في يومه العالمي.. كل عام والكتاب بألف خير..
..والكتابُ هو الجليس الذي لا يطريك،
والصديق الذي لا يغْريك،
والرفيق الذي لا يملُّكَ،
والمستَمِيح الذي لا يستَريثُك،
والجارُ الذي لا يَسْتَبْطِيك،
والصاحبُ الذي لا يريد استخراجَ ما عندَك بالملَق،
ولا يعامِلُك بالمَكر،
ولا يخدَعك بالنِّفاق،
ولا يحتالُ لك بالكَذِب،
والكتابُ هو الذي إنْ نظرتَ فيه أطالَ إمتَاعَك،
وشحَذَ طباعَك،
وبسَط لسانَك،
وجوَّدَ بَنانك،
وفخَّم ألفاظَك،
وبجَّح نفسَك،
وَعمَّر صدرك،
ومنحكَ تعظيمَ العوامِّ وصَداقَةَ الملوك،
وعَرفتَ به في شهر، ما لا تعرفُه من أفواهِ الرجال في دهْر،
مع السلامةِ من الغُرم، ومن كدِّ الطلب،
ومن الوقوفِ بباب المكتِسب بالتعليم،
ومِن الجُلوس بين يَديْ مَن أنت أفضلُ منه خُلُقاً، وأكرمُ منه عِرْقاً،
ومع السلامةِ من مجالَسَة الْبُغَضاء ومقارنةِ الأغبياء
والكتابُ هو الذي يُطِيعُك بالليل كطاعته بالنهار،
ويطيعُك في السفر كطاعته في الحضر،
ولا يعتلُّ بنومٍ، ولا يعتَرِيه كَلالُ السهرِ،
وهو المعلِّمُ الذي إن افتقرتَ إليه لم يُخْفِرْك،
وإن قطعتَ عنه المادَّة لم يقطعْ عنك الفائدة،
وإن عُزِلتَ لم يَدعْ طاعتَك،
وإن هبَّتْ ريحُ أعادِيك لم ينقلبْ عليك،
ومتى كنتَ منه متعلِّقاً بسبب أو معتصماً بأدنى حبْل،
كان لك فيه غنًى من غيره،
ولم تَضْطَرَّك معه وحشةُ الوَحدةِ إلى جليس السوء،
ولو لم يكن مِن فضْله عليك، وإحسانِه إليك، إلاّ منعُه لكَ من الجلوس على بابك، والنظرِ إلى المارَّةِ بك،
مع ما في ذلك من التعرُّض للحقوقِ التي تَلزَم، ومن فُضولِ النظَر، ومن عادةِ الخوض فيما لا يعنيك، ومِن ملابسةِ صغارِ الناس،
وحضورِ ألفاظهم الساقطة،
ومعانيهم الفاسِدة،
وأخلاقهم الرديَّة،
وجَهالاتهم المذمومة،
لكان في ذلك السلامة، ثم الغنيمةُ،
وإحرازُ الأصل، مع استفادةِ الفرع،
ولو لم يكن في ذلك إلاّ أنّه يشغَلُك عن سُخْف المُنَى وعن اعتياد الراحة، وعن اللعب، وكلِّ ما أشبهَ اللعب، لقد كان على صاحبه أسبَغَ النعمةَ وأعظَمَ المِنَّة.
الجاحظ
تعليقات
إرسال تعليق