التخطي إلى المحتوى الرئيسي

دور المترجم في السياق الاستعماري الاسباني للمغرب

عبد الخالق النجمي
عن الصفحة الرسمية على الفايسبوك
النجمي عبد الخالق*

قام المترجمون بدور حاسم في العلاقات المغربية الاسبانية، سواء خلال سنوات الحرب أو السلم، فلم يقتصر دورهم على الوساطة بين أهل اللغتين والثقافتين، بل تعداه إلى أنه في بعض الأحيان كان المترجم يتدخل في أمور سياسية وإدارية، كان لها وقع إيجابي أو سلبي ـ حسب كل جانب من خلال منظوره- على العلاقات بين الجانبين. فاسبانيا لم تكن لها تجربة عريقة في تكوين المترجمين باللغة العربية مثل، إنكلترا أو فرنسا خلال حملتها على مصر أو أثناء احتلالها للجزائر سنة 1830، لقد ساد في المجتمع الاسباني منذ سقوط الأندلس جهل كبير باللغة العربية
كانت هناك محاولات لتكوين مترجمين أواخر القرن الثامن عشر وبداية القرن التاسع عشر، وقد قام بها الأب بطريسيوديلاتوري بمعية طالبين هما، مانويل باكاسميرينو وخوان دي أرسي يموريس، حيث زاروا المغرب بهدف دراسة اللغة العربية والعامية المغربية، وقضوا فيه أربع سنوات. وفي سنة 1800 وبطلب من القنصلية الاسبانية في طنجة وصل إلى مدينة طنجة كل من خوسي كورديرو د لاسنتيسيما كروز وبدرو مارتين دي روساريو، وهما فرنسيسكانيان، لتعلم اللغة العربية، وكانت في داخل القنصلية في طنجة مدرسة تقوم بتكوين المترجمين استمرت فقط ست سنوات، وللإشارة فإن هذه المحاولات باءت بالفشل لأن الحكومات الاسبانية المتعاقبة لم تكن تهتم بالموضوع بجدية.
ولهذا اعتمدت اسبانيا أثناء تدخلها عسكريا في المغرب في البداية على يهود مغاربة كانوا قاطنين في طنجة أو تطوان، وكانوا يتكلمون اللغة الاسبانية، أي أنها خلال هذه الحقبة لم تعتمد على إسبان في ما يتعلق بالقيام بمهام الترجمة، وكان أنيبال رينالدي أوّل وسيط لغوي، أو ما يصطلح عليه اليوم بالمترجم الشفهي الفوري، الذي اعتمدت عليه اسبانيا أثناء تدخلها في شمال المغرب، وكان ذلك بعد انتهاء حرب تطوان سنة 1860، وكان أصل هذا المترجم سوريا واشتغل لدى القنصلية الاسبانية في القدس، وبفضل الدور الكبير الذي لعبه أثناء القيام بمهامه كمترجم، خلال مفاوضات السلام بين أودونييل ومولاي العباس منحته اسبانيا الجنسية.
وكذلك لعب القنصل الاسباني خوان بيسينتيزو كاستيديكسون دورا مهما أثناء المفاوضات مع سلطان الجبل مولاي أحمد الريسوني، وكان يرافقه كل من ريخنالدورويزأورساتي وكلمنتي سيرديرا، فالقنصل زوكاستي كان يعتبر الريسوني ذكيا ومناورا كبيرا، ولذلك كان يحث على أن يرافقه أثناء التفاوض مع الريسوني هذان المترجمان.
إن أغلب المترجمين خلال حكم بريمو ديريبيرا كانوا ينتمون للقسم المدني لمكتب المغرب، وقد تم إرسال بعضهم إلى بيروت لإتقان اللغة العربية ودراسة أصول الدين الإسلامي في مدرسة الآباء المارونيين، ومع فرض الحماية على المغرب ازداد عدد المترجمين الذين احتاجت إليهم المفوضية العامة الاسبانية.
يعد كليمينتي سيرديرا أحد أهم وأبرز الدبلوماسيين والمترجمين الإسبان أثناء فترة الحماية، وُلِدَ في مدينة خيرونا شمال شرق اسبانيا وقضى فترة طفولته في مدينة فاس المغربية، وكان على اتصال دائم بالمغاربة، وفي سنة 1905 اجتاز بنجاح مباراة الالتحاق بقسم الترجمة، وقد اشتغل كاتبا عاما في القنصليات الاسبانية في تونس وأنقرة وطنجة، وكان المغاربة يدعونه باسم عبد الرحمن سيرديرا الأندلسي ويلقب عندهم بـ»الطالب»، وألّف سيرديرا بعض الكتب أهمها: «وجهة نظر عربية لحرب تطوان»، وبسبب معرفته الجيدة بالمغرب والمغاربة كان ضد بعض سياسات اسبانيا الاستعمارية في المغرب، وكان له موقف صريح حينما حاولت السلطات الاسبانية استغلال جريدة «الإصلاح» لنشر أفكارها الاستعمارية وكذلك أثناء تأسيس جريدة «النصر».
لابد من الإشارة إلى أن كليمنتي سيرديرا كان أول أجنبي يتقلد منصب ناظر الأحباس، وعمل على تنظيم وحسن سير هذه الإدارة، وشغل منصب نائب مدير أكاديمية اللغة العربية والريفية بتطوان، ونظرا للمناصب التي تقلدها، والدور الكبير الذي لعبه سيرديرا في التجسس على رجال الحركة الوطنية إبان ظهورها متأثرة بالقومية العربية في الشرق، فإنه حظي بدعم الجمهوريين حتى وفاته سنة 1941.
كما رأينا فقد كان للمترجمين دور كبير في العلاقات المغربية الاسبانية، سواء خلال الفترة الممتدة بين حرب تطوان 1860 وإعلان الحماية سنة 1912 أو بين هذه السنة وحتى إعلان استقلال المغرب سنة 1956، فبالإضافة إلى دورهم كوسطاء لغويين فقد كانوا يقومون بمهمة التجسس ويرافقون الجيش الاسباني، وكانت تشمل مهامهم تبليغ المقاومة المغربية في منطقة الشمال بأوامر قادة الجيش الاسباني والتحقيق مع الأسرى المغاربة واختطاف المقاومين ومرافقة الدوريات الاسبانية أثناء فترة الحماية وترجمة المراسلات بين الجانبين، وبعد أن وضعت الحرب أوزارها كانوا يتفاوضون مع رجال المقاومة وكذا ترجمة بنود الاتفاقيات.
ويبقى كتاب «تراجمة اسبانيا في المغرب 1859 ـ 1939» للمترجم المغربي مراد زروق، الذي يشتغل حاليا أستاذا في جامعة مدريد المستقلة، أهم وأبرز مرجع يتناول بالدرس والتحليل هذا الموضوع معتمدا في ذلك على منهجية علمية دقيقة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*صحافي مغربي

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

9 من أفضل روايات أمريكا الجنوبية ننصحك بقراءتها

من البرازيل وحتى المكسيك، من تشيلي لبيرو ومرورًا بكوبا والإكوادور، في تلك البلاد والمجتمعات التي عانت كثيرًا من الاستعمار وقاومت لعقود عبر عشرات الثورات، من تلك البلاد الساحرة والمجتمعات الثرية بالحكايات كان أدب أمريكا اللاتينية جديرًا بالتبجيل والانتشار . ذلك الجمال الأدبي الساحر، والقصص والحكايات الإنسانية التي أبدع كتاب أمريكا الجنوبية في نسجها. ومن آلاف الكُتاب وعشرات الآلاف من الكتب والروايات الساحرة المنتمية لتلك البيئة نرشح لكم تلك الروايات التسعة .

قصص قصيرة جدا

إدواردو غاليانو* ترجمة: أسامة أسبر العالم صعد رجل من بلدة نيغوا، الواقعة على الساحل الكولومبي، إلى السماء. حين عاد وصف رحلته، وروى كيف تأمل الحياة البشرية من مكان مرتفع. قال: نحن بحرٌ من ألسنةِ اللهب الصغيرة. أضاف: العالم كومةُ من البشر، بحر من ألسنة اللهب الصغيرة. كل شخص يشع بضوئه الخاص وليس هناك لسانا لهب متشابهان. ثمة ألسنة لهب كبيرة وأخرى صغيرة من جميع الألوان. ألسنة لهب بعض البشر هادئة بحيث لا تتأجج حين تهب الريح، بينما يمتلك آخرون ألسنة لهب وحشية تملأ الجو بالشرار. بعض ألسنة اللهب الغبية لا تحرق ولا تضيء، لكن ثمة أخرى تفيض بلهب الحياة بحيث أنك لا تستطيع أن تنظر إليها دون أن ترف عيناك، وإذا اقتربت منها تضيئك.   العنب والخمر على فراش الموت، تحدث رجل يعمل في الكروم في أذن مرسليا. قبل أن يموت كشف السر هامساً: "إن العنب مصنوع من الخمر." هذا ما روته لي مارسيلا بيريث-سيلبا، وبعدها فكرتُ: إذا كان العنب مصنوعاً من الخمر، فربما نكون الكلمات التي تروي من نحن. فن للأطفال كانت تجلس على كرسي مرتفع أمام صحن من الحساء على مستوى العين. أنفها مجعد، أسنانها محكمة الإغلاق، وذراعاها...

عرض لكتاب "رحلة في جماليات رواية أمريكا اللاتينية"

صدر عن اتحاد الكتاب العرب بدمشق، 2007 تأليف د. ماجدة حمود   يجول هذا الكتاب عبر جماليات روايات من أمريكا اللاتينية، التي احتلت مكانا هاما في الساحة الثقافية العالمية، خاصة أن الباحث يحس بوشائج قربى مع هذا الأدب الذي يشاركنا في كثير من الهموم السياسية والاجتماعية والاقتصادية (التخلف، الاستبداد، الهيمنة الغربية...) ومع ذلك استطاع إبداع أدب أدهش العالم وما يزال! لهذا ليس غريبا أن يحصد أدباؤها كما كبيرا من الجوائز العالمية، قد منحت جائزة (نوبل) لشعراء (غابرييلا 1945، بابلو نيرودا 1971، أوكتافيو باث، 1990...) كما منحت لروائيين (ميغل أنخل أستورياس 1967، غابرييل غارثيا ماركيز 1982...) وقد رشح لهذه الجائزة أيضا كل (ماريو فارغاس يوسا) و (إيزابيل الليندي) بالإضافة إلى ذلك منحت جائزة ثرفانتس لعدد كبير منهم (كارنتيير 1977، بورخس 1979، أونيتي 1980، باث 1981، ساباتو 1984، فونتيس 1987، بوي كساريس 1990...) تحاول هذه الدراسة أن تجيب على التساؤل التالي: لِمَ تفوق هذا الأدب الذي ينتمي مثلنا إلى العالم الثالث، ووصل إلى العالمية رغم تخلف بلدانه؟ وقد اخترت تركيز الأضواء على جنس الرواية في أ...