التخطي إلى المحتوى الرئيسي

البّرتغال تحتفى بشاعرها فرناندُو بِيسُووَا في ذّكرى رحيله الثمانين

محمّد محمّد الخطّابي*
عن القدس العربي

في بداية شهر كانون الأوّل/ديسمبر 2015 انطلقت الاحتفالات في البرتغال بالذكرى الثمانين لرحيل شاعرها الكبير الذائع الصّيت فرناندو بِيسُووَّا (13 حزيران/يونيو 1888-30 تشرين الثاني/نوفمبر 1935).

كلّ البرتغاليّين مسكونون ببيسُّووَا
كلّ البرتغاليين، وجميع اللشبونييّن، وعشرات الآلاف من القراء المعجبين ببيسُّووَا، أصبحوا مسكونين بروح هذا المبدع، الذي أضحى يحتلّ مكانة أثيرة، ومنزلة كبرى في الساحة الأدبية البرتغالية والأوروبيّة، إلى جانب الرّوائي خوسّيه ساراماغو (الأديب البرتغالي الوحيد الحاصل على جائزة نوبل في الآداب). (المولود في 16 نوفمبر 1922 والمتوفى في 18 يونيو 2010)، أيّ 13 سنة تفصل بين ولادة هذا ورحيل ذاك.
في سياق احتفال البرتغال هذه الأيام بالإرث الأدبي الرّائع (في الشّعر والرّواية) لهذين المبدعين الكبيرين قامت «دار فرناندو بيسُّووَا» و«مؤسسة خوسّيه ساراماغو» بتنظيم العديد من الأنشطة والتظاهرات الأدبية والشعرية والرّوائية والموسيقية والفنية، في الجامعات البرتغالية والسّاحات العمومية، وعلى خشبات المسارح، وقاعات السينما، ولقد تمّ إنزال كتب وتآليف هذين المبدعين إلى الشارع وتقريبهما من المواطن العادي في هذا البلد الصّغير جغرافياً، والكبير أدبياً وإبداعياً وتاريخياً. وقد رسمت الفنانة البرتغالية ماريا دياس كوتينو صورة كبرى لفرناندو بيسُّووَا في أحد الشوارع الرئيسيّة في عاصمة البرتغال، الذي كان يرتاده هذا الشاعر المُلهَم المُحتفىَ به، والذي كان يقول: «إنّ اللغة البرتغالية هي موطني».
البرتغاليون وأدباؤهم ونقادهم وقرّاؤهم المعجبون بشاعرهم الذي كان يهيم بالعزلة ما فتئوا يؤكّدون في كلّ مناسبة أن فرناندو بيسُّووَا ما زال يداعب أحلامَهم ، ويُحيي قلوبَهم، ويُنعش أرواحَهم ، هذا المبدع السّماوي الحالم الذي خاض معترك الحياة بجسمه الواهن النحيل وحيداً، منعزلاً غارقاً في متاهات أشعاره وخيالات أحلامه، وعليه فإنّ العديد من 
النقاد الذين غاصوا في بحور إبداعاته يشبّهونه ويقارنونه بكتّاب ومبدعين آخرين ممّن خاضوا تجاربَ إبداعيةً تضاهي إبداعات بيسُّووَا في العزلة والتمرّد وغواية الإلحاد والرّومانسية الحالمة، أمثال: لورد بايرون، وتشيلي ماري شيلي، وفردريك نيتشه، وأوفيربيك، وكافكا، وزيرفيل وكاكس برُود، فضلاً عن أرباب مدرسة براغا مثل ميشيما وأستاذه كواباتا، وفرجينيا وولف، وفورستر ورُوسل وسواهم .
لغتان يتحدّثهما 700 مليون نسمة
لإسبانيا والبرتغال لغتان متشابهتان يتحدّثهما ويستعملهما ما ينيف على 700 مليون نسمة، ويقال إن هذين البلدين يحصلان على مزايا ومصالح اقتصادية وتجارية مهمّة بواسطة لغتيهما، إلاّ أنهما ثقافياً كلٌّ منهما يولي ظهرَه للآخر، ولا يلتقيان إلاّ عندما يحتفلان بمبدعيهما وكتّابهما وشعرائهما الكبار.
يرى بعض النقاد أن الإسبان كانوا أكثرَ كرماً وعطاءً واحتفاءً بالمبدعين البرتغاليين، وفي طليعة المُحتفىَ بهم فرناندو بيسُووَا، وخوسّيه ساراماغو نفسيْهما، على الرّغم من أن تأثير الكتّاب البرتغاليين على العموم- باستثناء بيسُّووَا- لم يكن كبيراً لدى الكتّاب الإسبان، حتى إن عاصر بعضهم أجيالاً أدبية إسبانية كبرى مثل جيل 1927. ويُستثنيَ في هذا القبيل من المبدعين البرتغاليين فرناندو بيسُّووَا على وجه الخصوص نظراً لتأثيره الواضح على بعض الشعراء الإسبان الكبار مثل «ثيرنودا» في موضوع العزلة، والإحساس المفرط بفداحة الفرد أو الإنسان في الوجود.
كما يرى معظم الدارسين الإسبان من جهة أخرى أن كلاًّ من بيسُووَا وساراماغو يُعتبران من القمم الأدبية في القرن العشرين في البرتغال. وجاء هذا الاعتراف بنبوغهما وتكريمهما بالنّسبة للأوّل بعد مماته، وبالنسبة للثاني في حياته. ويقول الكاتب الإسباني لويس مُوراليس من جهة أخرى: «إنّ من الكتب التي لاقت نجاحاً منقطع النظير خلال أيام الاحتفالات التي عرفتها البرتغال في الذكرى الثمانين لرحيل بيسّووَا، الكتاب الذي يتضمّن رسائله الغرامية إلى خليلته أوفيليا كيروث، ففي هذا الكتاب نجد بيسُووَا الإنسان، وبيسُّووَا الشاعر، وبيسُّووَا العاشق الذي خلّف لنا أرقَّ الأشعار، وأعذبَ رسائل الحبّ». ويتساءل الكاتب الإسباني: «ترى ما سرّ هذا النجاح؟ وماذا جاء في هذه الرسائل الغرامية الرقيقة التي كتبها بيسُّووَا في شرخ عمره، وفي ريعان شبابه؟
فنجان قهوة مع فِرْنَانْدُو بِيسُّووَا
خلال رحلتي الأخيرة للبرتغال منذ بضعة أيّام كنت ذا حظوة كبيرة، إذ التقيتُ بهذا الشاعر الكبير الذي وجدته جالساً في مقهاه المأثورة A BRASILEIRA التي توجد في لشبونة العليا التي يُصعد إليها في واحدٍ من أقدم وأكبر المَصاعد في العالم المُسمّىSANTA JUSTA (ينيف عمره عن قرن ونيّف من الزّمان).. فالفنّ الرّاقي العظيم يُصعد إليه، والإبداع الجميل يُؤتىَ ولا يأتي، ولا يُدرك بسهولة ويُسر، بل بجهدٍ باهظٍ، وكدٍّ كبير، وطول عناء… جلسنا وتبادلنا أطرافَ الحديث، أخبرته أنني أنوي كتابة مقال عنه وعن مراسلاته الغرامية الشّهيرة مع خليلته، ومُلهمته أوفيليا كيروث.. سُرّ كثيراً، وتذكّر قوله عن مراسلات الحبّ هذه، بما فيها تلك التي كانت تبعث إليه بها أوفيليا نفسُها، فكان يقول لها هازئاً مُتهكّما ومداعباً في آن: كلُّ رَسَائِلِ الحُبِّ سَخِيفَة! وكانت تجيبه مُفْحِمةً إيّاه: بل السّخيف هو مَنْ لَمْ يَكتُبْ قط رِسَالةَ حُبّ! عتب على محبوبته هذه القولة التي تغلّب بها منطقها النسوي الحاذق والعاطفي،على منطقه الرّجولي الخالص.. ودفاعاً عن نفسه وذوذاً عن وجهة نظره، ولكي تتّضح الحقيقة للناس… كلّ الناس وللعاشقين والوالهين والهائمين والمتيّمين منهم ومنهنّ، طلب منّي أن أنشر المقالَ لعلّها، ولعلّ بنات جنسها يُدركنَ ويدرك الناس جميعاً معهنّ فحوى كلماته إليها في عمقها وبعدها. نزولاً عند رغبة شاعرنا الرّقيق لم أجد بدّاً من أن أستجيب لطلبه بدون تردّد، بعد أن نزلتُ ضيفاً عليه، وعلى بلده الصّغير الكبير.. بلد المكتشفين الكبار وموطن الاكتشافات الكبرى.. هذا البلد الجميل المنسيّ في كثير من المناسبات من طرفنا.
والغواني يغرّهنّ الثناء
يشير الكاتب الإسباني أنطونيو خيمينيث باركا بخصوص كتاب «رسائل حبّ فرناندو بيسُّووَا» للباحثة البرتغالية مَانوِيلا باريرَا دَاسِيلبَا إلى: «أن فرناندو قد تعرّف على أوفيليا أواخر 1919 في إدارة تجارية، حيث كانت تعمل فيها كسكرتيرة، ولم تكن آنذاك تتجاوز التاسعة عشرة ربيعاً من عمرها، وكان بيسُوّوَا يعمل مترجما عن اللغة الإنكليزية للرّسائل التجارية لمدّة بضع ساعات في اليوم، وكان في الواحدة والثلاثين من عمره، وفي شهر فبراير/شباط من عام 1920وقع فرناندو بيسوّوا لأوّل مرّة صريعَ الغرام في حبّ هذه الفتاة الأنيقة التي تشعّ شباباً ونُضْرة، وذات يوم عندما كانا بمفردهما في الإدارة قام بيسُوّوَا بمشهدٍ ميلودراميّ مسرحيّ غريب أمام الفتاة، وعلى الرّغم من المفاجأة المثيرة التي جعلت أوفيليا تخرج مُسرعة، ومهرولة خارج الإدارة، فإنّ التصريح بالحبّ المبالغ فيه الذي عبّر عنه بيسّووا لها بتلك الطريقة الميلودرامية المسرحية راقتها كثيراً، وأثّرت فيها تأثيراً بليغاً .بعد هذه الحادثة الغريبة كتبت أوفيليا الرسالة الغرامية الأولى التي وجّهتها لفرناندو بيسّووَا، تقول له فيها: «إنّني أفكّر فيك كثيراً وأفكّر كيف أنني أصبحتُ لا أعير اهتماماً، وأهمل شاباً كنت أعرفه (خطيبها في ذلك الوقت) الذي كان يحبّني كثيراً»، وتقول أوفيليا: "سأكون صريحةً معك، إنّني أخشى أن تكون مشاعرالحبّ عندك نحوي ذات أمد قصير». وتضيف: «إذا كان فرنانديتو (تخاطبه بصيغة التصغير من باب التلطيف والدلل) لم يفكر قطّ في أن تكون عنده عائلة، فإنني أرجوك أن تخبرني بذلك." ويجيب فرناندو بيسُّووَا على هذه الرّسالة الصّريحة والجريئة قائلاً لها:» إن الذي يحبّ حقيقة لا يكتب رسائلَ تشبه مطالبَ المحامين. فالحبُّ لا يتعمّق في دراسة وتحليل الأمور، كما لا ينبغي له أن يُعامل الآخرين وكأنّهم متّهمون»..!. بعد ذلك تكتب أوفيليا له وتقول: «فرناندو .. اليوم، كان حظّي تعساً للغاية، هذا هو حال أموري في المدّة الأخيرة، كلّها تنتهي نهايةً سيئة، كانت أمنيتي أن تصل ساعة لقائنا وقراننا.. وأخيراً ها قد وصلت، وأنت ما برحتَ تشعر بالسأم من حياتك ومنّي، ألم أعد أروقك يا فرناندو الصّغير..؟». هذه الرّسالة تحمل تاريخ 29 سبتمبر/أيلول 1929، حيث كانت أوفيليا حينئذ في التاسعة والعشرين من عمرها. ويجيبها فرناندو بيسُووَّا قائلاً: «أوفيليا كلّ حياتي تحوم حول أعمالي الأدبية، جيّدة كانت أم سيّئة، فلتكن كيفما تكون، الجميع ينبغي أن يقتنع أنّني هكذا، ماذا سيفيد مطالبتي بالأحاسيس التي أعتبر أنّها جديرة وقمينة برجلٍ عاديّ مثلي، إن ذلك في منظوري كمن يطالبني أن أكون أشقر، وذا عينين زرقاوين».
بيسّووَا يغار من بيسُّووَا
وتؤكّد الباحثة البرتغالية مانويلا باريرا داسيلبا على: «أنه يُفهم من اللغة المستعملة في بعض هذه الرسائل المتبادلة بين فرناندو بيسّووَا وأوفيليا كيروث أن الحبّ المتبادل بين الشّاعر الكبير وخليلته لم يكن أفلاطونياً كما يتبادر إلى الذهن للوهلة الأولى، بل أن الحبّ الذي تتعرّض له هذه الرسائل لا يخلو من المداعبات الكلامية والغرامية، وبعض الإباحية غير المُعْلن عنها بوضوح». كما تؤكد داسيلبا على: أن الرسائل تحفل بالعديد من المواقف، والمشاهد والأخبارالحياتية والحميميّة الخاصّة، كما أنها تتضمّن معلومات عديدة ومختلفة عن العصر الذي عاش فيه فرناندو وأوفيليا، وتتخللها نزهات ومحاورات وذكريات ولحظات سَمَر، كما أننا واجدون فيها ممانعات من طرف بيسّووَا للتعرّف على عائلة أوفيليا، وهي لا تخلو في بعض الأحيان في بعض المواقف من التصنّع والتكلّف. وقد بلغ الأمر ببيسُّووَا في بعض المناسبات لكي يزيد في نيل رضى أوفيليا، وتعميق علاقته بها أن ادّعى أنه ربح جائزة مليونية كبرى في بعض المسابقات الإنكليزية للتسلية التي كان الشاعرالبرتغالي الكبير مولعاً بها كثيراً وذلك بهدف الزّواج». كما كان بيسّووَا في الوقت ذاته يتنكّر ويكتب باسم مستعار وهو « ألفارو دي كامبُوس»، لأهداف نقدية أو لأغراض خاصّة، وكانت هذه الشخصية الخيالية أو الوهمية التي اختلقها تتدخّل كذلك في شؤون بيسّووَا وأوفيليا نفسيهما كذلك.
ومثلما كان الفيلسوف الألماني فيردريك نيتشه يتبارى ويتنافس مع الموسيقار الألماني الشّهير رتشارد فاغنر على الظفر بقلب معاصرتيهما الحسناء الإيطالية الفاتنة لوسالومي، كذلك كان فرناندو بيسووا هو الآخر يتنافس على حبّ وهوى أوفيليا مع خطيبها السّابق وشخصيات أخرى وجيهة، بعض هذه الشخصيات حقيقية، وبعضها الآخر خيالي منهم ألفارو دي كامبوس نفسه (الاسم المستعار لفرناندو بيسّووَا ذاته)، وكان ذلك التداخل بين المحبّين المتيّمين العاشقين يشكّل حجرَ عثرة في سبيل حبّ الشاعر الهائم هياماً شديداً بخليلته الأثيرة وتؤكّد الباحثة البرتغالية داسيلبا في هذا القبيل على: «أنّنا واجدون رسائلَ عديدة موجّهة إلى أوفيليا بتوقيع اسمه الآخر المستعار وهو «الفارو دي كامبوس»، حيث كانت ترى فيه أوفيليا شخصية سيّئة غير محبّبة، بل إنها تقول صراحة» إنّها شخصية لا تروقها ولا تعجبها في شيء البتّة».
في يومٍ مّا طرقَ أحدُهم الباب..
ويودّع فرناندو بيسُووا أوفيليا برسالة حزينة ومؤثّرة غامضة تحمل تاريخ شهر يونيو 1920، التي يقول لها فيها: «إنّ قدَري ينتمي لقانون آخر لا تعرف أوفيليا شيئاً عن وجوده بتاتاً، هذا القانون يخضع أكثر فأكثر لمعلمين لا يمنحون شيئاً، ولا يغفرون». بعد انصرام تسع سنوات شاء الحظ أن يجمعهما القدَرُ من جديد، لقد أصبحت أوفيليا كيروث سيّدة في الثامنة والعشرين ربيعاً من عمرها، أمّا فرناندو بيسّووَا فقد أمسى رجلاً ناضجاً، ولكنّه أصبح مُدمنا لتعاطي «البراندي» وهو منشغل، ومهووس من أجل إتمام واستكمال عمل أدبي من أعماله الكبرى الذي غدا بين يديه كمتاهة ملتوية لا نهاية لها. أوفيليا لم تعد تتحدّث الآن عن الزّواج، كما كانت تفعل من قبل بدون انقطاع . وطفق بيسُّووَا من جانبه في الابتعاد عنها وأصبحت من جرّاء ذلك مراسلاتها إليه تتّسم بحوارعقيم وميؤوس منه من طرف واحد، حيث ما انفكّت هي ترجوه في كل مرّة أن يكاتبها من جديد، ثم سرعان ما قرّرت بعد ذلك مطالبته بالفراق النهائي الذي سيحدث فعلاً أواخر 1929 .
وتشير الباحثة البرتغالية داسيلبا إلى: «أنّه في عام 1935 وقبل أشهر قليلة من وفاته رأى فرناندو بيسوّوَا كتابه الوحيد يخرج إلى النّور وينشر في حياته، وهو قصيدته الرّائعة التي جاءت في شكل رسالة، وكان هذا الكتاب تحت عنوان: «في يوم مّا طرقَ أحدُهم البابَ وهرعت الخادمة لفتحه»، هذا ما حكته أوفيليا نفسها بعد مرور سنوات عديدة. إنّها تقول في هذا الصدد: «جاء أحدُهم بكتاب، وعندما سلّموني إيّاه وفتحته تبيّن لي أن الكتاب رسالة مطوّلة يتصدّرها إهداء، عندما سألتُ عن الشّخص الذي جاء بالكتاب، وبواسطة الوصف الذي قدّمته لي الفتاة التي استلمت الكتاب، عرفت أن الذي جاء به كان هو فرناندو بيسوّوَا نفسُه، حينئذ أسرعتُ مهرولةً – تقول أوفيليا – نحو باب المدخل، ولكنّني لم أجد أحداً، ومن ثمّ لم أرَ فرناندو بيسوا أبداً من جديد بعد ذلك».
فرناندو بيسُّووَا الذي احتفلت بلاده مؤخّراً بذكرى رحيله الثمانين احتفالاً كبيراً كان يعرّفُ نفسَه في مؤلّفٍ له تحت عنوان «كتاب اللاّطمأنينة» يقول: "أنا من أرباضِ مدينةٍ لا وجودَ لها، أنا التعليق المحظور على كتابٍ لم يُكتب قطّ، أنا لستُ شيئاً، أنا لستُ أحداً، أنا لا أعرفُ الإحساس، أنا لا أعرفُ التفكير، أنا لا أعرفُ أن أحبّ، أنا شخصيّة في روايةٍ لم تُكتب بَعْد، موجودة في الهواء، مُحتقرَة، لم تكن قطّ في أحلام مَنْ لم يعرف كيف يصوّرني، ويُنجزني كاملاً".
--------------------------------------------- 
كاتب وباحث وقاصّ ومترجم من المغرب، عضو الأكاديمية الإسبانية-الأمريكية للآداب والعلوم - بوغوتا- (كولومبيا)


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

قصص قصيرة جدا

إدواردو غاليانو* ترجمة: أسامة أسبر العالم صعد رجل من بلدة نيغوا، الواقعة على الساحل الكولومبي، إلى السماء. حين عاد وصف رحلته، وروى كيف تأمل الحياة البشرية من مكان مرتفع. قال: نحن بحرٌ من ألسنةِ اللهب الصغيرة. أضاف: العالم كومةُ من البشر، بحر من ألسنة اللهب الصغيرة. كل شخص يشع بضوئه الخاص وليس هناك لسانا لهب متشابهان. ثمة ألسنة لهب كبيرة وأخرى صغيرة من جميع الألوان. ألسنة لهب بعض البشر هادئة بحيث لا تتأجج حين تهب الريح، بينما يمتلك آخرون ألسنة لهب وحشية تملأ الجو بالشرار. بعض ألسنة اللهب الغبية لا تحرق ولا تضيء، لكن ثمة أخرى تفيض بلهب الحياة بحيث أنك لا تستطيع أن تنظر إليها دون أن ترف عيناك، وإذا اقتربت منها تضيئك.   العنب والخمر على فراش الموت، تحدث رجل يعمل في الكروم في أذن مرسليا. قبل أن يموت كشف السر هامساً: "إن العنب مصنوع من الخمر." هذا ما روته لي مارسيلا بيريث-سيلبا، وبعدها فكرتُ: إذا كان العنب مصنوعاً من الخمر، فربما نكون الكلمات التي تروي من نحن. فن للأطفال كانت تجلس على كرسي مرتفع أمام صحن من الحساء على مستوى العين. أنفها مجعد، أسنانها محكمة الإغلاق، وذراعاها

EL TIEMPO ENTRE COSTURAS

رواية اسبانية بنكهة مغربية أصبحت رواية الأديبة الإسبانية ماريا دوينياس "الوقت بين ثنايا الغرز"، التي تدور أحداثها في مدينة طنجة المغربية، إلى ظاهرة حقيقية حيث حققت مبيعات تجاوزت المليون نسخة، كما ترجمت لعدة لغات بينها الإنجليزية والألمانية كما تحولت إلى مسلسل تليفزيوني ضخم، سوف يبدأ عرضه مطلع 2012. وامتد نجاح الرواية ليتجاوز حدود إسبانيا حيث من المقرر أن تظهر ترجمتها الإنجليزية في الولايات المتحدة في نوفمبر المقبل، وفي نفس الشهر سوف يتم تكريم المؤلفة، في معرض جوادالاخارا الدولي للكتاب في المكسيك. وفي تصريحات لوكالة (إفي) قالت الأديبة دوينياس "أنا سعيدة لكل هذا النجاح الذي حققته الرواية، لأنه يؤكد أنها تتناول أحداثا ذات طبيعة كونية. تدور أحداث الرواية حول سيرا كيروجا، مصممة أزياء شابة، تضطر لمغادرة مدريد، بحثا عن حبيب مجهول، إلى أن تعثر عليه في مدينة طنجة التي كانت واقعة في تلك الأثناء تحت الاحتلال الإسباني، ويحاولان الاستقرار هناك. ومرة أخرى تجد سيرا نفسها مضطرة للرحيل إلى تطوان، والتي كانت أيضا تحت الاحتلال الإسباني (1902-1956)، هربا من الديون والشعور بالو

المترجمة بثينة الإبراهيم: الترجمة تقاوم القبح وتدخلنا غابة الكلمات

علي سعيد جريدة الرياض بالنسبة لبثينة الإبراهيم، الترجمة بمثابة مزاولة الرياضة اليومية. المترجمة السورية المقيمة في الكويت، احتفى بها متابعوها على شبكات التواصل لاتمام عامها الأول في نشر مقاطع أدبية واظبت على ترجمتها ونشرها كل صباح، إلى جانب استمرار مترجمة (أشباهنا في العالم) في رفد المكتبة بالأعمال التي نقلتها إلى العربية. عن تجربة الترجمة اليومية، تقول بثينة الإبراهيم: "كان أول مقطع أترجمه منفصلًا –أعني دون أن يكون في مقال أو عمل كامل- في شهر يونيو من العام الماضي، كنت أقرأ رواية لخابيير مارياس وأعجبتني عدة مقاطع من الرواية، كان أولها ذاك الذي يصف فيه يدي امرأة تجلس أمامه في القطار، لم يكن هناك خطة مسبقة لهذا، كان الأمر بسيطًا جدًا في حينها". وحول مسألة الالتزام في الترجمة اليومية، وأهميته على المترجم من حيث تطوير الأدوات وصقل التجربة، تقول الإبراهيم: "ربما لا يلتزم كل المترجمين بترجمة يومية، إلا لو كانوا مرتبطين بأعمال يودون إنجازها سريعًا، لكن من تجربتي الشخصية؛ أجد أنها لا تختلف أبدًا عن ممارسة التمارين الرياضية يوميًا، كلاهما تصقل العضلات والمهارات&q