التخطي إلى المحتوى الرئيسي

ماريو بارغاس يوسا: المثقفون يرفضون الديمقراطية لأنها تنتج «الرداءة»

حوار- ميشيل مونيهان
ترجمة - عبدالله الزماي


برز "ماريو بيدرو فارغاس يوسا" في عالم الأدب بعد نشر روايته الأولى "المدينة والكلاب" التي نال عليها جوائز عديدة، وقد ترجمت إلى أكثر من عشرين لغة أجنبية، وتتالت أعماله الروائية، وتعددت الجوائز التي حصل عليها، وكان من أشهرها حصوله على جائزة ثيرفانتس للآداب عام 1994م، والتي تعد أهم جائزة للآداب الناطقة بالإسبانية، قبل أن يحصل على جائزة نوبل في الأدب عام 2010م.. وعلى خلفية "منتدى الحرية" الذي أقيم في "أوسلو" كان لصحيفة (the dealy beast) الحوار التالي مع الروائي البيروفي:

مجتمع سلطوي

* قلت في محاضرتك أن الأدب الجيد هدام دائماً، ذكرني هذا بمقالة "جورج أورويل" (منع الأدب)، حيث هاجم أولئك الكتاب الذين تستعبدهم الشيوعية السوفييتية!

- لا تنظر إلى تخريب الأدب حين تعيش في مجتمع حر، تشعر حينها أنّ الأدب للمتعة فقط، ولكن حينما تختفي الديموقراطية ويحل النظام الشمولي مكانها؛ تشعر مباشرة كيف أنّ الأدب يصبح وسيلة هامة جداً لقول ما لا يمكنك قوله، وإنّه وسيلة لمقاومة ما كنت تواجهه، لا يدرك المؤلفون أحياناً ما يقومون بتحقيقه في مجتمع سلطوي، الأدب مثال حي على أنّ الأمور ليست على ما يرام في المجتمع السلطوي.

شبهة الأدب!

* لكن هذه ليست دعوة للأدب الوعظي؟

- كلا، ليس على الإطلاق، يمكنك أن تكتب الأدب التجريبي ويكون لديك هذا التأثير الهدام، ولهذا السبب تشتبه الديكتاتوريات دائماً بالأدب، خلاف ذلك، هو ما يجعل الأدب يزدهر، إنهم قلقون للغاية دائماً، يريدون السيطرة عليه ومراقبته، لذا لا يوجد استثناء، الفاشية والشيوعية متشابهتان تماماً، السيطرة على الأدب لأن ثمة نوعاً من الخطر، حتى لو لم تتعرف عليه على الفور.

القراءة مخاطرة

* ماذا عن الطريق الوسط بين الاستبداد والديكتاتورية؟ أعرف أنك كتبت عن "هوغو شافيز" ومع ذلك يمكن الحصول على كتبك في "كاراكاس"؟

- أووه، لكن بصعوبة كبيرة، الآن في "كاراكاس" يوجد هامش من الحرية، لكن في "كوبا" سألت الصحفي الكوبي المتواجد هنا في "منتدى الحرية"، وأخبرني بالطريقة التي يقرأ بها في "كوبا"، إنه أمر رائع، هل تعرف؟ هناك قوائم بالأشخاص الذين يرغبون بقراءة كتب معينة، في بعض الأحيان يتم تأجيرها لهم، إنها أحيانا مثل مكتبة من الأفراد، أخبرتني الكاتبة المعارضة "يواني سانشيز" أنّها التقت زوجها لأنّها اكتشفت أنّ لديه إحدى رواياتي "حرب نهاية العالم"، لهذا اتصلت به وقالت: "هل صحيح أن لديك رواية لماريو بارغاس يوسا؟" فقال: "نعم لكن هناك قائمة، لكن يمكننا أن نتقابل"، فتزوجا، رأيتها مؤخراً، وسألتها هل هذه القصة صحيحة؟ فقالت: طبعاً صحيحة، ولهذا السبب أنا معجبة بكتاباتك؛ لأن مستقبلي العاطفي اعتمد عليها.

ثمة انطباع في المجتمعات المفتوحة أنّ الأدب لمجرد المتعة، وأنّه لن يكون له أي تأثير في حياتك، لكن الأدب كان مؤثراً في الحياة دائما، حتى لو لم يكن ذلك ملاحظاً، لكن حين يكون هناك ديكتاتورية تتم ملاحظته على الفور، أصبح الأدب أداة للمقاومة لتواصل الأشياء، هذا هو الحال في الأنظمة الديكتاتورية، فقد أصبحت القراءة مخاطرة، ومن المهم جداً الحفاظ على الأشياء التي لا يمكن السيطرة عليها؛ لأنّ الأدب لا يمكن السيطرة عليه تماماً بينما يمكن السيطرة على التلفزيون والسينما.

المثقفون أغبياء

* لماذا هذا العدد الكبير من الروائيين الذين تأثروا بالديكتاتوريات، إبتداء ب"غابرييل غارسيا ماركيز" وانتهاءً بردة فعل العديد من المفكرين الفرنسيين مثل "سولجنستين"؟

- تذكر ما كتبه "كامو" أنّ الرجل الذكي جداً في بعض المناطق من الممكن أن يكون غبياً في مناطق أخرى، ففي السياسة كان المثقفون أغبياء في العديد بل الكثير من الحالات، فهم لا يحبون الرداءة، والديموقراطية هي قبول بالمستوى المتوسط، والديموقراطية هي أن تتقبل أنّ الكمال غير موجود في الواقع السياسي، كل فرد عليه أن يقدم تنازلات من أجل التعايش السلمي، ونتيجة ذلك هي الرداءة، وقد أثبت التاريخ أنّ هذه الرداءة هي الطريقة الأكثر سلما للتقدم والازدهار والحد من العنف، والمثقفون أكثر عرضة من غيرهم بكثير لهذه اليوتوبيا.

موضة المثقفين

* ما هي الموضة الطوباوية بين المثقفين والكتاب الآن بعد انهيار الشيوعية؟

- لا يوجد ولهذا السبب هم يائسون ومرتبكون.

الليبرالية الكلاسيكية

* في الحالة الخاصة بك، لقد رأيت المزيد من الإشارات لسياستك "الليبرالية الكلاسيكية" أكثر من الروائيين الآخرين؟

- السبب لأنني استثناء، ثمة عدد قليل من الكتاب والمثقفين الذين هم "ليبراليون كلاسيكيون" دون أن يشعروا بأي نوع من العار من سياستهم؟

أخطاء عديدة

* لم يفز "بورخيس" بجائزة نوبل لأنّه دعم "بينوشيه"، هل تعتقد أن توجهك السياسي لعب دوراً بفوزك بجائزة نوبل؟

- "بورخيس" لسوء الحظ ارتكب أخطاء عديدة، قبل أن يقبل دعوة "بينوشيه" لتزييفه، وهذا كان خطأ كبيراً جداً، لقد فعل ذلك ليس كنوع من التضامن وليس التفاتاً منه للديكتاتورية، لقد فعل ذلك لأنّه يحتقر السياسة كثيراً، ولكنني أعتقد أنّه خطأ شنيع جداً، كان شجاعاً خلال الحرب العالمية الثانية حين انضمت "الأرجنتين" للفاشية، كان مدافعا عميقا عن الحلفاء، إنّه يكره البيرونية بالشكل الذي أصبح به مفتوناً بالجيش، والذي أعتقد أنه كان خطأ أيضا، لكنه لم يكن فاشيا، لقد كان محافظاً، لكنني لا أظن أن أعماله قد لوثت بهذه المواقف.

أدب بورخيس

* هل يجب أن تؤثر طريقة تلقينا للكتب بالطريقة التي حدثت مع "كنوت هامسون" أو "عزرا باوند"؟

- كلا، ليس على الإطلاق، أدب "بورخيس" عظيم تفوق على جميع أنواع التحيزات السياسية، إنّه واحد من أعظم الكتاب في عصرنا، وأكثرهم أصالة، ومن وجهة نظر اللغة لقد أحدث تغييراً في اللغة الأدبية الإسبانية بالطريقة التي يمتلكها كتاب ك"سرفانتس"، إنه أمر استثنائي، لأنّ اللغة بكل ما تحمل من عواطف وأحاسيس أكثر أهمية من الأفكار، منذ وقت طويل، لم يحدث أن أصبحت أفكار كاتب ما مهمة إلى هذا الحد في كل أنحاء العالم الناطق بالإسبانية كما حدث مع "بورخيس"، كان استثناء لتقليد قوي ودقيق وعقلاني.

عمل جديد

* ما الرواية التي تعمل عليها الآن؟

- أنهيت رواية "البطل المتكتم" التي ستنشر بالإسبانية في سبتمبر، إنها رواية تجري أحداثها في "بيرو" المعاصرة، إنها عن التغيرات التي حدثت في "بيرو" خلال العشر سنوات الأخيرة التي كانت مهمة جدا، طبقة وسطى جديدة، كل رجال الأعمال الناجحين في "بيرو" قدموا من أسر فقيرة، حتى من أسر الفلاحين، هذه هي خلفية الرواية.

تجربة ممتعة

* هل أنت سعيد لأنك لم تفز برئاسة "بيرو"؟

- أنا سعيد الآن، ولكن لم أكن كذلك عندما خسرتها، لكنني محظوظ جداً، لم أكن لأبقى على قيد الحياة لو فزت! بالتأكيد لا، لكنها كانت تجربة ممتعة، لقد كانت تربوية، اكتشفت كم هو من الصعب أن نكون شرفاء ومتماسكين في السياسة.


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

قصص قصيرة جدا

إدواردو غاليانو* ترجمة: أسامة أسبر العالم صعد رجل من بلدة نيغوا، الواقعة على الساحل الكولومبي، إلى السماء. حين عاد وصف رحلته، وروى كيف تأمل الحياة البشرية من مكان مرتفع. قال: نحن بحرٌ من ألسنةِ اللهب الصغيرة. أضاف: العالم كومةُ من البشر، بحر من ألسنة اللهب الصغيرة. كل شخص يشع بضوئه الخاص وليس هناك لسانا لهب متشابهان. ثمة ألسنة لهب كبيرة وأخرى صغيرة من جميع الألوان. ألسنة لهب بعض البشر هادئة بحيث لا تتأجج حين تهب الريح، بينما يمتلك آخرون ألسنة لهب وحشية تملأ الجو بالشرار. بعض ألسنة اللهب الغبية لا تحرق ولا تضيء، لكن ثمة أخرى تفيض بلهب الحياة بحيث أنك لا تستطيع أن تنظر إليها دون أن ترف عيناك، وإذا اقتربت منها تضيئك.   العنب والخمر على فراش الموت، تحدث رجل يعمل في الكروم في أذن مرسليا. قبل أن يموت كشف السر هامساً: "إن العنب مصنوع من الخمر." هذا ما روته لي مارسيلا بيريث-سيلبا، وبعدها فكرتُ: إذا كان العنب مصنوعاً من الخمر، فربما نكون الكلمات التي تروي من نحن. فن للأطفال كانت تجلس على كرسي مرتفع أمام صحن من الحساء على مستوى العين. أنفها مجعد، أسنانها محكمة الإغلاق، وذراعاها

EL TIEMPO ENTRE COSTURAS

رواية اسبانية بنكهة مغربية أصبحت رواية الأديبة الإسبانية ماريا دوينياس "الوقت بين ثنايا الغرز"، التي تدور أحداثها في مدينة طنجة المغربية، إلى ظاهرة حقيقية حيث حققت مبيعات تجاوزت المليون نسخة، كما ترجمت لعدة لغات بينها الإنجليزية والألمانية كما تحولت إلى مسلسل تليفزيوني ضخم، سوف يبدأ عرضه مطلع 2012. وامتد نجاح الرواية ليتجاوز حدود إسبانيا حيث من المقرر أن تظهر ترجمتها الإنجليزية في الولايات المتحدة في نوفمبر المقبل، وفي نفس الشهر سوف يتم تكريم المؤلفة، في معرض جوادالاخارا الدولي للكتاب في المكسيك. وفي تصريحات لوكالة (إفي) قالت الأديبة دوينياس "أنا سعيدة لكل هذا النجاح الذي حققته الرواية، لأنه يؤكد أنها تتناول أحداثا ذات طبيعة كونية. تدور أحداث الرواية حول سيرا كيروجا، مصممة أزياء شابة، تضطر لمغادرة مدريد، بحثا عن حبيب مجهول، إلى أن تعثر عليه في مدينة طنجة التي كانت واقعة في تلك الأثناء تحت الاحتلال الإسباني، ويحاولان الاستقرار هناك. ومرة أخرى تجد سيرا نفسها مضطرة للرحيل إلى تطوان، والتي كانت أيضا تحت الاحتلال الإسباني (1902-1956)، هربا من الديون والشعور بالو

ظننتُ أنّ أحداً لم يعد يقرأني

  قصة: خايمي بيلي * ترجمة عن الإسبانية :  غدير أبو سنينة   سيّارة أجرة تمرّ أمام جدارية في العاصمة البيروفية ليما، آذار/ مارس 2022  عند وصولي إلى مدينة الغبار والضباب (يقصد ليما)، أعلن أحد عناصر طاقم الطائرة عبر مُكبِّر الصوت، وبنبرة مُبتهجة، كأنّما ينقل لنا أخباراً طيّبة، أننا سنستخدم دَرَجاً قديماً للهبوط، وسنضطرّ لحمل أمتعتنا واستقلال الحافلة، لنمارس رقصة الكومبيا عند كلّ منعطف نمرّ به، حتى من دون وجود موسيقى في الخلفية: يا مرحباً بكم في الفوضى ! ما إن يصل المسافرون، حتى يسيروا بأقصى سرعة كأنهم يُشاركون في مسابقة رياضية، كأنّ هناك جائزةً تُمنح لمن يصل أوّلاً إلى مكتب ضابط الهجرة. والحقيقة أنّ أحداً لا يصل أوّلاً، إذ يُصادفهم طابور طويل عريض مُتعرّج، يزحف مثل أفعى تُحتضر. لا جوائز، الجميع معاقَب بسبب البطء المُستفزّ لمن ينفّذون القانون بلا مبالاة .  بعد اجتياز عدّة ضوابط صارمة، يستقبلنا السائق بحذَر ويقودنا إلى الشاحنة المُدرَّعة، ذات النوافذ المُظلَّلة، يعرفُني باقي السائقين، يُحيُّونني بصُراخهم، يتبعونني، الحمقى، يعرضون علي خدماتهم، ويطلبون منّي بقشيشاً. أبدو لهم شخصاً فا