التخطي إلى المحتوى الرئيسي

في النقد الترجمي: فضيحة الخضار والفواكه

زيد الرفاعي


هذه المقالة القصيرة هدفها التعرض سريعا لبعض الإشكاليات في الترجمة من اللغات الأُخرى إلى العربية، وعلى وجه الخصوص أهلية المترجمين لنقل النصوص الأجنبية ومدى قدرتهم على التعبير باللغة الأم، التي هي العربية. بمعنى آخر، تسعى هذه المقالة وبعجالة لتبيان ضعف الموارد اللغوية التي في متناول المترجمين مع سعتها في لغتهم. ومثل هذه الممارسات تُولد انطباعا، عند غير الواعين لغوياً، أن العربية تتقاصر في أداء عملية الترجمة التي تعني، بأبسط صورها، "التعبير بدقة وبصورة كاملة، عبر وسائل لغةٍ ما، عما عبرتْ عنه لغةٌ أُخرى بوسائلها اللغوية في إطار وحدة المضمون والشكل"1
وتأسيساً على ذلكَ، لن نتطرق للجوانب النظرية للترجمة، وما أكثرها، ولا عن أهميتها كذلك. غير أننا نجد من المفيد التأكيد على أن الترجمة ببساطة هي دائما وفي المقام الأول عملية لغوية وإن علم اللغة هو القاسم المشترك والأساس لكل العمليات الترجمية؛ فضلا عن كونها عملية إبداعية: فن ذي أُصول علمية2. كانت الترجمة سبباً في دخول كثير من التراكيب الغريبة والأجنبية للعربية3. وبشكل عام، عبر الترجمة تمر سلع مهربة كثيرة، كما يقول جورج مونان4.
بينما كنتُ أقرأ الترجمة العربية لرواية إسابيل أيّندي ابنة الحظ في القسم الثاني: فصل الوداع، استوقفني التعبير التالي "فضيحة الخضار والفواكه". وأدركتُ أن ثمة اشكالية دلالية في الأمر، وهو ما تسعى هذه المقالة القصيرة لتوضيحه. سأتناول ترجمة كل من رفعت عطفة وصالح علماني؛ وهما الترجمتان الشائعتان ولا أعلم إن كانت ترجمة أُخرى لغيرهما. وسأُورد النص بتمامه لكلتيّ الترجمتيّن، فضلاً عن النص الإسباني والترجمة الإنجليزية من أجل تبيين الفكرة بجلاء مستعينا ً بالسياق اللغوي لأهميته في هذه العملية. وبالسياق اللغوي، أعني المفردات والجمل الموجودة ما قبل "العبارة التي نناقشها" وكذلك ما بعدها من مفردات وجمل. والمقالة عبارة عن جملة ملاحظات مكونة من ثلاث نقاط تتناولها بعجالة ودونما تفصيل عميق.
1 – فضيحة الخضار والفواكه
 في الصفحة 138 من ترجمة رفعت عطفة، نقرأ التالي:
 "ألقت نظرة حولها فرأت فضيحة الخضار والفواكه في ذلك الصيف الكريم؛ وهي من الوفرة بحيث لا يمكن بيعها فالخضار تنمو في فضاءات البيوت والاشجار تتكسر تحت حملها من الثمار، وبالتالي قليلون هم المستعدون لدفع ثمن ما يأخذونه مجانا. "
 أما ترجمة صالح علماني فهي في الصفحة 158:
 " ألقت نظرة فيما حولها فرأت فضيحة الخضار والفواكه في ذلك الصيف السخي. لقد كانت هناك كميات كبيرة لا يمكن بيعها. فالخضار تنمو في باحات البيوت والاشجار تتكسر تحت ثقل الثمار؛ وقلة هم المستعدون لدفع ثمن ما يمكنهم الحصول عليه مجانا."
الترجمتان تقريبا متشابهتان؛ غير أنهما (المترجمان) لم يدركا معنى لفظة (el escándalo) في التركيب "فضيحة الخضار والفواكه". بمعنى آخر، أخفقا في إدراك البعد الدلالي للمفردة (el escándalo) الإسبانية وجاءت ترجماتهما نقلا حرفيا للمعنى القاموسي الاول لها وبذلك شوَّها معنى العبارة فخرجت عن سياقها. المعنى القاموسي للفظة هو الفضيحة ومشتقاتها؛ غير أن السياق اللغوي هنا لا يدل على ذلك. فلا بد إذن من معنى آخر تحمله لفظة (el escándalo) الإسبانية. من معانيها الثانوية الفرعية هو الآتي: التعجب بمعنى الدهشة، الصدمة، الدلالة على غلاء الأسعار فضلا عن رخصها، إضافة الى معاني أُخرى. وهنا بيت القصيد، إذ المعنى حسبما ورد في النص الإسباني مرتبط بالمفاهيم الأخيرة ومشتق منها. نحن نقول في العربية (في التعبير العراقي): الأسعار نار! فماذا يعني هذا؟ ألا يعني أن الأسعار مرتفعة؛ أو نقول أحياناً: الأسعار غير معقولة أو نظائرها، وهو يعني أما مرتفعة أو منخفضة جدًّا وهنا يأتي دور سياق الحال في توضيح أيا منهما. بتعبير آخر، نغمة الصوت: ارتفاعًا وانخفاضا، تقاسيم الوجه وغيرها.
القراءة الدلالية للمفردة الاسبانية داخل النص تدّلْ على الإنتاج الوفير لمحصولي الخضار والفواكه، بمعنى الاتساع والانتشار وهو ما توحيه لفظة "الفضيحة" الإسبانية من حيث الانتشار. والمعروف عند المشتغلين بالأمور المعجمية أن اللفظة لها معنى رئيسي يأتي في بداية التعريف القاموسي له ثم تتشقق منه المعاني الأخرى، إن كانت ذات صلة بالمعنى الأول أو لم تكن. وهذه المسألة ليست محل مناقشتنا هنا.
وكما ذكرت فالسياق اللغوي (تراكيب كاملة على مستوى العبارات-أي جمل-وليست مجرد ألفاظ معينة، كلها تأتي مباشرة بعد اللفظة محل الدراسة) الواضح وضوح الشمس في رابعة النهار يدل على ما ذهبنا إليه وهو ما وضعتُ تحته خط في كلتيّ الترجمتيّن ولا حاجة لإعادته بنصه.
الأمر الآخر وله صله بما عرضتهُ في أعلاه هو أن الفعلين " ألقت نظرةً فرأت" يحتملان الرؤية علمية أكثر من البصرية، وسندنا في هذه الدعوى هو المقام أيضاً. فبخصوص الأولى يتوجب النظر الى العبارات الواردة قبل النص محل الدراسة وأما الثانية فالنص المدروس دليلها؛ ولست بوارد الإطالة هنا، وإنما وددت التلميح له.
مما يعزز وجهة النظر التي قلنا بها أن المترجم الانجليزي لم ينقل لفظة (el escándalo) الإسبانية إلى مرادفتها الانجليزية (scandal) بمعنى الفضيحة، وكان ذلك عليه أيسر وأسهل وهي من الألفاظ المعروفة بال (cognates) المشتركة في الاصل من جهة تأثليها لأنها مشتقة في كلتيهما من اللغة اللاتينية وهي مصدر كثير من المفردات في الانجليزية ولا حاجة أيضا لإيراد الأمثلة التي يمكن مراجعتها في أي معجم متخصص في التأثيل (etymology) لمن أراد التعمق في الأمر.
ولهذا كان المترجم الإنجليزي أكثر وعيا لغويا فأتى بلفظة (riot) لتدل تماما على لفظة (el escándalo) في هذا المقام على وجه الخصوص. فمن معاني لفظة (riot) هو النمو المفرط للنبات، وانتشاره كانتشار الأدغال.
وأطرح ترجمة بديلة لكل النص المدروس يقترب من أسلوب العربية، حسبما أظن، والحكم متروك لفطنة القارئ اللبيب. وأرفقه بالنصيّن الأصلي(الإسباني) والإنجليزي.
النص العربي البديل
نظرتْ [أي تمعنت فيما حولها] حولها وعَلِمَتْ بفائض انتاج فواكه وخضروات ذلك الصيف السخي؛ إذ أصاب سوقها الكساد بسبب وفرتها. فالخضروات غزتْ حتى باحات البيوت أما الاشجار فقد انحنتْ أغصانها وتدلتْ من كثرة ما تحمله من ثمار. وقلةٌ من الناس كانت مستعدةً لأن تشتري ما بإمكانها الحصول عليه مجانا.
النص الإسباني:
Echó una mirada a su alrededor y vio el escándalo de verduras y frutas de aquel verano generoso. Tanta había, que no se podía vender. Las hortalizas crecían en los patios y los árboles se quebraban bajo el peso de la fruta; pocos estaba dispuestos a pagar por lo que conseguían gratis.
النص الإنجليزي:
She took a good look around and saw the riot of vegetables and fruits of that generous summer. There was more than could be sold. Vegetables were growing in every patio and trees were bowed beneath the weight of their fruit; few people were inclined to pay for what they could have for free.
بقي أمر آخر وددتُ إدراجه بعجالة وإن لم يكن وثيق الصلة بما طرحته في أعلاه، لكنه متعلق ايضاً بالفهم الدلالي للمفردات وكيفية نقلها للعربية؛ وقد ورد في افتتاحية الرواية.
2 -افتتاحية الرواية
هنا نجد أن الترجمة الإنجليزية تنجح في نقل المعنى بيسر وسهولة؛ ولست هنا في مجال دراسة مقارنة إطلاقا، إنما هي ملاحظات عابرة ليس إلا كما قُلتُ آنفاً.
Todo el mundo nace con algún talento especial 
Everyone is born with some special talent
أما الترجمة العربية فيسودها الغموض بل لنقل عدم الدقة. فرفعت عطفة في ص7 ينقلها كالاتي: " كل العالم يولد وعنده فطنة ما خاصة." وهو نقل حرفي كما ترى لأن المفردة الإسبانية تعني "كل فرد"، أم لفظة "كل العالم" فهي ترجمة غير موفقة بسبب النقل الحرفي جداً الذي أفقدها دلالتها الأصلية فضلاً عن قلة شحنتها الأدبية. ويزيد صالح علماني الغموض فيأتي بلفظة "الجميع" وكأنه يحيل إحالة سبقية (anaphoric) إلى مفردةٍ أو نصٍ تقدم ذكرهما. وتمام عبارة صالح علماني في صفحة 9 هي الاتي: "الجميع يولودون مزودين بموهبة ما". تأمل مفردة "مزودين" مثلا: هل فيها شحنة أدبية؟
وسبب ذكري لها هو أن افتتاحية أي نصّ مهمةٌ جدا لكونها نقطة الانطلاق في توجيه فضلاً عن تَكَشُفْ (unfolding) معنى ما يطرحه الكاتب لاحقا. وفي كلتيّهما، لا بداية الجملة ولا لفظة "فطنة" أو "موهبة" أفلحتا في نقل المراد. حقيقة الأمر، لا يُولدْ كل فرد وله موهبه ما. فإن كان الأمر كذلك، فكل منا إذن يحمل موهبة وهو خلاف الواقع. إن المراد من لفظة (talento) التي استخدم المترجم الإنجليزي نسيبتها وقرينتها اللغوية (talent) هو المَلَكَة والإمكانية والقابلية. والجملة إجمالاً عند كليّهما أقرب الى الإنشاء الصحفي منه الى اللغة الأدبية.
وأقترح ترجمة بديلة تتفق وروح العربية في التعبير:
 كل مولود يبصر النور ومعه مَلَكَه معينة تميزه عن الآخرين. وهي تعني عند القارئ اللبيب أن كل مولود يُولد حاملاً معه [أو تُولد معه] مَلَكَه من نوع ما ينفرد بها عن الأخرين.
3-رسم اللفظ الإسباني
وهو يشير لكيفية رسم الكلمة الإسبانية بالعربية. في بداية الفصل الأول، كلاهما كتبا اللفظ كالآتي: بالبارايسو، علماً أنه يبتدأ بحرف (v). كان عليهما توضيح ذلك بالهامش لأن حرف الباء بالإسبانية له رسمان، أحدهما المشار اليه ويسمى الباء القصيرة او باء البقرة لأن كلمة بقرة تبدأ به (vaca) ومنه اشتقت كلمة اللقاح (vaccination) ذات الجذر اللاتيني الواضح؛ والأخرى هي الباء الطويلة وتسمى باء الحمار (burro). فعند حصول إشكال خاصةً في بداية الكلام، يُسأل هل الباء هي باء البقرة أم باء الحمار. وقد يستغرب القارئ ما علاقة هذا بالموضوع؟ أُجيب أن المترجميّن لم يستمرا بهذا المنهج عند تعريبهما لاسم المؤلفة ولا اسم بطلة الرواية. فكما هو معلوم أن المؤلفة شيلية (من شيلي) وفي شيلي تلفظ الحروف (z,s,c) وتنطق بالسين جميعاً. لذلك، توجب عليّهما التنبه لهذا الأمر ولهذا تعمدتُ كتابة إيسابيل أيّندي ولتقريبه من العربية أكثر قلتُ أيندي (فحرف اللام المضعّف، وهو حرف مستقل، يُلفظ ياءً وليس لاماً) وليس إزابل أو إيثابل اللندي. وكذا الحال مع اسم البطلة: أليسا. هذه أمور بسيطة غير أنها، من الناحية الاكاديمية، ضروري ذكرها.
في الختام، نرى أن الخضار والفواكه بريئتان جداً من الفضيحة التي رموهما بها!!!!!. وإذا كان المترجم غير قادر على فهم الدلالة، فما جدوى ترجمته إذن!!!. أليس وظيفة الترجمة هي التفسير، فإن لم يكن القائم بالتفسير على علم بمادته، فكيف يستطيع إذن نقل ذلك للقارئ. وهذه الإشكالية هي غيضٌ من فيض مشاكل التعبير بالعربية عند الجَمْ الغفير من المترجمين والذنب ليس ذنب اللغة بل مستخدم اللغة الذي لا يجيدها ولا يُحسن الأداء بها. فتجد الأعم الأغلب من الترجمات مكتوبة بأبجدية عربية لكن تراكيبها "كايميرية chimera" وهو أمر غريب ومخيف لا تجد له نظيراً إلا عند مستخدمي لغة الضاد وأصبح من الأمراض "المتوطنة" التي لا سبيل لاستئصالها.
.....................
الهوامش:
  1-نظرية فيدوروف في الترجمة. ترجمة زيد شهاب العامري عن الإسبانية. موجود على الشبكة.
  2-المرجع السابق.
3-الترجمة العلمية: مقاربة لغوية. زيد شهاب العامري. بحث قُدم في مؤتمر الترجمة والاتصال الجماهيري. جامعة تشرين السورية 25-29، حزيران 2006. موجود على الشبكة.
4-المرجع السابق. ولقد أشار الأستاذ الدكتور يوئيل يوسف عزيز مبكراً، في اطروحته للدكتوراه عام 1967، لتأثير الروائيين العرب في نقل تراكيب اللغات الأجنبية، وعلى وجه الخصوص الانجليزية، للغة العربية. وهنا تجدر الإشارة إلى أن ما يسمى بالعربية المعاصرة، باعتبارها صنفا لغويا، تبتعدُ كثيرا عن اللغة العربية في عصورها المختلفة. ويُطلق خطأً على ذلك بالتطور اللغوي وحقيقة الأمر هو تغيّر لغوي والذي يحمل في طياته في أغلب الأحايين الهبوط وليس الصعود في استعمال اللغة.
5-
https://www.collinsdictionary.com/dictionary/spanish-english/esc%C3%A1ndalo
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

قصص قصيرة جدا

إدواردو غاليانو* ترجمة: أسامة أسبر العالم صعد رجل من بلدة نيغوا، الواقعة على الساحل الكولومبي، إلى السماء. حين عاد وصف رحلته، وروى كيف تأمل الحياة البشرية من مكان مرتفع. قال: نحن بحرٌ من ألسنةِ اللهب الصغيرة. أضاف: العالم كومةُ من البشر، بحر من ألسنة اللهب الصغيرة. كل شخص يشع بضوئه الخاص وليس هناك لسانا لهب متشابهان. ثمة ألسنة لهب كبيرة وأخرى صغيرة من جميع الألوان. ألسنة لهب بعض البشر هادئة بحيث لا تتأجج حين تهب الريح، بينما يمتلك آخرون ألسنة لهب وحشية تملأ الجو بالشرار. بعض ألسنة اللهب الغبية لا تحرق ولا تضيء، لكن ثمة أخرى تفيض بلهب الحياة بحيث أنك لا تستطيع أن تنظر إليها دون أن ترف عيناك، وإذا اقتربت منها تضيئك.   العنب والخمر على فراش الموت، تحدث رجل يعمل في الكروم في أذن مرسليا. قبل أن يموت كشف السر هامساً: "إن العنب مصنوع من الخمر." هذا ما روته لي مارسيلا بيريث-سيلبا، وبعدها فكرتُ: إذا كان العنب مصنوعاً من الخمر، فربما نكون الكلمات التي تروي من نحن. فن للأطفال كانت تجلس على كرسي مرتفع أمام صحن من الحساء على مستوى العين. أنفها مجعد، أسنانها محكمة الإغلاق، وذراعاها

EL TIEMPO ENTRE COSTURAS

رواية اسبانية بنكهة مغربية أصبحت رواية الأديبة الإسبانية ماريا دوينياس "الوقت بين ثنايا الغرز"، التي تدور أحداثها في مدينة طنجة المغربية، إلى ظاهرة حقيقية حيث حققت مبيعات تجاوزت المليون نسخة، كما ترجمت لعدة لغات بينها الإنجليزية والألمانية كما تحولت إلى مسلسل تليفزيوني ضخم، سوف يبدأ عرضه مطلع 2012. وامتد نجاح الرواية ليتجاوز حدود إسبانيا حيث من المقرر أن تظهر ترجمتها الإنجليزية في الولايات المتحدة في نوفمبر المقبل، وفي نفس الشهر سوف يتم تكريم المؤلفة، في معرض جوادالاخارا الدولي للكتاب في المكسيك. وفي تصريحات لوكالة (إفي) قالت الأديبة دوينياس "أنا سعيدة لكل هذا النجاح الذي حققته الرواية، لأنه يؤكد أنها تتناول أحداثا ذات طبيعة كونية. تدور أحداث الرواية حول سيرا كيروجا، مصممة أزياء شابة، تضطر لمغادرة مدريد، بحثا عن حبيب مجهول، إلى أن تعثر عليه في مدينة طنجة التي كانت واقعة في تلك الأثناء تحت الاحتلال الإسباني، ويحاولان الاستقرار هناك. ومرة أخرى تجد سيرا نفسها مضطرة للرحيل إلى تطوان، والتي كانت أيضا تحت الاحتلال الإسباني (1902-1956)، هربا من الديون والشعور بالو

ظننتُ أنّ أحداً لم يعد يقرأني

  قصة: خايمي بيلي * ترجمة عن الإسبانية :  غدير أبو سنينة   سيّارة أجرة تمرّ أمام جدارية في العاصمة البيروفية ليما، آذار/ مارس 2022  عند وصولي إلى مدينة الغبار والضباب (يقصد ليما)، أعلن أحد عناصر طاقم الطائرة عبر مُكبِّر الصوت، وبنبرة مُبتهجة، كأنّما ينقل لنا أخباراً طيّبة، أننا سنستخدم دَرَجاً قديماً للهبوط، وسنضطرّ لحمل أمتعتنا واستقلال الحافلة، لنمارس رقصة الكومبيا عند كلّ منعطف نمرّ به، حتى من دون وجود موسيقى في الخلفية: يا مرحباً بكم في الفوضى ! ما إن يصل المسافرون، حتى يسيروا بأقصى سرعة كأنهم يُشاركون في مسابقة رياضية، كأنّ هناك جائزةً تُمنح لمن يصل أوّلاً إلى مكتب ضابط الهجرة. والحقيقة أنّ أحداً لا يصل أوّلاً، إذ يُصادفهم طابور طويل عريض مُتعرّج، يزحف مثل أفعى تُحتضر. لا جوائز، الجميع معاقَب بسبب البطء المُستفزّ لمن ينفّذون القانون بلا مبالاة .  بعد اجتياز عدّة ضوابط صارمة، يستقبلنا السائق بحذَر ويقودنا إلى الشاحنة المُدرَّعة، ذات النوافذ المُظلَّلة، يعرفُني باقي السائقين، يُحيُّونني بصُراخهم، يتبعونني، الحمقى، يعرضون علي خدماتهم، ويطلبون منّي بقشيشاً. أبدو لهم شخصاً فا