التخطي إلى المحتوى الرئيسي

ترجمة رواية 'نيّة حسنة' لأندرياس باربا

دمشق ـ 'القدس العربي': يمازج الروائي أندرس باربا في مقتطفاته الروائية بين شخوص روايته عبر أربعة سيناريوهات، لتتقاطع هواجسها وأحلامها وحتى وجدانها في دائرة (النية الحسنة) التي تحكم انطباعاتها رغم ما يشوبها من تداعيات نفسية وفكرية تثقل حياتها وتوجّه مصائرها.
إذ بدت تلك الشخصيات قلقة ومتمردة على واقعها وما يحيط بحياتها، رافضة للنسيج الاعتيادي للحياة وما يفرزه من تفاصيل تسلب منها متعة التذوق الحقيقي لهذا العالم، لتولد تلك اللحظة الثورية، التي تفقدها السكينة وتصبو بها، بتراكمية تراتبية، إلى نقطة التحول والبحث عن الذات من جديد.
هذا الصراع الأزلي للبحث عن معنى السعادة يتجلى في أعمق نقطة من الذات البشرية، ويطرح أكثر الأسئلة استحالة، ويضعنا في مواجهة عبثية الوجود في لحظة تشبه تلك التي تسبق الموت، والتي تحفّز كل ما هو محسوس من الشعور بالذنب عما لم يحدث، والألم مما حدث، لنخضع ذاكرتنا للمساءلة القسرية فيما ارتكبت.
'بنوّة' هو أول السيناريوهات، وفيه تجتمع عائلة متقطعة الأوصال في هم واحد هو لملمة الذاكرة المتداعية على فراش الموت الذي يدرك الأم، الكثير من الصور، القليل من الحب، ليبقى السؤال وحيداً دون إجابة: هل وجد الحب أصلاً؟ وإن وجد لماذا فقدناه؟ لماذا لم نستطع القبض عليه؟.
في السيناريو الثاني 'وهن' يظهر كيان (سارا) تلك المراهقة التي تعدّت حدود الحساسية لتوسم شخصيتها بالغرابة إن لم نقل الشذوذ، يحاصرها إحساسها بالغربة والخذلان وعدم الانتماء فينبت في داخلها الحزن والغضب ويتكاثران ليحملاها على الهرب من جسدها أولاً ومن عدم جدوى حياتها ثانياً، لتخوض صراعها في البحث عن السلطة المفقودة، السيطرة، ذلك الهاجس الذي أغوى كيانها وأوصلها رغم صغر سنها إلى مصح نفسي لم يخلُ هو نفسه من تجربة خذلان أخرى.
'ليليّ' عنوان السيناريو الثالث ولعله الأكثر جدلاً، إذ يغوص في تفاصيل علاقة مثلية بين رجلين وما يتداعى عن تلك العلاقة من هواجس وصراعات، بين تقبل الآخر وما يرافق ذلك من تبعات نفسية وبين العودة إلى الفراغ والوحشة التي طالما تركت ندوباً عميقة في الوجدان، الخوف من الفقدان، الخوف من الوحدة، ليعود في نهاية المطاف إلى حصن عزلته،كما كان، وحيداً.
أما السيناريو الأخير 'ماراثون' تعكس أحداثه الصراع المحتمل، وربما المفتعل، الذي يدفعنا إلى المساومة على ما نملكه في سبيل حلم، أو ما يتعداه ليصبح هوساً يجيّر كل الصور والذكريات والأشخاص إلى هباء لا معنى له، كأنه بحث عن ولادة جديدة على أنقاض حمل الواقع الثقيل، لكنه يفضي، دون نيّة مسبقة، وبتواطؤ منا إلى تقويض مصائر الآخرين في سبيل استعادة السيطرة للوصول إلى ذلك الهدف، في بؤرة الفوز وفي منتهى الخسارة.
في وجدانيات اندرس باربا الروائية يتجلى هاجس البحث عن حقيقة السعادة التي تفضي غالباً إلى اكتشاف حقيقة كم نحن تعساء، كأنها شرط وجودي لإحكامنا السيطرة على أحلامنا التي هي في حقيقة الأمر لا تتعدى مخاوفنا من فقدانها.
ورقــــــــــــــــة تقنـــــــــــــــــــــــــية:
ـ اسم الرواية: نية حسنة
اسم المؤلف: اندرس باربا
اسم المترجمة: ناريمان الشاملي
عدد الصفحات: 244
القياس: 14.5*21.5
الناشر دار نينوى للدراسات والنشر والتوزيع- دمشق-2011


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

قصص قصيرة جدا

إدواردو غاليانو* ترجمة: أسامة أسبر العالم صعد رجل من بلدة نيغوا، الواقعة على الساحل الكولومبي، إلى السماء. حين عاد وصف رحلته، وروى كيف تأمل الحياة البشرية من مكان مرتفع. قال: نحن بحرٌ من ألسنةِ اللهب الصغيرة. أضاف: العالم كومةُ من البشر، بحر من ألسنة اللهب الصغيرة. كل شخص يشع بضوئه الخاص وليس هناك لسانا لهب متشابهان. ثمة ألسنة لهب كبيرة وأخرى صغيرة من جميع الألوان. ألسنة لهب بعض البشر هادئة بحيث لا تتأجج حين تهب الريح، بينما يمتلك آخرون ألسنة لهب وحشية تملأ الجو بالشرار. بعض ألسنة اللهب الغبية لا تحرق ولا تضيء، لكن ثمة أخرى تفيض بلهب الحياة بحيث أنك لا تستطيع أن تنظر إليها دون أن ترف عيناك، وإذا اقتربت منها تضيئك.   العنب والخمر على فراش الموت، تحدث رجل يعمل في الكروم في أذن مرسليا. قبل أن يموت كشف السر هامساً: "إن العنب مصنوع من الخمر." هذا ما روته لي مارسيلا بيريث-سيلبا، وبعدها فكرتُ: إذا كان العنب مصنوعاً من الخمر، فربما نكون الكلمات التي تروي من نحن. فن للأطفال كانت تجلس على كرسي مرتفع أمام صحن من الحساء على مستوى العين. أنفها مجعد، أسنانها محكمة الإغلاق، وذراعاها

EL TIEMPO ENTRE COSTURAS

رواية اسبانية بنكهة مغربية أصبحت رواية الأديبة الإسبانية ماريا دوينياس "الوقت بين ثنايا الغرز"، التي تدور أحداثها في مدينة طنجة المغربية، إلى ظاهرة حقيقية حيث حققت مبيعات تجاوزت المليون نسخة، كما ترجمت لعدة لغات بينها الإنجليزية والألمانية كما تحولت إلى مسلسل تليفزيوني ضخم، سوف يبدأ عرضه مطلع 2012. وامتد نجاح الرواية ليتجاوز حدود إسبانيا حيث من المقرر أن تظهر ترجمتها الإنجليزية في الولايات المتحدة في نوفمبر المقبل، وفي نفس الشهر سوف يتم تكريم المؤلفة، في معرض جوادالاخارا الدولي للكتاب في المكسيك. وفي تصريحات لوكالة (إفي) قالت الأديبة دوينياس "أنا سعيدة لكل هذا النجاح الذي حققته الرواية، لأنه يؤكد أنها تتناول أحداثا ذات طبيعة كونية. تدور أحداث الرواية حول سيرا كيروجا، مصممة أزياء شابة، تضطر لمغادرة مدريد، بحثا عن حبيب مجهول، إلى أن تعثر عليه في مدينة طنجة التي كانت واقعة في تلك الأثناء تحت الاحتلال الإسباني، ويحاولان الاستقرار هناك. ومرة أخرى تجد سيرا نفسها مضطرة للرحيل إلى تطوان، والتي كانت أيضا تحت الاحتلال الإسباني (1902-1956)، هربا من الديون والشعور بالو

ظننتُ أنّ أحداً لم يعد يقرأني

  قصة: خايمي بيلي * ترجمة عن الإسبانية :  غدير أبو سنينة   سيّارة أجرة تمرّ أمام جدارية في العاصمة البيروفية ليما، آذار/ مارس 2022  عند وصولي إلى مدينة الغبار والضباب (يقصد ليما)، أعلن أحد عناصر طاقم الطائرة عبر مُكبِّر الصوت، وبنبرة مُبتهجة، كأنّما ينقل لنا أخباراً طيّبة، أننا سنستخدم دَرَجاً قديماً للهبوط، وسنضطرّ لحمل أمتعتنا واستقلال الحافلة، لنمارس رقصة الكومبيا عند كلّ منعطف نمرّ به، حتى من دون وجود موسيقى في الخلفية: يا مرحباً بكم في الفوضى ! ما إن يصل المسافرون، حتى يسيروا بأقصى سرعة كأنهم يُشاركون في مسابقة رياضية، كأنّ هناك جائزةً تُمنح لمن يصل أوّلاً إلى مكتب ضابط الهجرة. والحقيقة أنّ أحداً لا يصل أوّلاً، إذ يُصادفهم طابور طويل عريض مُتعرّج، يزحف مثل أفعى تُحتضر. لا جوائز، الجميع معاقَب بسبب البطء المُستفزّ لمن ينفّذون القانون بلا مبالاة .  بعد اجتياز عدّة ضوابط صارمة، يستقبلنا السائق بحذَر ويقودنا إلى الشاحنة المُدرَّعة، ذات النوافذ المُظلَّلة، يعرفُني باقي السائقين، يُحيُّونني بصُراخهم، يتبعونني، الحمقى، يعرضون علي خدماتهم، ويطلبون منّي بقشيشاً. أبدو لهم شخصاً فا