هل حالتي مستعصية يا دكتور؟*
قصّة: خوان خوسيه مِيّاس (إسبانيا)
ترجمة: أحمد عبد اللطيف (مصر)
في شبابي، شاركتُ فتاة في شقّة،
وأوّل ما قالته لي إنّ غسل الأواني يُنهكها، وبالتّالي باتتْ هذه مهمّتي. بدا لي
ذلك في البداية ثقيلاً، أعتقد لأنّي كنتُ أصِرّ على الانتهاء سريعًا، لكن بعد ذلك
بات يروق لي، فكنت أغسل في السّاعة نفس عدد الأطباق التي يغسلها فرد عادي في نصف
ساعة. أكثر ما كان يروق لي في هذا النّشاط أنّه كان يحفّزني ذهنيًّا في تلك
الأثناء. وخلال عشر دقائق من تنظيف طاسة من الألومنيوم، كانت الخلايا العصبيّة
تتصالح فيما بينها، وكنت أحلّ مشكلات كانت تستغرق على منضدة العمل أيّامًا. كان
الدّعك يساعدني على الدّخول في حالة تركيز نادرة كنت أستفيد منها فوائد لا تصدّق.
مع ذلك، كان يسيء رفيقتي أنْ تراني مستمتعًا بهذه الطّريقة، ثمّ بدأتْ تُفكّر أنْ
تقتسم الشّقة مع شخص منحرف.
-لكن لماذا لا تعترض حين يأتي
دورك في غسل الأطباق؟
-لأنّه يروق لي.
-لا تمزح. كيف سيروق لك؟
-بالفعل. جريان الماء ورؤية كيف
يحمل وساخة الطاسات ويمرّ من المصرف يجعلني أتعمّق في نوع من النّشوة يساعدني على
التّأمل في الوجود.
فكّرتْ في البداية أنّي أسخر
منها، ثمّ فكّرتْ أنّي منحرف. وحين كنّا ندعو ضيوفًا وتراني أنهض بعد الأكل لأنظّف
المطبخ، كنت أسمعها تغتابني. وذات مرّة دعتْ أمّها، وبعد أنْ رمقتني من أعلى إلى
أسفل سألتني إنْ كنتُ أنا من يروقُ لهُ غسل الأواني.
-أنا واحد منهم. أجبتها بشعور
من ينتمي إلى طائفة سرّيّة من غاسلي الأطباق الموزّعين في العالم.
في اليوم التّالي، هجرت الفتاة
الشّقة من دون وداعي، واضطررتُ لوضع إعلان في لوحة إعلانات الكليّة، إذ لمْ يكن في
وسعي تحمّل الإيجار وحدي. دائمًا ما فضّلت الحياة مع نساء أكثر من رجال، وبالتّالي
طلبتُ رفيقة. وجاءتني طالبة بالطّب كانتْ أكثر ما تكرهه نشر الغسيل مهما كان. وأنا
لم أفعل ذلك قطّ، لكن بعد أسابيع قليلة بدأ يروق لي وكنت أرغب بلهفة في العثور على
شيء مبلول لأنشره على الحبال. لكن الحقيقة أيضًا أنّ لدينا ممرًّا داخليًّا مُلهما
جدًّا، وكان يُثير شغفي تخيّل الحيوات التي تجري على الجانب الآخر من النّوافذ
التي أراها من خلال نافذتنا. وبعد قليل، كنت أقضي حياتي وأنا أنشر، وبدأت رفيقتي
ترتاب في أنّها وقعت مع مُتلصّص أو سايكوباتي، وهكذا رحلتْ واضطررتُ لوضع إعلان
آخر وبفضله تعلّمت الطّبخ، وهكذا بشكل متتابع.
بشكل جلّي، لديّ قدرة غريبة على
حبّ ما أضطرّ لفعله جبرًا. وهذا ما أكسبني شهرة حشرة غريبة بين معارفي. وهذا أيضًا
يروق لي، وأزرعه بنفس طريقة نشر الغسيل أو غسل الأطباق. هل حالتي مستعصيّة يا
دكتور؟
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*النص مأخوذ من المجموعة القصصية "الأشياء تُنادينا"،
ترجمة أحمد عبد اللطيف. سلسلة إبداعات عالمية الصادرة عن المجلس الوطني للثقافة
والفنون والآداب بدولة الكويت. العدد 425 يونيو 2018.
خاص بالمدونة
تعليقات
إرسال تعليق