التخطي إلى المحتوى الرئيسي

مفكرة المترجم: مع أماني فوزي حبشي

أماني فوزي حبشي: مترجمة مصرية من مواليد القاهرة عام 1968، وتقيم حالياً في المملكة المتحدة. من ترجماتها: "بندول فوكو" لأومبرتو إيكو، وثلاثية "الفسكونت المشطور" و"البارون ساكن الأشجار" و"فارس بلا وجود" لـ إيتالو كالفينو، و"العبودية في العصر الحديث" لـ باتريسيا ديلبيانو، و"سبارتاكوس" لـ آلدو سكافونه، و"القبعة ذات الأجراس" للوجي بيرانديللو، و"صوت منفرد" لسوزانا تامارو.

كيف بدأت حكايتك مع الترجمة؟
- بدأت بدراستي الجامعية للغة الإيطالية، وتطوّرت علاقتي بالترجمة عندما شعرت بأنني أريد أن أشارك أصدقائي ما أقرأه وأستمتع به. كانت رواية "الفسكونت المشطور" لإيتالو كالفينو أول ترجماتي في الإطار الأكاديمي، حيث كانت جزءاً من رسالتي البحثية للحصول على درجة الماجستير في الترجمة، وكان عملاً صعباً كما هو الحال مع أول ترجمة، ولكنني تعلمت منه الكثير، وبعد "الفسكونت المشطور"، كان أول اختيار شخصيّ لي رواية "اذهب حيث يقودك قلبك" لسوزانا تامارو وقد ترجمتها لتقرأها معي صديقاتي.

ما هي آخر ترجماتك المنشورة، وماذا تترجمين الآن؟
- آخر عمل نُشر لي هو "صوت منفرد" لسوزانا تامارو، وقبلها بقليل صدرت ترجمتي لكتاب تاريخي بعنوان "سبارتاكوس.. السلاح والإنسان". هناك عدة أعمال ترجمتها وما زالت قيد النشر. وحالياً أترجم رواية جديدة لسوزانا تامارو.

ما هي، برأيك، أبرز العقبات في وجه المترجم العربي؟
- شخصياً، أكثر العقبات التي قابلتني وتقابلني حتى اليوم هي عملية التواصل مع بعض دور النشر، فكثيراً ما أعاني من انعدام التواصل مع الناشرين بعد تسليم الترجمة، فلا أعلم متى ستصلني النسخة النهائية للمراجعة الأخيرة، هذا إذا وصلت، أو متى ستُنشر الترجمة، أو حتى ميعاد وصول المستحقات المالية. إضافة لوجود مشكلة التوزيع لدى بعض المؤسسات ومشاريع الترجمة.

هناك قول إن المترجم العربي لا يعترف بدور المحرِّر، هل ثمة من يحرّر ترجماتك بعد الانتهاء منها؟ 
- في الحقيقة، لم تكن لدي خبرة مع محرّرين في المؤسسات التي عملتُ معها، فلا وجود فعلي للمحرّر في مؤسسات النشر، حيث تعتمد غالباً على المراجع اللغوي، أو مراجع اللغة الأجنبية، ولكن دور المحرّر للترجمة دور مختلف، وكانت لدي خبرة إيجابية في ترجمتي لرواية "أصوات المساء" التي قمت بها لـ "دار الكرمة"، وكانت بالنسبة لي مثل الحوار مع قارئي الأول. مشكلة المترجم أحياناً أنه يكون قد تشبع بفهم النص، فلا يرى في بعض الأحيان غموض بعض العبارات. ولكن كانت تلك المناقشات مثمرة انتهت باختيار ما هو أفضل للنص، وبالتالي للقارئ.

كيف هي علاقتك مع الناشر، ولا سيما في مسألة اختيار العناوين المترجمة؟
- أحياناً، أتقدم أنا باقتراح العناوين، أختارها وأقدّم نبذة عنها، وفي أحيان أخرى تُعرض عليّ عناوين مُحددة من دور النشر لترجمتها. ويحدث أن يطلب الناشر ترجمة كاتب معين ويترك لي تحديد العمل المترجم، فيكون اختيار العناوين المترجمة اختياري أيضاً في النهاية.

هل هناك اعتبارات سياسية لاختيارك للأعمال التي تترجمينها، وإلى أي درجة تتوقفين عند الطرح السياسي للمادة المترجمة أو لمواقف الكاتب السياسية؟
- عادة لا أرفض ترجمة الآراء التي أختلف معها إذا كانت معرفتها ستفيد القارئ. فليس هدف الترجمة الترويج لفكر معيّن ولا الرقابة على الأفكار ولكن نقل أفكار وطرحها، ليتمكن القارئ من تكوين وجهة نظره الخاصة. وفي كل الأحوال إذا أراد المترجم التعبير عن رأيه الخاص في الطرح المُتناول فيمكنه أن يكتب مقدمة للترجمة، ويحدث هذا عادة بالاتفاق مع دار النشر.

كيف هي علاقتك مع الكاتب الذي تترجمين له؟
- عادة تكون العلاقة مع المكتوب. مرات قليلة تراسلت مع الكاتب، سواء بشأن الحقوق أو كما حدث مع الكاتب الإيطالي ماوريتسيو مادجاني أجاب عن أسئلة خاصة برواية كنت قد ترجمتها له، ونُشر الحوار وقتها في جريدة "أخبار الأدب".

كثيراً ما يكون المترجم العربي كاتباً، صاحب إنتاج أو صاحب أسلوب في ترجمته، كيف هي العلاقة بين الكاتب والمترجم في داخلك؟ 
- أحاول أن أنحّي أي أسلوب خاص بي في سبيل الحفاظ على أسلوب المؤلف، لأنني أجد في ذلك نوعاً من الإخلاص للمؤلف وللقارئ، ولكن هذا لا يمنع أن لكل مترجم مفرداته الخاصة.

كيف تنظرين إلى جوائز الترجمة العربية على قلّتها؟
- أعتقد أنها لفتة جميلة تقوم بها المؤسسات للتشجيع على الترجمة. أتمنى في المستقبل أن يطلب منظموها من المترجمين النسخ الإلكترونية (بي دي أف) لأعمالهم وليس إرسال نسخ ورقية، حيث يجد العديد منهم الصعوبة في الحصول على نسخ من الكتاب الأصلي وكتبهم نفسها وإرسالها إلى جهة بعيدة. ربما سيشجع هذا عددا أكبر من المترجمين على المشاركة.

الترجمة عربياً في الغالب مشاريع مترجمين أفراد، كيف تنظرين إلى مشاريع الترجمة المؤسساتية وما الذي ينقصها برأيك؟
- كما سبق وذكرت، ربما نحتاج خطة ترجمة واضحة، لأن ما لاحظته في العمل مع بعض المؤسسات هو أنها تعتمد على ترشيحات الأفراد للأعمال، وليس لديها لجنة استشارية خاصة باللغة المراد الترجمة عنها تضع لها قائمة أعمال، وأسباب أهمية ترجمة تلك الأعمال. وأيضاً نحن في حاجة إلى خطة توزيع، ودعاية كافية للأعمال المترجمة.

ما هي المبادئ أو القواعد التي تسيرين وفقها كمترجمة، وهل لك عادات معينة في الترجمة؟
- في البداية هناك مرحلة قراءة النص كله، ثم قراءة ما كُتب عن النص والمؤلف. وإذا كان الكتاب تاريخياً مثلاً، أحاول قراءة ما كُتب عن تلك الحقبة التاريخية باللغة العربية أولاً. أبدأ بنص كمسودة، ثم أعيد مراجعة النص مرة أخرى وإجراء التعديلات المطلوبة، ثم عند الانتهاء أترك النص بضعة أيام لأعود وأقرأه من جديد، وتعديله قبل تسليمه.

كتاب أو نص ندمت على ترجمته ولماذا؟
- لا أتذكر أنني ندمت على اختيار ترجمة معيّنة، ولكن ربما على النتيجة، حيث إنني ترجمت أشياء تمنّيت لو كنت ترجمتها بطريقة مختلفة أو بطريقة أفضل. ولكن كلها خبرات يتعلم منها المرء في النهاية. وأعتقد أن المترجم سيجد دائماً ما يغيّره في ترجمته عندما يقرأها بعد فترة.

ما الذي تتمنّينه للترجمة إلى اللغة العربية وما هو حلمك كمترجمة؟ 
- أتمنى أن يثق الناس في الترجمات إلى اللغة العربية كما يثقون في الترجمات إلى اللغة الإنكليزية، على الرغم من أنها أحياناً تكون غير دقيقة، ولكن، لسبب ما، وربما لحرص دور النشر على أن يخرج الكتاب في أبهى صوره يتخيّل القارئ أنها أفضل ترجمة يمكن أن يحصل عليها من لغة أجنبية. أتمنى أن يحرص ناشرو الترجمات العربية على إخراج النصوص وتحريرها بصورة جيدة. أما حلمي كمترجمة فأن أترجم نصوصاً تزيد من الوعي الإنساني لدى القراء، تدفعهم إلى التساؤل ومراجعة الأحكام المُسبقة والأفكار التي تحيط بهم، لينظروا إلى الواقع والفئات المهمشة والمنبوذة حولهم بصورة مختلفة، ربما أكثر إنسانية.
ـــــــــــــــــــــ

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

قصص قصيرة جدا

إدواردو غاليانو* ترجمة: أسامة أسبر العالم صعد رجل من بلدة نيغوا، الواقعة على الساحل الكولومبي، إلى السماء. حين عاد وصف رحلته، وروى كيف تأمل الحياة البشرية من مكان مرتفع. قال: نحن بحرٌ من ألسنةِ اللهب الصغيرة. أضاف: العالم كومةُ من البشر، بحر من ألسنة اللهب الصغيرة. كل شخص يشع بضوئه الخاص وليس هناك لسانا لهب متشابهان. ثمة ألسنة لهب كبيرة وأخرى صغيرة من جميع الألوان. ألسنة لهب بعض البشر هادئة بحيث لا تتأجج حين تهب الريح، بينما يمتلك آخرون ألسنة لهب وحشية تملأ الجو بالشرار. بعض ألسنة اللهب الغبية لا تحرق ولا تضيء، لكن ثمة أخرى تفيض بلهب الحياة بحيث أنك لا تستطيع أن تنظر إليها دون أن ترف عيناك، وإذا اقتربت منها تضيئك.   العنب والخمر على فراش الموت، تحدث رجل يعمل في الكروم في أذن مرسليا. قبل أن يموت كشف السر هامساً: "إن العنب مصنوع من الخمر." هذا ما روته لي مارسيلا بيريث-سيلبا، وبعدها فكرتُ: إذا كان العنب مصنوعاً من الخمر، فربما نكون الكلمات التي تروي من نحن. فن للأطفال كانت تجلس على كرسي مرتفع أمام صحن من الحساء على مستوى العين. أنفها مجعد، أسنانها محكمة الإغلاق، وذراعاها

EL TIEMPO ENTRE COSTURAS

رواية اسبانية بنكهة مغربية أصبحت رواية الأديبة الإسبانية ماريا دوينياس "الوقت بين ثنايا الغرز"، التي تدور أحداثها في مدينة طنجة المغربية، إلى ظاهرة حقيقية حيث حققت مبيعات تجاوزت المليون نسخة، كما ترجمت لعدة لغات بينها الإنجليزية والألمانية كما تحولت إلى مسلسل تليفزيوني ضخم، سوف يبدأ عرضه مطلع 2012. وامتد نجاح الرواية ليتجاوز حدود إسبانيا حيث من المقرر أن تظهر ترجمتها الإنجليزية في الولايات المتحدة في نوفمبر المقبل، وفي نفس الشهر سوف يتم تكريم المؤلفة، في معرض جوادالاخارا الدولي للكتاب في المكسيك. وفي تصريحات لوكالة (إفي) قالت الأديبة دوينياس "أنا سعيدة لكل هذا النجاح الذي حققته الرواية، لأنه يؤكد أنها تتناول أحداثا ذات طبيعة كونية. تدور أحداث الرواية حول سيرا كيروجا، مصممة أزياء شابة، تضطر لمغادرة مدريد، بحثا عن حبيب مجهول، إلى أن تعثر عليه في مدينة طنجة التي كانت واقعة في تلك الأثناء تحت الاحتلال الإسباني، ويحاولان الاستقرار هناك. ومرة أخرى تجد سيرا نفسها مضطرة للرحيل إلى تطوان، والتي كانت أيضا تحت الاحتلال الإسباني (1902-1956)، هربا من الديون والشعور بالو

ظننتُ أنّ أحداً لم يعد يقرأني

  قصة: خايمي بيلي * ترجمة عن الإسبانية :  غدير أبو سنينة   سيّارة أجرة تمرّ أمام جدارية في العاصمة البيروفية ليما، آذار/ مارس 2022  عند وصولي إلى مدينة الغبار والضباب (يقصد ليما)، أعلن أحد عناصر طاقم الطائرة عبر مُكبِّر الصوت، وبنبرة مُبتهجة، كأنّما ينقل لنا أخباراً طيّبة، أننا سنستخدم دَرَجاً قديماً للهبوط، وسنضطرّ لحمل أمتعتنا واستقلال الحافلة، لنمارس رقصة الكومبيا عند كلّ منعطف نمرّ به، حتى من دون وجود موسيقى في الخلفية: يا مرحباً بكم في الفوضى ! ما إن يصل المسافرون، حتى يسيروا بأقصى سرعة كأنهم يُشاركون في مسابقة رياضية، كأنّ هناك جائزةً تُمنح لمن يصل أوّلاً إلى مكتب ضابط الهجرة. والحقيقة أنّ أحداً لا يصل أوّلاً، إذ يُصادفهم طابور طويل عريض مُتعرّج، يزحف مثل أفعى تُحتضر. لا جوائز، الجميع معاقَب بسبب البطء المُستفزّ لمن ينفّذون القانون بلا مبالاة .  بعد اجتياز عدّة ضوابط صارمة، يستقبلنا السائق بحذَر ويقودنا إلى الشاحنة المُدرَّعة، ذات النوافذ المُظلَّلة، يعرفُني باقي السائقين، يُحيُّونني بصُراخهم، يتبعونني، الحمقى، يعرضون علي خدماتهم، ويطلبون منّي بقشيشاً. أبدو لهم شخصاً فا