التخطي إلى المحتوى الرئيسي

إنريكي بيلا ماتاس: في عالمٍ أفسده البلهاء

(الكاتب خلال إلقائه كلمته قبل تسلُّم الجائزة، تصوير: ليوناردو ألفاريز) 
خالد الريسوني
العربي الجديد

حاز الكاتب الإسباني إنريكي بيلا ماتاس (1948) جائزة "معرض كتاب غوادالاخار" في المكسيك، والذي يستمر حتى التاسع من كانون الأول/ ديسمبر الجاري. قبل تسلّمه الجائزة، ألقى ماتاس كلمةً، انتقد فيها المشهد الثقافي العام "الموحش" الذي "تعيشه القرية الكونية في زمن العولمة"، وفق تعبيره.
اختار صاحب "في مكان أعزل" لكلمته عنواناً دالاً، هو: "المستقبل، لكنه مستقبل كان يجب أن ينطلق من الماضي". تطرّق ماتاس إلى حياته، واصفاً إيّاها بـ "درب مغلق وبلا منفذ": "كنت أعتقد أن الحدث في الروايات الآتية سيتلاشى لصالح الفكر، مع يقين ساذج في تطور مطالبات قرّاء القرن الجديد. كنت أعتقد أن مستوى الذكاء العام سينمو، وأن رواية القرن التاسع عشر في المستقبل الذي لا تُفكّ شيفرته قد استنفدت أفضل أشكالها، وستخلي المكان للبحوث السردية أو السرود البحثية".

يتابع: "كنت أعتقد أن في هذا القرن سيتم إفساح المجال لعبور شكل من الرواية تتموضع لحسن الحظ في الحدود، رواية يمتزج فيها دونما مشاكل الأتوبيوغرافي مع البحث، ومع الخيال الصرف، ومع الواقع المنقول إلى النص كما هو. كنت أعتقد أننا نمضي باتجاه أدب يتوافق مع روح الزمن، أدب مختلط حيث الحدود ستتداخل وحيث يمكن للواقع أن يرقص في الحدود مع الخيال".
"لماذا
يقع الكتّاب
صيداً سهلاً
أكثر من
 
غيرهم من البشر
للاكتئابات؟"
لينتهي إلى تساؤل: "لماذا يقع الكتّاب صيداً سهلاً أكثر من غيرهم من البشر للاكتئابات؟" ثمّ يجيب: "لأنهم لا يستطيعون تقبّل فكرة أن تُفرض عليهم الحياة في عالم أفسده البلهاء".
وفي سياق "العالم الذي أفسده البلهاء"، تحدّث ماتاس حول ما نعيشه اليوم من حروب، معرّجاً على قضية اللاجئين السوريين، مشيراً إلى أنهم ضحايا للحرب، "يقاومون من أجل الحياة، ويتكيفون مع أوضاع صعبة مثلهم في ذلك مثل الناجين من مأساة تشيرنوبل".
ولد ماتاس في برشلونة عام 1948، درس الحقوق والصحافة. في 1968، عمل محرّراً في مجلّتي "فوتوغراماس" و"ديستينو". في عام 1970، أخرج فيلمين قصيرين، هما "كل الشبان الحزانى" و"نهاية الصيف"، كما عمل ممثّلاً في سبعة أفلام كتالونية مُنعت جميعها من طرف الرقابة الفرانكوية.
في عام 1971، طُلب إلى التجنيد الإجباري، وفي المخزن الخلفي للمطعم العسكري كتب أولى رواياته؛ "امرأة في المرآة تتأمّل المشهد"، والتي ستغيّر عنوانها في طبعة 2001 "في مكان أعزل". بعد عودة الكاتب إلى برشلونة، عمل ناقداً سينيمائياً في مجلتي "بوكاشيو" و"ديستينو".
محطّته القادمة كانت باريس التي اختارها كمنفى عام 1974. أقام في غرفة على السطح أسكنته فيها الكاتبة الفرنسية مارغريت دوراس. وهناك، سيكتب روايته الثانية "القاتلة المتنورة". منذ الثمانينيات، أصبح ماتاس من الكتّاب الدائمين لملحق مجلة "دياريو 16"، وواصل النشر في مجلة "الماغزين ليتيرير" الفرنسية ما بين أيلول/ سبتمبر 2004 وآذار/ مارس 2008، إلى جانب كتابة عموده في القسم الثقافي من يومية "الباييس".


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

9 من أفضل روايات أمريكا الجنوبية ننصحك بقراءتها

من البرازيل وحتى المكسيك، من تشيلي لبيرو ومرورًا بكوبا والإكوادور، في تلك البلاد والمجتمعات التي عانت كثيرًا من الاستعمار وقاومت لعقود عبر عشرات الثورات، من تلك البلاد الساحرة والمجتمعات الثرية بالحكايات كان أدب أمريكا اللاتينية جديرًا بالتبجيل والانتشار . ذلك الجمال الأدبي الساحر، والقصص والحكايات الإنسانية التي أبدع كتاب أمريكا الجنوبية في نسجها. ومن آلاف الكُتاب وعشرات الآلاف من الكتب والروايات الساحرة المنتمية لتلك البيئة نرشح لكم تلك الروايات التسعة .

المترجم عمر بوحاشي: الترجمة من الإسبانية للعربية تعرف قفزة نوعية بفضل ظهور جيل من المترجمين وتحديدا في شمال المغرب

حاورته: إيمان السلاوي يكشف المترجم المغربي عمر بوحاشي، في هذا الحوار، آخر أعماله المترجمة التي تهم رواية "الكوخ" للكاتب الإسباني بيثينتي بلاسكو إيبانييث، وكذلك عن إصداراته الأخيرة، ويقدم رؤية عن واقع الكتب المترجمة من الإسبانية إلى العربية في المغرب التي يعتبرها ذات مستقبل واعد . والمترجم حاصل على جائزة الترجمة من المعرض الدولي للنشر والثقافة بالدار البيضاء سنة 2014، عن رواية بعنوان "لسيدة بيرفيكتا" للكاتب المخضرم، بينيتو بيريث غالدوس، يؤكد أن “الترجمة تخلق نوعا من التفاعل الثقافي، وفتح الحوار بين الحضارات، وتساهم في انفتاح الشعوب على بعضها لتتعارف أكثر”. ويعتبر بوحاشي من جيل المترجمين الذين نقلوا أهم الكتب الإسبانية التي ساهمت في تشكيل المغرب في المخيلة الإسبانية خلال العقدين الأخيرين. فقد ترجم رواية "عيطة تطاون" لبينيتو بيريث غالدوس التي تعتبر منعطفا في الروايات التي كتبت حول المغرب لأنها تميزت بواقعية لم يعتدها الإنتاج الأدبي الإسباني حول الجار الجنوبي للإسبان .

قصص قصيرة جدا

إدواردو غاليانو* ترجمة: أسامة أسبر العالم صعد رجل من بلدة نيغوا، الواقعة على الساحل الكولومبي، إلى السماء. حين عاد وصف رحلته، وروى كيف تأمل الحياة البشرية من مكان مرتفع. قال: نحن بحرٌ من ألسنةِ اللهب الصغيرة. أضاف: العالم كومةُ من البشر، بحر من ألسنة اللهب الصغيرة. كل شخص يشع بضوئه الخاص وليس هناك لسانا لهب متشابهان. ثمة ألسنة لهب كبيرة وأخرى صغيرة من جميع الألوان. ألسنة لهب بعض البشر هادئة بحيث لا تتأجج حين تهب الريح، بينما يمتلك آخرون ألسنة لهب وحشية تملأ الجو بالشرار. بعض ألسنة اللهب الغبية لا تحرق ولا تضيء، لكن ثمة أخرى تفيض بلهب الحياة بحيث أنك لا تستطيع أن تنظر إليها دون أن ترف عيناك، وإذا اقتربت منها تضيئك.   العنب والخمر على فراش الموت، تحدث رجل يعمل في الكروم في أذن مرسليا. قبل أن يموت كشف السر هامساً: "إن العنب مصنوع من الخمر." هذا ما روته لي مارسيلا بيريث-سيلبا، وبعدها فكرتُ: إذا كان العنب مصنوعاً من الخمر، فربما نكون الكلمات التي تروي من نحن. فن للأطفال كانت تجلس على كرسي مرتفع أمام صحن من الحساء على مستوى العين. أنفها مجعد، أسنانها محكمة الإغلاق، وذراعاها...