التخطي إلى المحتوى الرئيسي

الكـــــســــــــــــوف

  

 الكـــــســــــــــــوف
Pintura: Eclipse de girasol. Paul Nash 1945



قصة: أوغستو مونتٌروسو(غواتيمالا)
ترجمة: توفيق البوركي


عندما أحس الأخ الراهب بارتولومي أراثولا بالضياع، أدرك أن لا شيء يمكن أن ينقذه. فقد وقع في أسر غابة غواتيمالا الشرسة التي لا ترحم، وأمام جهله بتضاريسها جلس ينتظر حتفه بهدوء وسكينة. كان يريد الموت هناك، حيث انصب تفكيره كليا و دون أمل، في بلده البعيد اسبانيا وخاصة دير لوس أبروخوس، الذي تكرٌم، ذات يوم، الإمبراطور كارلوس الخامس بالنزول إليه ليعبر له عن ثقته في حماسة رجال الدين وعملهم المخلص.
بعد أن استفاق من غفوته، وجد نفسه محاطا بمجموعة من الهنود، ذوي سحنات خالية من أي تعبير، كانوا يهمون بتقديمه كقربان أمام أحد المذابح. مذبح بدا لبارتولومي كسرير سيخلصه، أخيرا من تخوفاته ومن هواجسه ومن نفسه إلى الأبد.


كان بارتولومي قد أمضى ثلاث سنوات في هذا البلد، مكنته من إتقان بعض لغاته الأصلية، حاول أن يقول شيئا. فنطق بكلمات بدت له مفهومة. حينئذ خطر بباله أن يلتجأ إلى موهبته وثقافته الكونية وما تعلمه من أرسطو. تذكر أن هذا اليوم سيصادف حدوث كسوف كلي للشمس، وبدا، في قراره نفسه، مستعدا أن يغتنم هذه المعرفة الثمينة ليخدع آسريه ويخلص نفسه.


-إذا قتلتموني، أستطيع أن أحجب عنكم ضوء الشمس في أعالي السماء.


رمقه الهنود بإمعان وريبة أثارت الدهشة في دواخل بارتولومي، الذي جلس يرقب ما يدور بينهم بنوع من القلق لا يخلو من ترفع واحتقار.


بعد ساعتين، كان قلب الراهب بارتولومي ينزف دما حاميا على صخرة القرابين(المتوهجة تحث ضوء كئيب ينبعث من الشمس الكسيفة)، في حين كان أحد أولئك الهنود، يتلو، دون تفكير، وبتمهل سلسلة من التواريخ اللامتناهية التي سيحصل فيها كسوف الشمس وخسوف القمر، التي تنبأ بها منجموا شعب المايا ودونوها في مخطوطات دون حاجة لتعاليم أرسطو.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

                               النص مأخوذ من كتاب :
Obras completas. (Y otros cuentos) Augusto Monterroso. Editorial Anagrama S.A., Barcelona, 1998 Primera edición, 1959. pp. 55-56 


الصورة المرافقة: عمل تشكيلي للفنان  بول ناش

                                         عن مجلة المحلاج الالكترونية






تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

قصص قصيرة جدا

إدواردو غاليانو* ترجمة: أسامة أسبر العالم صعد رجل من بلدة نيغوا، الواقعة على الساحل الكولومبي، إلى السماء. حين عاد وصف رحلته، وروى كيف تأمل الحياة البشرية من مكان مرتفع. قال: نحن بحرٌ من ألسنةِ اللهب الصغيرة. أضاف: العالم كومةُ من البشر، بحر من ألسنة اللهب الصغيرة. كل شخص يشع بضوئه الخاص وليس هناك لسانا لهب متشابهان. ثمة ألسنة لهب كبيرة وأخرى صغيرة من جميع الألوان. ألسنة لهب بعض البشر هادئة بحيث لا تتأجج حين تهب الريح، بينما يمتلك آخرون ألسنة لهب وحشية تملأ الجو بالشرار. بعض ألسنة اللهب الغبية لا تحرق ولا تضيء، لكن ثمة أخرى تفيض بلهب الحياة بحيث أنك لا تستطيع أن تنظر إليها دون أن ترف عيناك، وإذا اقتربت منها تضيئك.   العنب والخمر على فراش الموت، تحدث رجل يعمل في الكروم في أذن مرسليا. قبل أن يموت كشف السر هامساً: "إن العنب مصنوع من الخمر." هذا ما روته لي مارسيلا بيريث-سيلبا، وبعدها فكرتُ: إذا كان العنب مصنوعاً من الخمر، فربما نكون الكلمات التي تروي من نحن. فن للأطفال كانت تجلس على كرسي مرتفع أمام صحن من الحساء على مستوى العين. أنفها مجعد، أسنانها محكمة الإغلاق، وذراعاها

EL TIEMPO ENTRE COSTURAS

رواية اسبانية بنكهة مغربية أصبحت رواية الأديبة الإسبانية ماريا دوينياس "الوقت بين ثنايا الغرز"، التي تدور أحداثها في مدينة طنجة المغربية، إلى ظاهرة حقيقية حيث حققت مبيعات تجاوزت المليون نسخة، كما ترجمت لعدة لغات بينها الإنجليزية والألمانية كما تحولت إلى مسلسل تليفزيوني ضخم، سوف يبدأ عرضه مطلع 2012. وامتد نجاح الرواية ليتجاوز حدود إسبانيا حيث من المقرر أن تظهر ترجمتها الإنجليزية في الولايات المتحدة في نوفمبر المقبل، وفي نفس الشهر سوف يتم تكريم المؤلفة، في معرض جوادالاخارا الدولي للكتاب في المكسيك. وفي تصريحات لوكالة (إفي) قالت الأديبة دوينياس "أنا سعيدة لكل هذا النجاح الذي حققته الرواية، لأنه يؤكد أنها تتناول أحداثا ذات طبيعة كونية. تدور أحداث الرواية حول سيرا كيروجا، مصممة أزياء شابة، تضطر لمغادرة مدريد، بحثا عن حبيب مجهول، إلى أن تعثر عليه في مدينة طنجة التي كانت واقعة في تلك الأثناء تحت الاحتلال الإسباني، ويحاولان الاستقرار هناك. ومرة أخرى تجد سيرا نفسها مضطرة للرحيل إلى تطوان، والتي كانت أيضا تحت الاحتلال الإسباني (1902-1956)، هربا من الديون والشعور بالو

ظننتُ أنّ أحداً لم يعد يقرأني

  قصة: خايمي بيلي * ترجمة عن الإسبانية :  غدير أبو سنينة   سيّارة أجرة تمرّ أمام جدارية في العاصمة البيروفية ليما، آذار/ مارس 2022  عند وصولي إلى مدينة الغبار والضباب (يقصد ليما)، أعلن أحد عناصر طاقم الطائرة عبر مُكبِّر الصوت، وبنبرة مُبتهجة، كأنّما ينقل لنا أخباراً طيّبة، أننا سنستخدم دَرَجاً قديماً للهبوط، وسنضطرّ لحمل أمتعتنا واستقلال الحافلة، لنمارس رقصة الكومبيا عند كلّ منعطف نمرّ به، حتى من دون وجود موسيقى في الخلفية: يا مرحباً بكم في الفوضى ! ما إن يصل المسافرون، حتى يسيروا بأقصى سرعة كأنهم يُشاركون في مسابقة رياضية، كأنّ هناك جائزةً تُمنح لمن يصل أوّلاً إلى مكتب ضابط الهجرة. والحقيقة أنّ أحداً لا يصل أوّلاً، إذ يُصادفهم طابور طويل عريض مُتعرّج، يزحف مثل أفعى تُحتضر. لا جوائز، الجميع معاقَب بسبب البطء المُستفزّ لمن ينفّذون القانون بلا مبالاة .  بعد اجتياز عدّة ضوابط صارمة، يستقبلنا السائق بحذَر ويقودنا إلى الشاحنة المُدرَّعة، ذات النوافذ المُظلَّلة، يعرفُني باقي السائقين، يُحيُّونني بصُراخهم، يتبعونني، الحمقى، يعرضون علي خدماتهم، ويطلبون منّي بقشيشاً. أبدو لهم شخصاً فا