التخطي إلى المحتوى الرئيسي

المسؤولية والمخاطرة


باولو كويليو:

يستريح المحارب بين حين وآخر .. فهو يعلم ان الأحصنة التي تستمر في القفز فوق الحواجز تكسر إحدى قوائمها والأقواس التي تنحني كل يوم لا تطلق سهامها بالقوة نفسها يُظهر الجذر اللاتيني لمعنى كلمة "المسؤولية: Responsibility" على أنها القدرة على الاستجابة أو التفاعل.

وكان لدى المحارب المسؤول في السابق، القدرة على المراقبة والتدريب، بل انه كان قادرا أحياناً على التحلي "بعدم المسؤولية". وكان يترك نفسه، في بعض الأحيان، للأقدار، كي تحمله بعيدا، دون أن يستجيب أو يقوم بأي رد فعل. ولكنه تعلم دروسه، واتخذ موقفا، واستمع إلى بعض النصائح، وكان متواضعا بما يكفي لقبول المساعدة.
والمحارب المسؤول ليس ذلك الذي يضع أثقال العالم على كاهله، بل هو الذي يتمكن من التعامل مع تحديات اللحظة الراهنة. وبالطبع، فإنه في أوقات محددة، يشعر بالخوف في مواجهة قرارات مهمة.
يقول صديق: "هذا الأمر أكبر من أن تتمكن من إنجازه". يقول آخر :"امض قدما وتحل بالشجاعة". لكن شكوكه تزداد جسامة مع الوقت.
وبعد أيام قليلة من الألم والكرب، فإنه يستريح في زاوية خيمته، حيث يعكف في العادة على التأمل والصلاة، ويرى حياته في المستقبل، والناس الذين سينتفعون من مواقفه أو سيلحقهم الأذى من جرائها. ولا يريد ان يسبب معاناة لا جدوى منها، ولكنه في الوقت نفسه، لا يريد ان يتخلى عن المسار.
ثم يترك المحارب القرار يعبر عن نفسه، وإذا احتاج إلى قول نعم، فسيقولها بشجاعة وإقدام، وإذا وجب عليه قول لا فسيقولها من دون إحساس بالجبن. وعندما يتحمل المحارب المسؤولية، فإنه يلتزم بكلمته.
أما أولئك الذين يقدمون الوعود ثم يفشلون في الوفاء بها، فإنهم يخسرون احترام الذات، ويشعرون بالخجل من اعمالهم، وحياة أولئك الناس تتمثل في الهروب، وهم يهدرون طاقة أعلى بكثير، بسبب عدم احترام كلمتهم، مقارنة بما يستخدمه محارب النور للوفاء بوعوده.
وهو يتحمل مسؤولية سخيفة أحيانا، تذهب سدى، وهو لا يكرر هذا الموقف المحدد، ولكنه بالرغم من ذلك يفي بكلمته، ويدفع ثمن اندفاعه.
وبالطبع، ينتهي به الأمر إلى أن يسمع آراء لا تصب في صالحه. ولكنه قبل ان يصغي الى أي شيء، يحاول دوما معرفة ما إذا كان الشخص الذي يعطي هذه الآراء، قام بأعمال أفضل منه. وعموما، فإن أولئك الذين ينتقدون لم يحققوا أحلامهم أبدا، وحدهم المنتصرون هم المتسامحون والكرماء.
لماذا ينتقدون؟ لأنه مقابل كل خطوة يخطوها المحارب إلى الأمام، فإنهم يتراجعون خطوة إلى الوراء، ويصعب عليهم قبول واقع ان آخرين يحصلون على شيء كانوا يعتقدون أنه بعيد المنال.
وهذا لا يعني ان المحارب يخطو الخطوات الخاطئة، فهو سيرتكب كثيراً من الأخطاء، وهذا الأمر لا يهم. فاقتراف الأخطاء جزء من المسار، أما إصلاح الأخطاء فجزء من مسؤوليته.
وفي سبيل تقليص الأخطاء، فإن المحارب يستريح بين الحين والآخر، ويشعر بالسعادة بالأشياء الصغيرة في الحياة، وهو يعلم ان الخيوط المشدودة تصبح غير متناغمة في النهاية، والأحصنة التي تستمر في القفز فوق الحواجز تكسر إحدى قوائمها، والأقواس التي تنحني كل يوم لا تطلق سهامها بالقوة نفسها.

                                                     عن جريدة البيان

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

9 من أفضل روايات أمريكا الجنوبية ننصحك بقراءتها

من البرازيل وحتى المكسيك، من تشيلي لبيرو ومرورًا بكوبا والإكوادور، في تلك البلاد والمجتمعات التي عانت كثيرًا من الاستعمار وقاومت لعقود عبر عشرات الثورات، من تلك البلاد الساحرة والمجتمعات الثرية بالحكايات كان أدب أمريكا اللاتينية جديرًا بالتبجيل والانتشار . ذلك الجمال الأدبي الساحر، والقصص والحكايات الإنسانية التي أبدع كتاب أمريكا الجنوبية في نسجها. ومن آلاف الكُتاب وعشرات الآلاف من الكتب والروايات الساحرة المنتمية لتلك البيئة نرشح لكم تلك الروايات التسعة .

المترجم عمر بوحاشي: الترجمة من الإسبانية للعربية تعرف قفزة نوعية بفضل ظهور جيل من المترجمين وتحديدا في شمال المغرب

حاورته: إيمان السلاوي يكشف المترجم المغربي عمر بوحاشي، في هذا الحوار، آخر أعماله المترجمة التي تهم رواية "الكوخ" للكاتب الإسباني بيثينتي بلاسكو إيبانييث، وكذلك عن إصداراته الأخيرة، ويقدم رؤية عن واقع الكتب المترجمة من الإسبانية إلى العربية في المغرب التي يعتبرها ذات مستقبل واعد . والمترجم حاصل على جائزة الترجمة من المعرض الدولي للنشر والثقافة بالدار البيضاء سنة 2014، عن رواية بعنوان "لسيدة بيرفيكتا" للكاتب المخضرم، بينيتو بيريث غالدوس، يؤكد أن “الترجمة تخلق نوعا من التفاعل الثقافي، وفتح الحوار بين الحضارات، وتساهم في انفتاح الشعوب على بعضها لتتعارف أكثر”. ويعتبر بوحاشي من جيل المترجمين الذين نقلوا أهم الكتب الإسبانية التي ساهمت في تشكيل المغرب في المخيلة الإسبانية خلال العقدين الأخيرين. فقد ترجم رواية "عيطة تطاون" لبينيتو بيريث غالدوس التي تعتبر منعطفا في الروايات التي كتبت حول المغرب لأنها تميزت بواقعية لم يعتدها الإنتاج الأدبي الإسباني حول الجار الجنوبي للإسبان .

عرض لكتاب "رحلة في جماليات رواية أمريكا اللاتينية"

صدر عن اتحاد الكتاب العرب بدمشق، 2007 تأليف د. ماجدة حمود   يجول هذا الكتاب عبر جماليات روايات من أمريكا اللاتينية، التي احتلت مكانا هاما في الساحة الثقافية العالمية، خاصة أن الباحث يحس بوشائج قربى مع هذا الأدب الذي يشاركنا في كثير من الهموم السياسية والاجتماعية والاقتصادية (التخلف، الاستبداد، الهيمنة الغربية...) ومع ذلك استطاع إبداع أدب أدهش العالم وما يزال! لهذا ليس غريبا أن يحصد أدباؤها كما كبيرا من الجوائز العالمية، قد منحت جائزة (نوبل) لشعراء (غابرييلا 1945، بابلو نيرودا 1971، أوكتافيو باث، 1990...) كما منحت لروائيين (ميغل أنخل أستورياس 1967، غابرييل غارثيا ماركيز 1982...) وقد رشح لهذه الجائزة أيضا كل (ماريو فارغاس يوسا) و (إيزابيل الليندي) بالإضافة إلى ذلك منحت جائزة ثرفانتس لعدد كبير منهم (كارنتيير 1977، بورخس 1979، أونيتي 1980، باث 1981، ساباتو 1984، فونتيس 1987، بوي كساريس 1990...) تحاول هذه الدراسة أن تجيب على التساؤل التالي: لِمَ تفوق هذا الأدب الذي ينتمي مثلنا إلى العالم الثالث، ووصل إلى العالمية رغم تخلف بلدانه؟ وقد اخترت تركيز الأضواء على جنس الرواية في أ...