبي غابرييل غارسيا ماركيز، وكما للروائي الروسي سولجينتسين فإن "الفقراء هم ملح الأرض"، وطبعًا أنا أتحدث هنا عن "الفقراء روحيًا" لا عن الفقراء ماديًا.
ساراماغو: لا أعتقد أن مواقف ماركيز وسولجينتسين تتوافق حول هذه النقطة تمامًا. بل وأعتقد أن كل واحد منهما يشير إلى شيء مختلف عن الآخر، فماركيز يبحث عن البراءة الإنسانية غير القابلة للتغير في شخصياته، لكن سولجينتسين الروسي يقوم بوضع قائمة طويلة من الشرور والجرائم ومن ثمّ سيحاول استعادة البراءة لأولئك الذين فقدوها قطعًا. وبالنسبة لشخص مثلي، ولد فقيرًا، فإن ما يدفعني للكتابة هو أن أظهر أن أسوأ النفايات ليست من السلع الاستهلاكية، وإنما من "السلع الإنسانية". ببساطة: يدهس التاريخ ملايين البشر... الملايين الذين لم يملكوا أكثر من الحياة ليعيشوها، والتي لم يستخدموها بالقدر الذي استغلها فيه الآخرون الأذكياء والأقوياء ماديًا وسلطويًا.

بونتييرو: أسلوبك الخاص كروائي متميز جدًا. فمن جهة، لديك تفضيل خاص للتقشف: علامات الترقيم المستخدمة لديك هي الفواصل والنقاط في آخر السطر، ولا تستخدم أي شرطات أو أي فواصل منقوطة أو علامات الاستفهام والتعجب. نادرًا ما استخدمتَ أدوات العطف (و) أو (لكن)، ومن جهة أخرى فإنك تميل لاستخدام الأسلوب الهيكلي في التعبير والخطابات الدائرية والأنماط المتناظرة المنمقة.
ساراماغو: كل خصائص التقنية التي أستخدمها (أفضّل أن أقول أسلوب الكلمة) في النهاية تخدم مبدأ واحداً؛ ذلك أن كل شيء موجود حتى يُقرأ/يُسمع. ما أقوله، هو أني أرى نفسي كراوٍ بالصوت أثناء كتابتي للنص، وأن الكلمات التي أكتبها أحاول أن أجعلها للاستماع بقدر ما هي للقراءة.
وكما نعلم جميعاً، فالراوي صوتياً لا يستخدم علامات الترقيم، بل يتحدث كما لو أنه يؤلف الموسيقى، ويستخدم نفس العناصر التي يستخدمها الموسيقيّ: الأصوات والوقفات والصوت العالي والمنخفض وبعض المقاطع الطويلة أو القصيرة. وبالنسبة لميولاتي في الكتابة؛ فأنا أقر بها وأعزز وجودها وأؤمن بأنها تنبع من وتخدم الفكرة نفسها (الخطاب الشفوي) ومقبولة كموسيقى. أسأل نفسي، إذا قد لا يكون هناك شيء أكثر من مجرد صدفة بسيطة بين طبيعة غير منظمة ومجزّأة لخطاب شفوي اليوم ومصطلح "الحد الأدنى" عند الموسيقى الحديثة.

بونتييرو: علّق كثير من النقاد على كمية التفاصيل في رواياتك. كيف تكون قادرًا على التحكم بهذا الكم من التفاصيل مع تقدم الرواية؟
ساراماغو: لا يوجد لدي طريقة معينة أو نمط معين في ذلك. الكلمات تترى الواحدة تلو الأخرى في تسلسل صارمٍ. كأنها تمشي في وحدة عضوية ما. لكن يوجد بداخلي مقياس، أو لنقل قاعدة، تسمح لي بالسيطرة على ما قد يطلق عليه البعض حدسيًا "اقتصاد" التفاصيل. من ناحية المبدأ، فإن الأنا المنطقية مفتوحة لكل الاحتمالات، ولكن الأنا الحدسية تحكم نفسها بقوانينها الخاصة والتي تعلمت "الأنا" الأخرى أن تطيعها. هذا الكلام قطعًا وبشكل واضح هو كلام غير علمي، إلا كشكلٍ من العلوم الطوعية المتأصلة في داخل أحدهم، وهو ما يبدو مستحيلًا تعريفه من شخصٍ مثلي يمارس الكتابة كحرفة.

بونتييرو: عندما أقارن أعمالك الرئيسية الثلاثة مع ما واجهته في عملي كمترجم، يجعلني مثل كل قرّائك مندهشًا من قدرتك على الاختراع. تعتبر كل رواية من هذه الروايات الثلاثة (رواية "بالتازار وبيلموندا" و"سنة موت ريكاردو ريس" و"الطوف الحجري") عملًا عظيمًا لساراماغو، وفي الوقت نفسه كل واحدة منها تأخذك في مغامرة جديدة واتجاه جديد وبمنظور مختلف في كل مرة. هل يوجد هنا أي نقطة تربط بين ما ذكرنا؟ وتعتبرها أنت نفسك نقطة مهمة؟
ساراماغو: يقال عمومًا (والكثير من الناس يقولون إنه يجب أن يكون هناك بعض الصحة) إن المؤلف هو أقل شخص مؤهل لتحديد ما كتبه، لأن النوايا والبواعث التي حركته للكتابة تختلف تمامًا عن المخرج النهائي له. ولأن ما يسمى بالنوايا (التي غالبًا ما يصر المؤلف على الدفاع عنها على أنها جزء بالغ الأهمية من عمله)، ينتهي بها الحالة على شكل أجزاء ثانوية في المخرج النهائي بسبب ظهور اللاوعي العشوائي والساخر، والذي من خلاله يعبّر الكاتب عن أعمق رغباته. يجب عليّ البحث عن نقطة الوحدة في هذا المجال من النوايا (غير المحققة): في محاولة للتوفيق بين نقيضين... الطِيبة والشك الجذري.

بونتييرو: في "الطوف الحجري" وفي أحد أكثر المقاطع الشعرية والمؤثرة كان هناك صوت مجهول يذكّرنا بأن كل شخص منا يرى العالم بالعيون التي يملكها، ولكن العيون ترى فقط ما تريد.
ساراماغو: لتكون العبارة أكثر دقة، فيجب أن نغيّر "ما تريد" إلى "ما تستطيع"، فكما نعلم، فإن النية لعمل شيء تختلف عن امتلاك القدرة على فعله من عدمه.

بونتييرو: هل تمانع لو طلبتُ منك التعليق على أكثر الصور تكرارًا في أعمالك.. صورة الرحلة: إما على شكل حج أو هجرة جماعية أو هجرة فردية أو رحلة خاصة للبحث في ماضي أحدهم؟
ساراماغو: أعتقد أني أعبّر عن جزءٍ من طبيعتي بهذه الطريقة. في الواقع، أنا شخص كثير الجلوس، والدليل على ذلك هو أن الانطلاق في رحلة بالنسبة لي يشبه أن تذهب في طريقٍ سيقودك في نهاية المطاف إلى نقطة الانطلاق. فلدى وصولي لأي مكانٍ، أبدأ بالشعور بأن عليّ الخروج منه فورًا. أعتقد بأن شخصيات رواياتي سافرت كثيرًا، لأنها تريد العودة إلى مكانها في نهاية الأمر.

بونتييرو: استخدامك للطوبوغرافيا يأسرني. فعلى السطح، هي مجرد مواقع بحث ومعالم وخطوط سير، ولكن لو غصنا للعمق قليلًا، فسندخل إلى مجالٍ آخر. سنجد أن كل شيء متربط بحالات العقل والشعور.
ساراماغو: لو أن بيلموندا في رواية "بالتازار وبيلموندا" قتلت الراهب الذي حاول اغتصابها، فهذا بسبب أن المؤلف قد عثر في تلك السلسلة الجبلية على حطام الدير. ولو أن أراضي أورثي في رواية "الطوف الحجري" قد وصفت بأدق التفاصيل، فهذا لآن المؤلف قد سافر آلاف الكيلومترات ليراها بأم عينيه. وهناك قطعًا السؤال الجوهري عن الأسماء: أسماء الأماكن المأهولة وأسماء الأنهار وأسماء الجبال. إنها الأسماء، الكلمات التي تتلبس عالم الروح.

بونتييرو: قال غابرييل غارسيا ماركيز مرةً، إن الكاتب مهما كان إنتاجه غزيرًا، فإنه لا يكتب فعلًا إلّا كتابًا واحدًا. وأشار إلى أن كتابه كان عن العزلة. هل توافقه في وجهة نظره؟ وكيف تحدد كتابك الخاص عموماً لو طُلب منك ذلك؟
ساراماغو: يكتب الكتّاب، ببساطة، لأنهم لا يريدون أن يموتوا! وعليه أود أن أقول إن ذلك الكتَاب الذي نصرّ على كتابته هو الكتاب الذي نستخدمه في محاولتنا للبقاء، سواء أكان كتابًا واحدًا أم مجموعة من الكتب. وغنيٌ عن القول إننا نخوض حربًا خاسرة مع النسيان. لا شيء يبقى إلى الأبد!

بونتييرو: ترك خورخي لويس بورخيس لنا حكمة يكثر الاستشهاد بها هذه الأيام: "أي كتابٍ عظيم يجب أن يكون غامضًا"، وأنا أرى تيارًا قويًا من الغموض يجري في رواياتك!
ساراماغو: العبارات الرئيسية التي ينطق بها مشاهير الكتّاب تتركني عادة في حالة من البرود. فالعبارات حين يتم فصلها عن سياقها وعزلها عن العمل ككل، تصبح مثيرة للجدل إلى حد ما ومخيفة أيضًا، وتضع شروطًا وحدودًا تعمل على تقييد طريقة تفكيرك. الغموض في الأعمال الروائية، إن لم يكن عيبًا، فهو ليس فضيلة، كذلك جعله شرطًا وقيمة دائمة. أرى الأمور بشكل أبسط: غموض الكتّاب، هو ما يصنع غموض الكتب. على الأرجح، فإن الغموض أمر متأصل في فعل الكتابة. وعليه، فإن علينا أن نبحث عن عوامل أخرى قبل أن نحدد ما إذا كان أي كتابٍ مهمًا أم لا.

بونتييرو: لقد تناولت الجنس والدين من كل زاوية ممكنة في أعمالك الروائية. ولكن ما أريد سؤالك عنه بشكل خاص هو عن سبب اهتمامك بالقوى الخارقة للطبيعة، عن الأشياء الغامضة والمذهلة في أعمالك. حتى إن أحد النقاد تحدث عن الصوفية في أعمالك!
ساراماغو: في حقيقة الأمر، الأشياء الخارقة للطبيعة والأمور الغامضة والأسرار هي ما أتجاهله؛ لأنه وفي يوم من الأيام، سيتحول الخارق إلى طبيعيّ، وستصبح المعجزات في متناول الجميع وستختفي كل الأسرار. المشكلة التي أناقشها في أعمالي هي بيني وبين المعرفة التي أمتلكها، ومن هنا فإن الحاسوب الذي أكتب عليهِ كتبي يدهشني ويستثير كل ملكات عقلي كشيء غامضٍ، تمامًا مثل الحياة بعد الموت. أنا لستُ صوفيًا كذلك، وإن كنت أتحدث عن الأديان، فهذه لأنها أشياء موجودة في حياتنا، ولأنها قد عملت دومًا وما زالت تعمل على تخريجي ككائن أخلاقي. وبالنسبة للإلحاد، فقد قلت قبلًا، إن الشخص يحتاج إلى جرعة كافية من التدين حتى يكون ملحدًا متسقًا مع ذاته.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

قصص قصيرة جدا

إدواردو غاليانو* ترجمة: أسامة أسبر العالم صعد رجل من بلدة نيغوا، الواقعة على الساحل الكولومبي، إلى السماء. حين عاد وصف رحلته، وروى كيف تأمل الحياة البشرية من مكان مرتفع. قال: نحن بحرٌ من ألسنةِ اللهب الصغيرة. أضاف: العالم كومةُ من البشر، بحر من ألسنة اللهب الصغيرة. كل شخص يشع بضوئه الخاص وليس هناك لسانا لهب متشابهان. ثمة ألسنة لهب كبيرة وأخرى صغيرة من جميع الألوان. ألسنة لهب بعض البشر هادئة بحيث لا تتأجج حين تهب الريح، بينما يمتلك آخرون ألسنة لهب وحشية تملأ الجو بالشرار. بعض ألسنة اللهب الغبية لا تحرق ولا تضيء، لكن ثمة أخرى تفيض بلهب الحياة بحيث أنك لا تستطيع أن تنظر إليها دون أن ترف عيناك، وإذا اقتربت منها تضيئك.   العنب والخمر على فراش الموت، تحدث رجل يعمل في الكروم في أذن مرسليا. قبل أن يموت كشف السر هامساً: "إن العنب مصنوع من الخمر." هذا ما روته لي مارسيلا بيريث-سيلبا، وبعدها فكرتُ: إذا كان العنب مصنوعاً من الخمر، فربما نكون الكلمات التي تروي من نحن. فن للأطفال كانت تجلس على كرسي مرتفع أمام صحن من الحساء على مستوى العين. أنفها مجعد، أسنانها محكمة الإغلاق، وذراعاها

EL TIEMPO ENTRE COSTURAS

رواية اسبانية بنكهة مغربية أصبحت رواية الأديبة الإسبانية ماريا دوينياس "الوقت بين ثنايا الغرز"، التي تدور أحداثها في مدينة طنجة المغربية، إلى ظاهرة حقيقية حيث حققت مبيعات تجاوزت المليون نسخة، كما ترجمت لعدة لغات بينها الإنجليزية والألمانية كما تحولت إلى مسلسل تليفزيوني ضخم، سوف يبدأ عرضه مطلع 2012. وامتد نجاح الرواية ليتجاوز حدود إسبانيا حيث من المقرر أن تظهر ترجمتها الإنجليزية في الولايات المتحدة في نوفمبر المقبل، وفي نفس الشهر سوف يتم تكريم المؤلفة، في معرض جوادالاخارا الدولي للكتاب في المكسيك. وفي تصريحات لوكالة (إفي) قالت الأديبة دوينياس "أنا سعيدة لكل هذا النجاح الذي حققته الرواية، لأنه يؤكد أنها تتناول أحداثا ذات طبيعة كونية. تدور أحداث الرواية حول سيرا كيروجا، مصممة أزياء شابة، تضطر لمغادرة مدريد، بحثا عن حبيب مجهول، إلى أن تعثر عليه في مدينة طنجة التي كانت واقعة في تلك الأثناء تحت الاحتلال الإسباني، ويحاولان الاستقرار هناك. ومرة أخرى تجد سيرا نفسها مضطرة للرحيل إلى تطوان، والتي كانت أيضا تحت الاحتلال الإسباني (1902-1956)، هربا من الديون والشعور بالو

المترجمة بثينة الإبراهيم: الترجمة تقاوم القبح وتدخلنا غابة الكلمات

علي سعيد جريدة الرياض بالنسبة لبثينة الإبراهيم، الترجمة بمثابة مزاولة الرياضة اليومية. المترجمة السورية المقيمة في الكويت، احتفى بها متابعوها على شبكات التواصل لاتمام عامها الأول في نشر مقاطع أدبية واظبت على ترجمتها ونشرها كل صباح، إلى جانب استمرار مترجمة (أشباهنا في العالم) في رفد المكتبة بالأعمال التي نقلتها إلى العربية. عن تجربة الترجمة اليومية، تقول بثينة الإبراهيم: "كان أول مقطع أترجمه منفصلًا –أعني دون أن يكون في مقال أو عمل كامل- في شهر يونيو من العام الماضي، كنت أقرأ رواية لخابيير مارياس وأعجبتني عدة مقاطع من الرواية، كان أولها ذاك الذي يصف فيه يدي امرأة تجلس أمامه في القطار، لم يكن هناك خطة مسبقة لهذا، كان الأمر بسيطًا جدًا في حينها". وحول مسألة الالتزام في الترجمة اليومية، وأهميته على المترجم من حيث تطوير الأدوات وصقل التجربة، تقول الإبراهيم: "ربما لا يلتزم كل المترجمين بترجمة يومية، إلا لو كانوا مرتبطين بأعمال يودون إنجازها سريعًا، لكن من تجربتي الشخصية؛ أجد أنها لا تختلف أبدًا عن ممارسة التمارين الرياضية يوميًا، كلاهما تصقل العضلات والمهارات&q