التخطي إلى المحتوى الرئيسي

عن مسرح أمريكا اللاتينية

الدكتور محسن الرملي
بقلم محسن الرملي
كاتب عراقي مقيم بإسبانيا

إننا نعرف الكثير عن المسرح الأوروبي وتجاربه، ونشأ مسرحنا العربي متأثراً به منذ بداياته، وعرفنا، في العقود الأخيرة، الكثير عن الرواية والقصة والشعر في أمريكا اللاتينية فأثر ذلك بشكل واضح على أدبنا العربي المعاصر وأثراه، بينما نكاد لا نعرف شيئاً عن طبيعة التجارب المسرحية فيها، على الرغم من أنها هي الأقرب إلينا من حيث مشاكلها السياسية والثقافية والاجتماعية باعتبارنا ندخل، معها، ضمن نطاق تسمية وطبيعة ظروف ومكونات وإشكاليات ما يتعارف على تصنيفه بـ(العالم الثالث).
من هنا تأتي أهمية كتاب (جماليات الرفض في مسرح أمريكا اللاتينية) للدكتور طلعت شاهين الذي أصدره عن دار سنابل في القاهرة، على الرغم مما ينطوي عليه ذلك من مغامرة الحديث النقدي عن أعمال إبداعية ليس للمتلقي العربي معرفة مسبقة بها، إلا أنها تعد بحد ذاتها خطوة رائدة لابد من اتخاذها كي نفتح نافذة أخرى نحو معرفة أفضل وجديدة.
   الشاعر والمترجم والباحث المصري الدكتور طلعت شاهين، واسع الاطلاع على الثقافة المكتوبة بالإسبانية عبر الدراسة والمعايشة لأكثر من ثلاثين عاماً والتي أصدر خلالها أكثر من خمسة عشر كتاباً حتى الآن تتوزع بين الترجمة والتأليف، ففي الترجمات وجدناه دائماً يبحث عن أسماء ومواضيع جديدة يقدمها للقارئ العربي، ولا يتوقف عند السائد والرائج الذي سبق التعريف به، فهو أول من عرفنا على أسماء مثل: خوليو ياماثاريس، نوريا آمات، ميرثي رودوريدا، كلارا خانيس وغيرهم.. وكان من أوائل الذين نقلوا لنا خوان غويتيسولو إلى العربية، وأول المسارعين إلى ترجمة مذكرات غارثيا ماركيز إلى العربية حال صدورها.
مسرح العالم الجديد
   في كتابه (جماليات الرفض في مسرح أمريكا اللاتينية)، يستعين الدكتور طلعت شاهين بخبرته الأكاديمية التي أنجز من خلالها أطروحته حول الاحتفالات الشعبية الإسبانية ومقارناتها بالعربية والمصرية تحديداً. وكذلك بالكثير من المصادر الإسبانية والهيسبانية المتعلقة بالمسرح، فيطلعنا على بدايات المسرح في أمريكا اللاتينية عبر تقديم موجز، مكثف وواضح يرسم من خلاله المناخ التاريخي العام الذي تبلورت فيه بدايات ولادة المسرح هناك، فيلجأ إلى اتباع التقسيم وفق أصناف النمو والتوجهات والتيارات المسرحية متدرجاً بالأمر على النحو التالي: مسرح العالم الجديد، المسرح التعليمي، الدراما العرقية، مسرح الباروك، المسرح الفكاهي الإسباني "إلبوفو"، المسرح الجامعي، المسرح العبثي، من نبض الثورة إلى أزمة الستينات، مسرح إسكامبراي، لينتقل بعدها متوسعاً بالحديث عن المسرح الكوبي متخذاً من تجربة الكاتب بيرخيليو بينييرا (1912 ـ 1979) نموذجاً يعمل على دراسته والتعريف به باعتباره ممثلاً لجيل بأكمله من المسرحيين ليس في كوبا وحدها وإنما في أمريكا اللاتينية عموماً. يقدمه أولاً بنبذة تعريفية عن حياته، ثم أهم أعماله، ويضيء: جماليات الرفض في مسرحه، ملامح الشخصيات في أعماله، طبيعة استخدامه للسخرية والرمز، إصراره (ككاتب) على التدخل والمشاركة في تحديد لغة الإشارة والإيماءات، الإضاءة، الإكسسوار والضوضاء، لينهي الكتاب بترجمة لعملين من أعمال بينييرا الأخيرة والتي لم يكملها أبداً، وهذا أمر يرى فيه النقاد قصدية منه ولظروف تتعلق بطبيعة مواقفه، وخاصة السياسية، يشرحها المؤلف في سياقها.. وهما عمليه الرائعين: ( التوأم) و(الرحلة).
المسرح لبسط نفوذ الكنيسة
   من خلال هذا الكتاب الصغير في الحجم (150 صفحة/قطع متوسط) والكبير في الفائدة، سنعرف بأن المسرح قد انتقل إلى أمريكا اللاتينية مع بداية ما يسمى بالاكتشاف للقارة الجديدة والغزو الإسباني، وكان المسرح في تلك الفترة يعمل في عدة أطر مختلفة، منها الترفيه عن الحكام الجدد في تلك البلاد، الذين حاولوا التشبه بحكامهم في إسبانيا، وأيضاً بهدف دعائي سياسي، فصنع مثل تلك الرفاهية يهدف إلى زيادة الرهبة في نفوس سكان البلاد الأصليين، ثم الترفيه عن جنودهم، كما استخدمت الكنيسة المسرح كوسيلة دعائية فعالة لنشر سيطرتها على السكان الأصليين، ولتوصيل تعاليم المسيحية ونشرها عبر أعمال مسرحية بسيطة، خاصة أيام الاحتفالات الدينية الرسمية، أو تعميد القديسين.
   ويؤشر لنا بأن أول الاحتفالات في العالم الجديد التي تضمنت مسرحاً قد كانت في المكسيك عام 1529م، وشارك فيها العديد من ممثلي الشعب وطوائفه العرقية والثقافية. وكان الراهب خوان دي ريباس من أوائل الرهبان الفرنسيسكان العشرة الذين وصلوا إلى العالم الجديد، وأول من فكروا في استخدام المسرح كأداة لتوصيل الأفكار الدينية، حيث راح يقدم في هذه الاحتفالات أعمالاً عن حياة القديسين كنوع من إنعاش الذاكرة للجنود الغزاة، من جهة، وفتح عيون السكان الأصليين على الدين الجديد ومزاياه، من جهة أخرى، كنوع من الدعوة/الدعاية والترويج كي يعتنقوه.
أسبقية ظهور مسرح «العبث» اللاتيني
   لكن المسرح في تلك المناطق تطور فيما بعد لتدخل فيه الفرق المحترفة، التي كانت تبتعد عن المسرحيات الدينية التي تركتها للكنائس والكهنة والرهبان، واعتمدت على جذب الجمهور العريض بتقديم المسرحيات الساخرة، التي اتهمها البعض بأنها مسرحيات علمانية معادية للدين والدولة، ووصل غضب الكنيسة والدولة من هذه الفرق المسرحية المحترفة إلى حد إصدار الملك فيليبه الثاني في العام 1598م قراراً بمنع هذه الفرق من العمل في البلاد الخاضعة للإمبراطورية الإسبانية الشاسعة، إلا أن القرار، لحسن الحظ، لم يتم تطبيقه في القارة الجديدة، نظراً للحاجة الملحة التي أبداها سكان العالم الجديد لمثل هذا المسرح.
    وبعد تزايد عدد الأفارقة المجلوبين إلى أمريكا اللاتينية، عبر تجارة الرقيق التي بدأت في القرن السابع عشر وظلت رائجة حتى أوائل القرن العشرين، في إطار عمليات بيعهم كعبيد لملاك الأراضي، راحت منطقة الكاريبي تتميز عن غيرها من مناطق أمريكا اللاتينية، وأخذت فنونهم الطقسية ذات الأصول السحرية الأفريقية تتسرب وتمتزج بفنون المسرح السائدة والقادمة من أوربا، فقدموا الدراما الطقسية، المفعمة بالغناء والرقص المهرجاني والأقنعة البدائية، حتى تمت بلورة ما اتفق النقاد على تسميته بـ (الدراما العرقية) وتعزز هذا النوع في كوبا خاصة، ومثيل هذا تم في البرازيل أيضاً والذي نجد من امتداداته، حتى اليوم، مهرجاناتها، المعروفة، التي صارت تتوسع لتصبح تقليداً عالمياً. أما في كوبا وهي التي ينتمي أغلب سكانها إلى الأصول الزنجية الأفريقية، فإننا نجد هذه التأثيرات جلية، مما يجعلها في مقدمة الحركة المسرحية في أمريكا اللاتينية التي اعتمدت على الفنون الزنجية من موسيقى ورقص وغناء وطقوس دينية، في خلق ورسم هوية مسرحها الجديد الذي يعتمد الشكل والتقنية العامة الأوربية، ولكن روحية تناوله ومحتواه، يطغي عليه الطابع الطقسي المعروف بأصوله الأفريقية.
  وفيما يتعلق بالمسرح الحديث فإن الملفت للنظر؛ ما يؤشره المؤلف حول أسبقية واختلاف المسرح العبثي في أمريكا اللاتينية عن هذا الذي عرفناه أوربياً. "المسرح العبثي في أمريكا اللاتينية كشكل مكتمل للتعبير في الأدب بشكل عام، والمسرح بشكل خاص، كان سابقاً تاريخياً على ظهور (مسرح العبث) الأوربي، حيث من الثابت تاريخياً أن الكاتب الكوبي بيرخيليو بينييرا كتب مسرحيته الأولى التي تتخذ هذا الشكل (إليكترا جاريجوو) في العام 1941م. قبل أن يتم تعميد مسرح العبث الأوربي على يدي يوجين يونسكو بعقد كامل".ص23
   هذا من حيث الشكل والتقنية والإطار العام، فيما نجد الاختلاف الحقيقي يكمن في عمق رؤية كل منهما لهذا التيار، حيث أن "أكثر كتاب المسرح في أمريكا اللاتينية الذين مارسوا كتابة المسرح العبثي كانوا يعكسون واقع بلادهم، ولكن بشكل يختلف تماماً عن مسرح العبث الأوربي، حيث كان الكتاب الأوربيين ينظرون إلى الواقع على أنه دائرة مغلقة متكررة الحدث لا مفر للإنسان منها، بينما الكاتب الأمريكي اللاتيني على العكس من ذلك، يرى أن الواقع العبثي لا يعكس واقعاً دائماً وثابتاً للمجتمع، بل هو واقع مؤقت بزمن وجود السلطة القامعة، والإنسان لديه إمكانيات الهروب من ذلك الواقع العبثي بشكل عام، لذلك فإن الكاتب الأمريكي اللاتيني يشعر أنه أكثر التزاماً بواقعه الاجتماعي ـ السياسي من الكاتب الأوربي الغارق في البحث عن مشاكل وجودية تعتبر حالة رفاهية بالنسبة لمواطن أمريكا اللاتينية". ص26
   وبالتأكيد سينعكس هذا الفهم على طبيعة استخدام العناصر الأخرى في العمل المسرحي ومنها على سبيل المثال السخرية: فإذا كان المسرح العبثي في أمريكا اللاتينية ومسرح العبث في أوربا استخدما السخرية كأداة أساسية من تقنيات الكتابة المسرحية، إلا أن هناك فوارق بين المسرحين في استخدام هذه التقنية، وربما الفارق الرئيس بين الاثنين أن مسرح العبث الأوربي يستخدم السخرية كوسيلة لتحرير العقل من الوضع الاكتئابي وفقدان الأمل في حياة أفضل بالنسبة للإنسان المعاصر، حيث أن السخرية تعتبر الوسيلة الوحيدة للتحرر من الهموم، بينما الكاتب الأمريكي اللاتيني يستخدم السخرية، ليس فقط لمواجهة الأوضاع السياسية والاجتماعية الضاغطة على حياته، بل لطرح الأمل في نفوس مشاهدي المسرحية.. الأمل في إمكانية التخلص من الواقع السوداوي.
هدف الاقتراب من الجمهور
   لقد أراد المسرح في أمريكا اللاتينية ومنذ بداياته أن يكون دائم القرب والتفاعل مع الناس البسطاء وجمهور العامة الأوسع، بهمومهم وأحلامهم وثقافتهم ولغتهم التي يفهمونها، أي على غير ما وصل إليهم من أنه أداة لتسلية الملوك ووسيلة تعليمية سياسية ودينية مؤدلجة. فراح يبحث عن شتى سبل الاقتراب من الجمهور، حيث أدمج في بداياته أناس من السكان الأصليين من الهنود الحمر، ثم الأفارقة العبيد واستمر هذا النهج حتى المراحل المتأخرة، ومثال ذلك ما فعلته جماعة (آداد) الكوبية من خلال توسيع نطاق نشاطاتها خارج العاصمة، وعمليات تدريب الممثلين ونشر وتوزيع مجلة (بروموثيوس)، حيث قطعت هذه الجماعة على نفسها عهداً بتقديم عرضاً مجانياً في إحدى القرى عن كل شهر عمل محترف في العاصمة. كذلك عبر محاولات وتجارب زج الفلاحين والعمال أنفسهم في المشاركة في صياغة وتقديم الأعمال المسرحية.
     يشير المؤلف إلى مصدر التسمية التي وضعها عنواناً لكتابه فيقول في ص42 وعلى الغلاف الأخير لكتابه:"جماليات الرفض، أطلقت هذه التسمية على أعمال الكاتب الكوبي بيرخيليو بينييرا ، الذي كان متفرداً بين أبناء جيله، ليس في كوبا فحسب، بل في كل بلاد أمريكا اللاتينية. كتب قبل الثورة الكوبية، التي قادها كاسترو مسرحيات (صخب في السجن) 1938، (يسوع) 1948، و(العبيد) 1955، لكن مسرحيته (إليكترا جاريجوو) التي كتبها عام 1941، سببت له المتاعب مع نظام باتيستا الدكتاتوري مما دفعه إلى مغادرة البلاد، واستحق عليها اللقب الذي أطلقه عليه بعض النقاد الذين وصفوه بـ (الرافض)".
   بقي أن نقول بأن هذا الجهد الذي قدمه الدكتور شاهين لثقافتنا العربية يستحق الشكر فعلاً، وبأن كتابه هذا جدير بأن يطلع عليه، بشكل خاص، كل مثقفينا المهتمين بالفنون المسرحية، ففيه صورة لتجارب ومواقف أناس يتشابهون معنا في مجمل الظرف العام ويكشف عن جانب من كيفية تعاملهم وتوظيفهم لهذا الفن العريق والحيوي في خدمة قضاياهم وإنسانهم المعاصر، وبالتأكيد فإن هذا الأمر لا يكتفي بتقديم المنفعة للمسرحين فحسب وإنما يمتد لعموم المشتغلين بالفنون الإبداعية، ويحثنا على مزيد من البحث وفتح أفق المعرفة الأوسع على نتاجات ومواقف وأدوار المثقفين الأمريكوـ لاتينيين أمثال الكوبي الكبير بيرخيليو بينييرا، والذي إضافة إلى شهرته ككاتب مسرحي بقامة عالمية، فقد كتب ثلاث روايات وأكثر من مجموعة قصصية، ومقالات وحوارات متنوعة تتعلق برؤيته لهموم الإنسان المعاصر وبتجاربه في الداخل وفي المنفى، ومع الثورة الكوبية وفي الاختلاف معها.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*نشرت في صحيفة (أخبار الأدب) المصرية، ومن ثم في صحيفة (العرب) اللندنية، العدد 9206 بتاريخ 18/4/2013م

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

قصص قصيرة جدا

إدواردو غاليانو* ترجمة: أسامة أسبر العالم صعد رجل من بلدة نيغوا، الواقعة على الساحل الكولومبي، إلى السماء. حين عاد وصف رحلته، وروى كيف تأمل الحياة البشرية من مكان مرتفع. قال: نحن بحرٌ من ألسنةِ اللهب الصغيرة. أضاف: العالم كومةُ من البشر، بحر من ألسنة اللهب الصغيرة. كل شخص يشع بضوئه الخاص وليس هناك لسانا لهب متشابهان. ثمة ألسنة لهب كبيرة وأخرى صغيرة من جميع الألوان. ألسنة لهب بعض البشر هادئة بحيث لا تتأجج حين تهب الريح، بينما يمتلك آخرون ألسنة لهب وحشية تملأ الجو بالشرار. بعض ألسنة اللهب الغبية لا تحرق ولا تضيء، لكن ثمة أخرى تفيض بلهب الحياة بحيث أنك لا تستطيع أن تنظر إليها دون أن ترف عيناك، وإذا اقتربت منها تضيئك.   العنب والخمر على فراش الموت، تحدث رجل يعمل في الكروم في أذن مرسليا. قبل أن يموت كشف السر هامساً: "إن العنب مصنوع من الخمر." هذا ما روته لي مارسيلا بيريث-سيلبا، وبعدها فكرتُ: إذا كان العنب مصنوعاً من الخمر، فربما نكون الكلمات التي تروي من نحن. فن للأطفال كانت تجلس على كرسي مرتفع أمام صحن من الحساء على مستوى العين. أنفها مجعد، أسنانها محكمة الإغلاق، وذراعاها

EL TIEMPO ENTRE COSTURAS

رواية اسبانية بنكهة مغربية أصبحت رواية الأديبة الإسبانية ماريا دوينياس "الوقت بين ثنايا الغرز"، التي تدور أحداثها في مدينة طنجة المغربية، إلى ظاهرة حقيقية حيث حققت مبيعات تجاوزت المليون نسخة، كما ترجمت لعدة لغات بينها الإنجليزية والألمانية كما تحولت إلى مسلسل تليفزيوني ضخم، سوف يبدأ عرضه مطلع 2012. وامتد نجاح الرواية ليتجاوز حدود إسبانيا حيث من المقرر أن تظهر ترجمتها الإنجليزية في الولايات المتحدة في نوفمبر المقبل، وفي نفس الشهر سوف يتم تكريم المؤلفة، في معرض جوادالاخارا الدولي للكتاب في المكسيك. وفي تصريحات لوكالة (إفي) قالت الأديبة دوينياس "أنا سعيدة لكل هذا النجاح الذي حققته الرواية، لأنه يؤكد أنها تتناول أحداثا ذات طبيعة كونية. تدور أحداث الرواية حول سيرا كيروجا، مصممة أزياء شابة، تضطر لمغادرة مدريد، بحثا عن حبيب مجهول، إلى أن تعثر عليه في مدينة طنجة التي كانت واقعة في تلك الأثناء تحت الاحتلال الإسباني، ويحاولان الاستقرار هناك. ومرة أخرى تجد سيرا نفسها مضطرة للرحيل إلى تطوان، والتي كانت أيضا تحت الاحتلال الإسباني (1902-1956)، هربا من الديون والشعور بالو

ظننتُ أنّ أحداً لم يعد يقرأني

  قصة: خايمي بيلي * ترجمة عن الإسبانية :  غدير أبو سنينة   سيّارة أجرة تمرّ أمام جدارية في العاصمة البيروفية ليما، آذار/ مارس 2022  عند وصولي إلى مدينة الغبار والضباب (يقصد ليما)، أعلن أحد عناصر طاقم الطائرة عبر مُكبِّر الصوت، وبنبرة مُبتهجة، كأنّما ينقل لنا أخباراً طيّبة، أننا سنستخدم دَرَجاً قديماً للهبوط، وسنضطرّ لحمل أمتعتنا واستقلال الحافلة، لنمارس رقصة الكومبيا عند كلّ منعطف نمرّ به، حتى من دون وجود موسيقى في الخلفية: يا مرحباً بكم في الفوضى ! ما إن يصل المسافرون، حتى يسيروا بأقصى سرعة كأنهم يُشاركون في مسابقة رياضية، كأنّ هناك جائزةً تُمنح لمن يصل أوّلاً إلى مكتب ضابط الهجرة. والحقيقة أنّ أحداً لا يصل أوّلاً، إذ يُصادفهم طابور طويل عريض مُتعرّج، يزحف مثل أفعى تُحتضر. لا جوائز، الجميع معاقَب بسبب البطء المُستفزّ لمن ينفّذون القانون بلا مبالاة .  بعد اجتياز عدّة ضوابط صارمة، يستقبلنا السائق بحذَر ويقودنا إلى الشاحنة المُدرَّعة، ذات النوافذ المُظلَّلة، يعرفُني باقي السائقين، يُحيُّونني بصُراخهم، يتبعونني، الحمقى، يعرضون علي خدماتهم، ويطلبون منّي بقشيشاً. أبدو لهم شخصاً فا