التخطي إلى المحتوى الرئيسي

حوار مترجم مع المفكر والروائي أمبرتو إيكو

تقديم وترجمة: عبد اللّطيف الوراري

قبل ثلاثين عاماً، كان الأستاذ المحاضر في السيميائيات الخاصة بأبحاث العصر الوسيط، والابن من أبٍ محاسب وجدٍّ عاملٍ بمطبعة، ومدخّن الغليون وهاوي الإسكواش الإسكتلندي، قد أقدم على نشر رواية يوليسية بالإيطالية، تحمل عنواناً سحريّاً: اسم الوردة.
  طبعت الرواية تاريخ المكتبة المعاصرة بنجاحها المذهل: لم تكن قصة قتل راهب داخل دير بينديكتي، في عام 1327م، إلّا على الورق، حتى ذاعت شهرتها مع 'اسم الوردة' التي تحوّلت إلى فيلم للمخرج جان جاك آنو، فأسرت الملايين من القراء وترجمت إلى ما يقرب من خمسين لغة. بعد ثلاثين عاماً، صار أمبرتو إيكو كاتباً له حظوة في وسائل الإعلام عبر العالم بأسره، ووجهاً بازغاً من وجوه ثقافتنا المعاصرة الأكثر تأثيراً. بمناسبة إعادة إصدار روايته 'اسم الوردة'، التي تعدّ الأكثر مبيعاً له وتستوحي أحداثها من العصر الوسيط، يتحدّث أمبرتو إيكو لـ(نوفيل أوبسرفاتور، سبتمبر 2012) عن هذه الرواية التي تطارده شهرتها، وعن الأزمة المالية، ونهاية العالم، والتعليم الجامعي وعشقه للكتب.

ــ لماذا عاودت نشر روايتك الأكثر مبيعاً في صيغة منقّحة، وذلك بعد ثلاثين عاماً من نسختها الفرنسية، واثنين وثلاثين عاماً من نسختها الإيطالية؟

إيكو: ليست منقّحةً إلى هذه الدرجة! ذلك ممّا اخترعه الناشر. لكن الحقّ أنّي انزعجتُ من خرافة حدثت العام الماضي هنا في فرنسا. قيل إنّي بصدد إعادة كتابة 'اسم الوردة' للفارغين. كان هذا من الغباء بمكان. ببساطة، فإنّه يحدث لكاتب، وهو يراجع كتاباً صدر منذ فترة طويلة، أن يشعر بالحاجة لإجراء بعض التغييرات عليه. وأيّاً كان، فإنّ 'اسم الوردة' هو الكتاب الذي كنت قد كتبته من ثلاثين عاماً خلت، وقد اتّسم على مرّ الترجمات بأخطاء ارتأيتُ أن أصحّحها من طبعة جديدة إلى أخرى. وفي الواقع، فإنّ الكتاب كان يتطوّرُ باستمرار. لذا كان من المفيد أن أراجعه بصفة نهائية. وعلى كلّ حال، لدي نصيحة للقارئ: لا تشتَرِه! لا يوجد شيء جديد تماماً!

ــ ألا يزال نجاح الكتاب يفاجئكم إلى الآن؟

إيكو: دائماً ما أشعر باهتياج عندما أُسأل هذا السؤال، إذ الجميع يُحدّثونني عن هذا الكتاب، كما لو أنّ الكتب الأخرى لا وجود لها. وكذلك غارسيا ماركيز ظلّت روايته 'مائة عام من العزلة' تضايقه باستمرار، حتى ولو كتب بعدها 'فيدر' أو 'الكوميديا الإلهية'. كما لاحظت أنّه كلما أصدرتُ كتاباً جديداً إلّا وازدادت مبيعات 'اسم الوردة' وعلا سهمها.

ــ وقد تطوّر العالم، ونظرتك إلى اأشياء ربما ليست هي نفسه، فهل تعتقد أنه ستكتب بنفس الطريقة اليوم؟

إيكو: ليس صحيحاً أنّ العالم قد تطوّر. عناوين الصحف هي نفسها. قد تكون التكنولوجيا تطوّرت بلا شك. لكن لم يتغيّر شيء في العمق. إذا مثّلْنا بلانتخابات التي ستعقد في غضون بضعة أشهر في فرنسا، سوف ترى أن الحجج، والمناورات، والسجالات هي نفسها كتلك شهدتها الانتخابات السابقة. الفضائح هي نفسها، لا أقلّ ولا أكثر.

ـ والحاشية ؟

إيكو: كلا، من شأنها أن تكون بذيئة جدّاً. لقد اقترح عليّ الناشر الإنجليزي بعد عشرين عاماً، أن أكتب نظير 'اسم الوردة'. مثل دوما، إلا أنّ دوما فعلها لأنه كان يدفع على الخطّ. كلا، لن يحدث ذلك. يمكنني، تحت اسم مستعار، أن أكتب جميع الحواشي كما شئتم، لكن ليس تحت اسمي!

ــ ما رأيك في الأزمة المالية؟ هل هي أزمة قيم، أزمة أساسية أم هي اضطراب عابر؟

إيكو: إنها تمسّني مثل أي شخص آخر لديه مدّخرات في البنك. لكن ما يقلقني هو أزمتي المالية شأنها في ذلك شأن موتي. بالنسبة لأبيقور، بقدرما أنّ الموت ليس هناك، فإنّ الحياة هي ما يجب أن نهتمّ به. وبقدرما يكون الموت هناك، فإنّه ليس هناك ما يدعوني للقلق. إنّنا نعيش في واقع الأمر، أزمة النموذج الرأسمالي للعولمة. أما بالنسبة إلى هذه المسماة بالأزمة الأوروبية، فإنّه لا معنى لها، لا سيما في وقت تتساءل فيه الولايات المتحدة إن كانت لا تزال هي الدولة الأولى في العالم. قصة الترقيم هذه سوريالية. فليس من الطبيعي أن تكون لوكالة ما حق الحياة وحق الموت على دولة. شأنها شأن التصنيفات. لا أعتقد بمثل هذه هذه الاختبارات وهذه الملاحظات، بل من السُّخْف أن يتقرّر مصير برنامج بهذه الطريقة، ولا من الطبيعي أن تُقرّر إحدى المقاولات الخاصة مصيرَ بلدٍ بأكمله...

ــ هذا يكاد يوحي بأورويل...

إيكو: نعم. إنّها مسألة فرق بين الصناعة والمالية. في الصناعة، تعرف ما تنتجه. وفي المالية، تكون لديك دلائل على الورقة. والحقيقة أنّ جميع الحركات الاقتصادية الكبرى في العالم، تلك التي لم تقم على أهداف واقعية أكثر ممّا قامت على تخيلات، تحوّلت إلى مشكلة. من عادة الفيلسوف أن يتحدّث عن أشياء مجردة، لكن الاقتصاديين اليوم لا يزالون أسيري التجريد الأكبر! فورد القديمة، أو أنييلي القديمة، فاقت غيرها من السيارات. إنّهم يعرفون ما هو المحرك. لقد رأوه كيف يشتغل. إنّ الصانع أو المموّل الذي يملك الآن مقاولة تُصنّع أجهزة الكمبيوتر لا يعرف ما يمكن القيام به مع هذه الآلات، بينما أحدهم من الهاكرز يعرف أكثر بقدر الفرص التي يتيحها له ما ينتجه.

ــ هل أنت متشائم؟

إيكو: أنا قلق. ليس عليّ، وقد تجاوزت ثمانين حولاً، لكن على أولادي. هل لاحظتم كما الصحف التي تُنبئنا، في الآونة الأخيرة، بمستقبل رهيب. لكن هذا النبأ عن مستقبلٍ كارثيّ ليس جديداً؛ فهو كان يعبر جميع العصور. لقد وجدت نصّاً من القرن الثاني أو الثالث عشر للميلاد يصف نهاية العالم في شكل تسونامي وغيره ممّا نعرفه من كوارث المناخ نفسها. وفي العام 1836، قال بلزاك: الحضارة الصناعية دمّرت العمل الفني، وأضاف: نحن لم نعد جديرين بالفن، بل بالمنتوجات فقط. بعد بضع سنين، كتب ستاندال 'منزل بارما الريفي' و'الأحمر والأسود'، وكتب شوبان سوناتاه في شقة صغيرة، وكتب ليوباردي 'جينيسترا'. ثمّ بعد أربعين عاماً، كتب دوستويفسكي 'الإخوة كارامازوف'. إن الإعلان عن نهاية الزمن هو بمثابة الرياضة التي تسمح للمثقفين بكسب القليل من المال.

ــ ابتكر العصر الوسيط الذي اختصصت فيه، النظام المصرفي. هل كان المال، في ذلك العهد، موضوعاً لجميع الرغبات؟

إيكو: عبارة 'Auri sacra fames'، أي 'الرغبة الرهيبة من ذهب'، تأتينا من اللاتينية. فالدين مرتبط أشدّ ما يكون بالمال. لقد عبر الصراع من أجل السلطة جميع الحضارات. وفيما مضى كانت السلطة أكثر ارتباطاً بالسلاح، وهو ما لم يعد بذلك القدر في حالتنا اليوم. لو قدّر لنابليون أن يُبعث اليوم، فلن يكون كابتن مدفعية. بل سوف يستغلّ آبار النفط بولاية تكساس.

ـ في نظركم، هل أخذت المعرفة في المدارس والجامعات، تتقهقر بطريقة لا ترحم ؟

إيكو: هذه مشكلة حقيقية، فالفرق شاسعٌ بين الجامعة التي درستُ بها والجامعة اليوم. حتى مع طلابي من عشرين عاماً، أو من حوالي عشر سنوات. إذا سألْتَ الطالب اليوم عن مورو أو غاسبيري، فإنّه لا يفهم ما تتحدّث عنه. بينما كنتُ أعرف، عندما كان عمري عشر سنوات، أسماء جميع الوزراء الذين كانوا موجودين قبل أن أولد. من هنا يتساءل الطلاب من يكون ديغول... ومن الصحيح أيضاً أنّه لم يكن إلّا ملياران من سكان الأرض، عندما كنت طالباً، وواحداً من حوالي عشرين في قسم الفلسفة. أمّا اليوم، فقد بلغ مجموع السكان سبع مليارات، وفي الجامعة نفسها بلغ عددهم ألفي شخص على الأرجح. ولقد أصبح أولئك العشرون ممّن كانوا معي أساتذةً أو مثقفين بنسبة مئة في المئة تقريباً. واليوم، مع ذلك، هناك دائماً عشرون شخصاً سيصبحون أساتذةً أو مثقفين، من بين ألفي طالب في الكلية. في التصحر الظاهر للثقافة، لا يبدو أن كلّ شيء قاتم. إنها قضيّة ذات أبعاد. يقال أن لا شخصاً يقرأ، ولكن عندما تذهب إلى الفناك (سلسلة متاجر فرنسية متخصصة في توزيع المنتجات الثقافية والإلكترونية الموجهة لعامة الجمهور) لوجدتَ أربعمئة من الشباب يقرؤون، فيما لم يكن هناك إلا أربعة في أيام شبابي.

ـ لكن المستوى نفسه في انحدار؟

إيكو: لما يقرب من عشر سنوات، لم أعد في تواصل مع طلاب السنوات الأولى. لكنّ زملائي يؤكدون لي هذه المعلومة، وهو ما يضعني أمام تقرير مخيف للغاية. كما أنّ موقف الطلاب تبعاً للتقويم قد تغيّر إلى حدٍّ كبير. في الجامعات الإيطالية، يكون الحد الأقصى ممّا يمكن أن تحصل عليه من الدرجات هو ثلاثون، وثماني عشرة في الحد الأدنى. في أيّامي، كان أحدهم إذا حصل على أربع وعشرين، تجده يمتقع ويصرخ ويبكي. واليوم، إذا كانت لدى أحدهم ثماني عشرة، يقول: حسناً، أنا فرح - إنّهم لا يهتمون. هذا أمر مأساوي. وما هو مأساوي أيضاً، أنّك كنتَ تجد السياسيين ينحدرون من السكان الأكثر ثقافة والبالغ عددهم عشرة في المئة، واليوم هم ينتمون إلى نسبة التسعين في المئة ممّن هم أقلّ مستوى. خذ بوش مثلاً. في أحد الأيام، تحدّث عن الحدود بين المكسيك وكندا! أيّ انحطاط هذا، وهو ما رأيناه، بطبيعة الحال، في إيطاليا خلال هذه السنوات العشرين الأخيرة. كان نابليون مثقّفاً؛ وكابتن مدفعية مثله مثل المهندس اليوم، ومثل خريج الفنون التطبيقية. وكان نائب الرئيس الأمريكي نيكسون لايعرف كيف يكتب 'البطاطا'، إذ ضُبِط في المدرسة وهو يغشّ.

ــ أما تُخيفكم الرقمية؟

إيكو: كلّا. اختراع الطائرة لم يُبعد القطار. واليوم، هناك قطارات (تي جي في) السريعة والفاخرة، مثلما هناك طائرات عادية يعامل المسافرون فيها معاملة العبيد في الماضي. الصورة لم تقوّض الرسم. فالكثير من الكتب الثقيلة التي يصعب نقلها، ابتداءً بالموسوعات والكتب المدرسية، يمكن أن تستبدل بـ'الأيباد'. وإذا أنا أردت الاحتفاط بصورة شخصية لجدي، فلن أجدها بطبيعة الحال عند رافاييل، بل عند المصور الفوتوغرافي. بيد أنّ ثمة أناساً هم على الدوام يشترون اللوحات ليعيشوا في محيط مبهج ولطيف. حتى أنا بدوري، كثيراً ما كنتُ أقول إنّه من المستحيل أن تقرأ رواية 'الحرب والسلم' على شاشة، حتى وجدتني سعيداً للغاية أحمل معي، من رحلة دامت شهراً في الولايات المتحدة، عشرات الكتب في بعض الغرامات من جهازي 'الأيباد'.

ــ هل أنت مولع بالكتب؟

إيكو: لديّ خمسون ألف كتاب، وألف مؤلَّف نادر. ولكم أتذكّر الطريقة التي كنتُ أنتقي بها كلّ منهما. بل إنّي أملك من بعض الكتب نسخاً مزدوجة، فإذا أنا أردتُ أن ألمس الموضوع أخذتُ نسختي النادرة، وإذا كنتُ أبحث عن شاهد تصفّحتُ النسخة الجارية. وأكثر ما أحببتُه في هذه الكتب القديمة هو أنَّ لكلٍّ منها قصّةً تُرْوى من قصص قراءاتها العديدة. لديّ مؤلَّف للطبيب باراسيلسوس، لكن ليس له قيمة كبرى، إذ هناك مجلّد ينقص السلسلة. لكن ليس ثمّة فضاء لا تشغله كتابة العصر في ثلاثة ألوان مختلفة، وتحتها خطوط مائزة. هذا ليس كتاباً، إنّه تطريز.

ــ كتبتَ مرّةً أن الكتاب أذكى من صاحبه. هل تعتقد أن 'اسم الوردة'، تمثيلاً، أذكى من أمبرتو إيكو؟

ـ إيكو: نعم، هو كذلك تماماً. ثمّة في الكتاب مدارات قصيرة لم أتخيّلها بالمرّة.

ــ هل يمكن أن تصف لنا أسلوب عملك؟

إيكو: لا منهج لديّ. بالنسبة للروايات، فالمؤكّد أنّ العمل الحقيقي للكتابة إنّما يكون في الريف. وعندما أكون في مدينة أو في بلدة، أقوم بأبحاثي وآخذ الملاحظات. المحصول في أثناء الحياة الحضرية، والكتابة، يكون بالحقول. لديّ عشرة آلاف كتاب في منزلي بالريف. ومن نافذتي، أسرح بنظري في التلال، إلى ما لانهاية.

ــ أأنت بحاجة إلى صمت الرُّهبان للكتابة؟

إيكو: نعم، الصمت، ما عدا في الليل حيث تكسر سكينته الكلاب بنباحها في الريف. لكن أسمع إلى الكثير من الموسيقى الكلاسيكية، ولاسيما ممّا نسمّيه 'الأغاني الذهبية'. ذائقتي ترسو عند الستينيات، وفريق البيتلز تحديداً. والذي جاء من بعد هو لأولادي.

                                                        ـــــــــــــــــــــــــ
                                                    عن جريدة القدس العربي

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

قصص قصيرة جدا

إدواردو غاليانو* ترجمة: أسامة أسبر العالم صعد رجل من بلدة نيغوا، الواقعة على الساحل الكولومبي، إلى السماء. حين عاد وصف رحلته، وروى كيف تأمل الحياة البشرية من مكان مرتفع. قال: نحن بحرٌ من ألسنةِ اللهب الصغيرة. أضاف: العالم كومةُ من البشر، بحر من ألسنة اللهب الصغيرة. كل شخص يشع بضوئه الخاص وليس هناك لسانا لهب متشابهان. ثمة ألسنة لهب كبيرة وأخرى صغيرة من جميع الألوان. ألسنة لهب بعض البشر هادئة بحيث لا تتأجج حين تهب الريح، بينما يمتلك آخرون ألسنة لهب وحشية تملأ الجو بالشرار. بعض ألسنة اللهب الغبية لا تحرق ولا تضيء، لكن ثمة أخرى تفيض بلهب الحياة بحيث أنك لا تستطيع أن تنظر إليها دون أن ترف عيناك، وإذا اقتربت منها تضيئك.   العنب والخمر على فراش الموت، تحدث رجل يعمل في الكروم في أذن مرسليا. قبل أن يموت كشف السر هامساً: "إن العنب مصنوع من الخمر." هذا ما روته لي مارسيلا بيريث-سيلبا، وبعدها فكرتُ: إذا كان العنب مصنوعاً من الخمر، فربما نكون الكلمات التي تروي من نحن. فن للأطفال كانت تجلس على كرسي مرتفع أمام صحن من الحساء على مستوى العين. أنفها مجعد، أسنانها محكمة الإغلاق، وذراعاها

EL TIEMPO ENTRE COSTURAS

رواية اسبانية بنكهة مغربية أصبحت رواية الأديبة الإسبانية ماريا دوينياس "الوقت بين ثنايا الغرز"، التي تدور أحداثها في مدينة طنجة المغربية، إلى ظاهرة حقيقية حيث حققت مبيعات تجاوزت المليون نسخة، كما ترجمت لعدة لغات بينها الإنجليزية والألمانية كما تحولت إلى مسلسل تليفزيوني ضخم، سوف يبدأ عرضه مطلع 2012. وامتد نجاح الرواية ليتجاوز حدود إسبانيا حيث من المقرر أن تظهر ترجمتها الإنجليزية في الولايات المتحدة في نوفمبر المقبل، وفي نفس الشهر سوف يتم تكريم المؤلفة، في معرض جوادالاخارا الدولي للكتاب في المكسيك. وفي تصريحات لوكالة (إفي) قالت الأديبة دوينياس "أنا سعيدة لكل هذا النجاح الذي حققته الرواية، لأنه يؤكد أنها تتناول أحداثا ذات طبيعة كونية. تدور أحداث الرواية حول سيرا كيروجا، مصممة أزياء شابة، تضطر لمغادرة مدريد، بحثا عن حبيب مجهول، إلى أن تعثر عليه في مدينة طنجة التي كانت واقعة في تلك الأثناء تحت الاحتلال الإسباني، ويحاولان الاستقرار هناك. ومرة أخرى تجد سيرا نفسها مضطرة للرحيل إلى تطوان، والتي كانت أيضا تحت الاحتلال الإسباني (1902-1956)، هربا من الديون والشعور بالو

ظننتُ أنّ أحداً لم يعد يقرأني

  قصة: خايمي بيلي * ترجمة عن الإسبانية :  غدير أبو سنينة   سيّارة أجرة تمرّ أمام جدارية في العاصمة البيروفية ليما، آذار/ مارس 2022  عند وصولي إلى مدينة الغبار والضباب (يقصد ليما)، أعلن أحد عناصر طاقم الطائرة عبر مُكبِّر الصوت، وبنبرة مُبتهجة، كأنّما ينقل لنا أخباراً طيّبة، أننا سنستخدم دَرَجاً قديماً للهبوط، وسنضطرّ لحمل أمتعتنا واستقلال الحافلة، لنمارس رقصة الكومبيا عند كلّ منعطف نمرّ به، حتى من دون وجود موسيقى في الخلفية: يا مرحباً بكم في الفوضى ! ما إن يصل المسافرون، حتى يسيروا بأقصى سرعة كأنهم يُشاركون في مسابقة رياضية، كأنّ هناك جائزةً تُمنح لمن يصل أوّلاً إلى مكتب ضابط الهجرة. والحقيقة أنّ أحداً لا يصل أوّلاً، إذ يُصادفهم طابور طويل عريض مُتعرّج، يزحف مثل أفعى تُحتضر. لا جوائز، الجميع معاقَب بسبب البطء المُستفزّ لمن ينفّذون القانون بلا مبالاة .  بعد اجتياز عدّة ضوابط صارمة، يستقبلنا السائق بحذَر ويقودنا إلى الشاحنة المُدرَّعة، ذات النوافذ المُظلَّلة، يعرفُني باقي السائقين، يُحيُّونني بصُراخهم، يتبعونني، الحمقى، يعرضون علي خدماتهم، ويطلبون منّي بقشيشاً. أبدو لهم شخصاً فا