التخطي إلى المحتوى الرئيسي

الترجمة الضائعة.. هل يعرف العالم العرب حقًا؟

إذا كُنتَ تواجهُ العالَم بصَمتِك، فكيف سيفهمُكَ العالَم؟ عليكَ أن تقول شيئًا، أن تفعل شيئًا، أو أن تحاول جدّيًا على الأقل.
يقوم التواصل على اللغة التي يرسلها مُرسِلٌ إلى مستقبِل في بيئة مساعِدة. وإذا كان التواصل بين لغتين مختلفتين فلا بدّ من الترجمة للتواصل والمعرفة والتفاهم والتعاطف. وإذا كان إطار هذا التواصل فكريًا وثقافيًا فلا بدّ أن يجتهد المُرسِل في ترجمة فكره وآدابه وثقافته إلى لغة الآخر، لتحقيق الأغراض السابقة، ولخلق وسيلة للنهضة وتبادل المعارف والعلوم وتلاقح الثقافات. فهل هذا ما يفعله العرب مع الغرب؟
الترجمة من العربية إلى اللغات الأجنبية، قناةٌ -تعاني انسدادًا- لتصدير الثقافة والآداب والفِكر، ونافذةٌ -لا زالت موارَبة على استحياء- لفكّ شيفرة الثقافات المحليّة والقوميّة، وتسهيل تعرّف الآخر عليها.
تتصدّر هذه المعضِلة الواقعية قمّة جبل مشكلات التواصل الثقافي بين الشرق والغرب. هل يجتهدُ الشرق بما يكفي لتقديم تكوينه الثقافي وصورته الحقيقية “غير النمطية” إلى الغرب؟ وبناء عليه: هل هناك مسوّغ لتبرّم كثيرٍ من مشاهير العرب بأنّ “الغرب لا يبذل ما يكفي من الجُهد ليتعرّف علينا”؟ هل يجب أن يكون هذا جهدًا غربيًا خالصًا؟ أم أنّ هذا التواصل فرضٌ على العرب بالأصالة؟

مَن الذي يترجمُ العربَ حقًا في أوروبا؟
أيًا كان غرضُ الترجمة من العربية إلى اللغات الأجنبية، فلَم يكُن للعرب إسهامٌ يُذكَر في الأمر، لا على مستوى التعليم أو التبشير الديني أو الغزو الثقافي. الأمر كلّه بدأه الأوربيون، وكانت باكورته أول ترجمة للقرآن الكريم باللاتينية في دير “كلوني” في جنوب فرنسا عام 1143م، وظلت هذه الترجمة مخطوطة في نسخ عدة، تتداول في الأديرة مدة أربعة قرون، إلى أن طُبعت في مدينة “بال” في سويسرا عام 1543م، ثم تلتها ترجمات أخرى للقرآن إلى الفرنسية عام 1647م، وإلى اللاتينية عام 1698م، وإلى الإنجليزية عام 1734م.
وتخللت هذه الفترات، ترجمات أخرى محورية، منها ترجمة لاتينية لقصة حي بن يقظان عام 1280م، ثم ترجمة أخرى لنفس القصة عام 1671م، قبل أن يترجمها باروخ سبينوزا إلى الهولندية في 1674م، وجورج كيث إلى الإنجليزية في العام ذاته. إضافة إلى ترجمات حكايات ألف ليلة وليلة في أواخر القرن السابع عشر، إلى الإنجليزية والإيطالية والهولندية والدنماركية والروسية والألمانية والإسبانية.
الأمر ذاته حاصلٌ مع الأدب والفكر العربيّ الحديث، في البلاد الغربية وأمريكا والصّين، هؤلاء الأجانب هُم مَن يؤدّون مهمّة الترجمة من العربية إلى لغاتِهم.
ففي الإسبانية، تقابلك أسماء مثل “بدرو مارتنيث مونتابيث”، و”كارمن رويث برابو”، و”كلارا توماس دي أنطونيو”، و”كالبيث باسكيث”، و”ماريا خيسوس بيغيرا”، و”ماريا لويسا برييتو”، و”إيغناثيو غوثييريث دي تيرن”، و”تيريسا غارولو”، و”فرناندو دي أكريدا”، والدكتور “فرناندو إغناثيو فرتوس”، و”فيديريكو أربوس”.. كلها اعتمدت مبدأ “أن الثقافة العربية ما زالت حية ترزق، وأن ترجمة الأدب العربي إلى الإسبانية غير كافية، وأن كبار المفكرين العرب ما زالوا مجهولين لدى الجمهور والمختصين، ويجب انتقاء جيدهم”.
وتنضم إليهم مجلات مثل “المنارة” و”أوراق”، ودور نشر مثل “كانتا رابيا” و”الكلمة” و”كازا رابيا”، ومعاهد مثل معهد الدراسات الشرقية والأفريقية في جامعة مدريد أوتونوما، والمعهد الإسباني العربي للثقافة في مدريد، ومدرسة المترجمين في جامعة “كاستيا لا مانشا” في مدينة طليطلة، والجمعية الإسبانية للدراسات العربية.. وكلها أسماء لأفراد وجهات أجنبية اختارت أن تضطلع بالتعريف بالثقافة العربية وترجمة آدابها إلى الإسبانية.
أما في الألمانية، فيبرز اسم “ماريانا لابرت” كأول مَن ترجمت نتاجًا عربيًا حديثًا إلى الألمانية، عام 1973م، وينضم إليها “جونتر أورت”، والصحفي السويسري الشهير “أرنولد هوتنغر”، و”ألكسندرا ماريتش”، ويتصدّر القائمة المترجم الألماني العتيد “هارتموت فندريش”، الذي عكف على ترجمة سرديات عربية على مدار أكثر من 30 عامًا، وأنطق شخصيات أكثر من 60 رواية عربية بالألمانية، وعرّف بلاده بعوالم غسان كنفاني ونجيب محفوظ وسحر خليفة وإبراهيم الكوني وجمال الغيطاني.
وتفاجئنا الفرنسية باعتبارها اللغة الأولى التي تترجَم إليها الكتب العربية، إذ تُرجِم إليها من العربية ما يعادل عُشر ما تُرجم إلى جميع اللغات تقريبًا. ومنذ الخمسينات، بدأت عملية ترجمة الأدب العربي الحديث في باريس، وتضمّ القائمة أكثر من 180 مترجِمًا كلهم فرنسيون، تتصدرهم أسماء مثل “ميشيل باربو” و”هنري لوسيل” و”إيف غونزاليس كيخانو”، مع إسهامات دور نشر مثل “دار غوليار للنشر” و”غاليمار” و”سوي” و”لاتس” و”دونويل” و”مينوي” و”أرليا” و”ميزونوف” و”ميركور دو فرانس”، ودار “آكت سود”.
وفي الإيطالية، يشي شُحّ مبادرات الترجمة الأدبية والفكرية من العربية، بانعدام وجود أسماء عربية لها إسهام طوال العقود السابقة، وتبرز لنا أسماء إيطالية مثل “فرانشيسكو غابريللى” و”فرانشيسكو ليجيو”، و”إيزابيلا كاميرا دافليتو” التي نقلت وحدها إلى الإيطالية 12 رواية لغسان كنفاني وحنان الشيخ وهدى بركات وغادة السمان وغيرهم.
الترجمة عن العربية قبل “نوبل نجيب محفوظ” شيء، وبعده شيء مختلف تمامًا. يبرز هذا في لغات كثيرة، من بينها الهولندية. فباستثناء ترجمات شحيحة أنجزتها “ريمكه كروك” في عامي 1977م “كتاب طوق الحمامة لابن حزم”، و1985م “كتاب حي بن يقظان لابن طفيل”، لا تكاد توجد ترجمات عن العربية مباشرة.
لكن بعد حصول محفوظ على نوبل في 1988م، برزت أسماء كلّ من “ألبرت جان فان هوك” و”مارسيل فان ده بول” و”هيلين كوسن”، و”ديكا بوبنغا” و”ريتشارد فان لوين” كمترجمين نقلوا أعمالا عربية مهمّة إلى الهولندية، وحصل الأخيران في 2005م على جائزة الترجمة من مؤسسة الآداب الهولندية، “لأنهما فتحا بابًا جديدًا على الآداب العربية وعلى عالم بأكمله ربما كنا نجهل ما به من ثراء”، بحسب تقرير لجنة تحكيم الجائزة.

والعرب.. ألا يترجمون إلى لغاتٍ أخرى؟

لا يعنينا هنا أن نتعرض للكتّاب العرب أو ذوي الأصول العربية، الذين “يكتبون” نتاجهم بلغات أجنبية؛ لأنّ النقّاد الأجانب يعتبرون اختلاف اللغة المكتوب بها، يجعل الرواية نابعة من تراث آخر، وإنما يعنينا أولئك الذين “يترجمون” إلى لغات أجنبية.
النماذج التي أمكن العثور عليها محدودة ومعدودة، منها على مستوى الأفراد: الهولندي مغربي الأصل حفيظ بوعزة ترجم الكثير من الشعر العربي القديم إلى الهولندية مباشرة عن العربية.
وعلى مستوى المؤسسات ذات الإسهامات المحدودة: العراقي عبد الهادي سعدون (يدير دار نشر ألفالفا المتخصصة بترجمة ونقل الآداب العربية للقارئ الإسباني)، والعراقي صمويل شمعون (مؤسس مجلة “بانيبال” المتخصصة في لندن مع زوجته مارجريت أوبانك)، والسوري رفيق الشامي يدير مشروع Swallow Editions في ألمانيا، لنشر الأدب العربي مترجما إلى الإنجليزية، والبروفسور عقيل المرعي (يرأس تحرير سلسلة “فصول أدبية” التي تترجم من العربية إلى الإيطالية).
أما على مستوى المؤسسات الكبرى داخل العالم العربي، فإلى جانب مؤسسات الجوائز التي تقدّم وعودًا بترجمة العمل الفائز فقط، تبرز محاولات قليلة فاعلة، أبرزها مشروع دار بلومزبري/مؤسسة قطر للنشر، الذي ينشر أعمالاً بالإنجليزية والعربية، وينشط بشكل ملحوظ منذ إطلاقه عام 2010م. ويجاوره مشروع الترجمة السعودي العالمي (متسع)، الذي يستهدف تقديم ترجمات بلغات متعددة لمختارات أدبية إلى أكبر شريحة من المثقفين الأجانب.
وعلى الجانب المقابل، تبرز لنا تجارب فاشلة لمؤسسات كبرى، مثل مشروع الهيئة العامة للكتاب للترجمة من العربية إلى اللغات الأخرى (أداره المترجم الشهير محمد عناني بين عامي 1986 و2004م)، الذي توقّف بعد الفشل في توزيع إنتاجه.
ومثله أيضًا، مشروع تابع لاتحاد الأدباء والكتّاب العرب في 2008م، قام على اختيار عدد من الروايات العربية لترجمتها إلى لغات عالمية منها: الإنجليزية والروسية والتركية والإيرانية والروسية، وتعثّر المشروع لأسباب غير معلومة.
غير أن عام 2016م، شهد 3 مبادرات لإطلاق مشاريع لترجمة الأدب العربي إلى لغات أجنبية، وهيمشروع تابع للهيئة العامة المصرية للكتاب، ومشروع “أصوات” الذي أطلقه المترجم المصري أحمد صلاح الدين، مستغلًا خبرته في عددٍ من مشاريع الترجمة من العربية إلى لغات أخرى، مع تأكيده على أنّ المشروع يمضي بحذر شديد لتفادي الأخطاء التي عرقلت مشاريع سابقة على نفس المسار.
المبادرة الثالثة، كانت من جمعية الناشرين الإماراتيين، حيث قدمت مؤسستها “بدور بنت سلطان القاسمي” مشروعًا لنشر وترجمة الأدب العربى في أمريكا اللاتينية، ولقي العرض تجاوبًا من الناشرين البرازيليين.

لماذا هذا التراجع في ترجمة الفكر والأدب العربي؟

رغم ما يوضّحه التقرير من إسهامات الأجانب بالقدر الأعظم من ترجمة النتاج العربي إلى اللغات الأجنبية، إلا أنّه تظلّ نسبة المترجَم من العربية ضئيلة مقارنة بلُغات أخرى.
تنوّعت محاولات تفسير هذا الكمّ الضئيل من الاهتمام الغربي الانتقائي، ما بين اعتبار الأدب العربي محظورًا ويعامَل بعدائية، أو أن اللغة العربية تمثّل ستارًا حديديًا يحول دون فهمها و سهولة ترجمتها، أو الاهتمام جنائي الدافع الذي يستهدف فقط الدخول إلى العقل العربي، أو التركيز فقط على الأدب الذي يُظهر المجتمعات العربية بصورتها النمطية الحافلة بالفساد والتخلف والرجعية، بل وربما يذهب التفسير إلى أن الغرب لا يعتبر الأدب العربي أدبًا أو فنًا بقدر ما هو وثائق اجتماعية، و بحثًا أنثروبولوجيًا مُسليًا، لا أكثر.
وسواء اتفقنا مع هذه التفسيرات أو اختلفنا معها، ففي نهاية المطاف: على العرب أن يتحملوا قسطهم من المسؤولية في ترجمة أدبهم إلى اللغات الغربية أو غيرها، بدلًا من الغياب شبه التام لهذا الجانب من المشهد الثقافي المعاصِر، وتحكّم بعض الجهات الأجنبية في اختيار الأعمال وفق معاييرها الخاصة.
واقع الأمر، أنّه لا تحرّك عملية ترجمة الفِكر والأدب العربي معايير مثل: (نوعية الأعمال المترجمة، قيمتها كعمل فني أو فكري متكامل، المعايير المتبعة في اختيارها، مَن يقوم بترجمتها، مدى تمثيلها للنتاج الفكري والأدبي العربي الحديث، فاعليتها في تحقيق تفهّم أفضل للعرب وثقافتهم، مدى نجاحها في اجتذاب أكبر عدد ممكن من القراء غير العرب، وغيرها).
وإنما الذي يحرّك عملية الترجمة تلك، عوامل عشوائية من قبيل: حصول العمل أو مؤلفه على جائزة مهمّة، أو تناوله لفكرة مثيرة للجدل تهتمّ بها العقلية الغربية، أو الحظّ والمصادفة، أو العلاقات الشخصية التي تربط الكاتب بمترجم أوروبيّ أو بأوساط ثقافية غربية.
ثمّة جدلية تدور حول الترجمة والعالَمية، وأيّهما يؤدّي إلى الآخر: الترجمة للغات أخرى طريقٌ إلى العالمية؟ أم العالَمية هي الطريق إلى الترجمة؟ ورغم انتشار القناعة بأنّ ترجمة العمل الفكري والأدبي إلى لغة أجنبية أمرٌ إيجابيّ، إلا أنّ بعض المؤلفين يعتبر أنّ ربط هذا الأمر بتحقيق انتشار عالميّ هو وهمٌ لا علاقة له بالواقع.
وهنا تبرز مشكلة جمهور هذا النتاج المترجم، رغم ضآلته. فباستثناء جمهور محدّد (يتكوّن من الأكاديميين المتخصّصين، وبعض مَن لهم أصول عربية أو لهم علاقات مع عرب)، يقف الجمهور الأجنبي بعيدًا عن مرمى الأدب والفكر العربي المترجم، لأسباب تتعلّق بسوء وضع المترجمين، والنقص الهائل في مهارات الترجمة الفردية، وتراجع دور الجامعات الريادي في البحث والترجمة، وضعف النتاج المترجَم كمّا أو كيفًا، وضعف المتابعة الإعلامية للإبداعات العربية، وغياب تواصل دور النشر العربية مع وسائل الإعلام ووكالات الأخبار الدولية.
أخيرًا، ربّما تصلح هذه الكلمات للروائية فاطمة المرزوعي في تشخيص وضع الترجمة: “الذي يحدث في عالمنا العربي بصفة عامة ليس فعلًا حقيقيًا لنقل أدبنا ومنجزاتنا إلى الآخر. ما يحدث هو جهود ذاتية متواضعة، تضيع وسط لجة من الوعود الكاذبة والخداع الذي نمارسه بصفتنا عربًا بعضنا مع بعض”.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

قصص قصيرة جدا

إدواردو غاليانو* ترجمة: أسامة أسبر العالم صعد رجل من بلدة نيغوا، الواقعة على الساحل الكولومبي، إلى السماء. حين عاد وصف رحلته، وروى كيف تأمل الحياة البشرية من مكان مرتفع. قال: نحن بحرٌ من ألسنةِ اللهب الصغيرة. أضاف: العالم كومةُ من البشر، بحر من ألسنة اللهب الصغيرة. كل شخص يشع بضوئه الخاص وليس هناك لسانا لهب متشابهان. ثمة ألسنة لهب كبيرة وأخرى صغيرة من جميع الألوان. ألسنة لهب بعض البشر هادئة بحيث لا تتأجج حين تهب الريح، بينما يمتلك آخرون ألسنة لهب وحشية تملأ الجو بالشرار. بعض ألسنة اللهب الغبية لا تحرق ولا تضيء، لكن ثمة أخرى تفيض بلهب الحياة بحيث أنك لا تستطيع أن تنظر إليها دون أن ترف عيناك، وإذا اقتربت منها تضيئك.   العنب والخمر على فراش الموت، تحدث رجل يعمل في الكروم في أذن مرسليا. قبل أن يموت كشف السر هامساً: "إن العنب مصنوع من الخمر." هذا ما روته لي مارسيلا بيريث-سيلبا، وبعدها فكرتُ: إذا كان العنب مصنوعاً من الخمر، فربما نكون الكلمات التي تروي من نحن. فن للأطفال كانت تجلس على كرسي مرتفع أمام صحن من الحساء على مستوى العين. أنفها مجعد، أسنانها محكمة الإغلاق، وذراعاها

EL TIEMPO ENTRE COSTURAS

رواية اسبانية بنكهة مغربية أصبحت رواية الأديبة الإسبانية ماريا دوينياس "الوقت بين ثنايا الغرز"، التي تدور أحداثها في مدينة طنجة المغربية، إلى ظاهرة حقيقية حيث حققت مبيعات تجاوزت المليون نسخة، كما ترجمت لعدة لغات بينها الإنجليزية والألمانية كما تحولت إلى مسلسل تليفزيوني ضخم، سوف يبدأ عرضه مطلع 2012. وامتد نجاح الرواية ليتجاوز حدود إسبانيا حيث من المقرر أن تظهر ترجمتها الإنجليزية في الولايات المتحدة في نوفمبر المقبل، وفي نفس الشهر سوف يتم تكريم المؤلفة، في معرض جوادالاخارا الدولي للكتاب في المكسيك. وفي تصريحات لوكالة (إفي) قالت الأديبة دوينياس "أنا سعيدة لكل هذا النجاح الذي حققته الرواية، لأنه يؤكد أنها تتناول أحداثا ذات طبيعة كونية. تدور أحداث الرواية حول سيرا كيروجا، مصممة أزياء شابة، تضطر لمغادرة مدريد، بحثا عن حبيب مجهول، إلى أن تعثر عليه في مدينة طنجة التي كانت واقعة في تلك الأثناء تحت الاحتلال الإسباني، ويحاولان الاستقرار هناك. ومرة أخرى تجد سيرا نفسها مضطرة للرحيل إلى تطوان، والتي كانت أيضا تحت الاحتلال الإسباني (1902-1956)، هربا من الديون والشعور بالو

ظننتُ أنّ أحداً لم يعد يقرأني

  قصة: خايمي بيلي * ترجمة عن الإسبانية :  غدير أبو سنينة   سيّارة أجرة تمرّ أمام جدارية في العاصمة البيروفية ليما، آذار/ مارس 2022  عند وصولي إلى مدينة الغبار والضباب (يقصد ليما)، أعلن أحد عناصر طاقم الطائرة عبر مُكبِّر الصوت، وبنبرة مُبتهجة، كأنّما ينقل لنا أخباراً طيّبة، أننا سنستخدم دَرَجاً قديماً للهبوط، وسنضطرّ لحمل أمتعتنا واستقلال الحافلة، لنمارس رقصة الكومبيا عند كلّ منعطف نمرّ به، حتى من دون وجود موسيقى في الخلفية: يا مرحباً بكم في الفوضى ! ما إن يصل المسافرون، حتى يسيروا بأقصى سرعة كأنهم يُشاركون في مسابقة رياضية، كأنّ هناك جائزةً تُمنح لمن يصل أوّلاً إلى مكتب ضابط الهجرة. والحقيقة أنّ أحداً لا يصل أوّلاً، إذ يُصادفهم طابور طويل عريض مُتعرّج، يزحف مثل أفعى تُحتضر. لا جوائز، الجميع معاقَب بسبب البطء المُستفزّ لمن ينفّذون القانون بلا مبالاة .  بعد اجتياز عدّة ضوابط صارمة، يستقبلنا السائق بحذَر ويقودنا إلى الشاحنة المُدرَّعة، ذات النوافذ المُظلَّلة، يعرفُني باقي السائقين، يُحيُّونني بصُراخهم، يتبعونني، الحمقى، يعرضون علي خدماتهم، ويطلبون منّي بقشيشاً. أبدو لهم شخصاً فا