التخطي إلى المحتوى الرئيسي

مزمور انتحار

وضع الشاعر حدا لحياته في 11 يناير الماضي
تقديم وترجمة القصائد عن الإسبانية: غدير أبو سنينة

رغم تعدُّد الوسائل التي يُمكن بها لشاعرٍ أن يكتُبَ بها قصيدة أنفاسه الأخيرة؛ إلّا أنَّه - في ما يبدو -  يبقى الحبل المعّلق هو الطريقة الأمثل للشعراء كي يذهبوا إلى العالم الآخر. فهو يُحاكي بساطة أساليب كتاباتهم الأدبية رغم ما فيها من عمق يكشف تعقيدات هواجسهم وأحلامهم وأفكارهم التي كانت تقفز لحيواتٍ أخرى دون أن يشعر من حولهم بذلك.
قبل أربع سنوات، فعلها الشاعر النيكاراغوي فرانسيسكو رويس أوذيل في ليلة رأس السنة الجديدة، محوِّلاُ ذلك العيد إلى حداد.

لكنّ بيذرو مونتي أليغري (سانتياغو - تشيلي 1975)، تريَّثَ قليلاً، ربَّما لم يُرِد إفساد احتفاليَّة الأهل والأصدقاء بدخول عامٍ جديد. لكنَّه، في الوقت نفسه، لم يُمهل ذاته كثيراً بالعيش على عتبات العام الجديد، ليشنق نفسه يوم 11 كانون الثاني/ يناير الجاري، مُتخلِّصاً بذلك من داء الإيدز الذي أعياه لأعوام عديدة، رغم أنّه لم يوقفه يوماً عن مشاريعهِ الثقافية والصحافية.
قبل سنةٍ من تاريخ وفاته، انتقل للعيش في تشيلي بعد قضائه 15 عاماً في فالنسيا الإسبانية، التي كان عضواً في رابطة كُتَّابها. من أعماله "الكلمة المصابة بداء الكلب" و"ابنُ الجميع" و"حيوانٌ نادر".

دُس على ظهري
لم أعُد أنام
في ذاكرة الجنَّة
بل رُبّما في شارعٍ
يهزُّ الأولاد قلبَهُ كقمامة
لم أعد أُبرِقُ
الأمطار السيلوكونيَّة
أسماك الوعي فاسدة
ليسوا سوى جدارٍ
تخدشه خربشاتٌ
وقلوب مهجورة
لا أصعدُ مجداً
وأركب في سيَّارة أيِّ كان.

كفّارة
أقعُ
على وجهي في بركتك
صلواتي طحالبُ طافية
مُنتشيةً تراقب من السماء
أعود على رُكبَتيَّ إلى المدينة التي منحتَني إياها
لا أستطيع مع نفسي أن أُصبح عوداً،
عمود كهرباء،
فيما أنت تمنحنني العرج.
لا أتسوَّل من ذاتي
كي أجدك بين الكراتين،
ربما عليك أن تدعوني إلى كأس من البيرة
كي نتحدّث عن المجد والفداء
وحين أكون ثملاً فقط
أقنعني بما تريد.

اللَّهب
مصابٌ بالحُمَّى ويدك باردة: وَصْمَتكَ كانت علامة خوفي.
كان الموت منِّي يقترب، وكانت يدك نشيداً، وعيناك تُعمياني، وأنا اللاشيء.
وَصْمَتكَ كأسٌ، عليه علامة، وعلامة سعادةٍ أخرى لعناقك اللانهائي.
يدكَ، في الرماد أصطادها، والوجه - الذي هو لي - أعبره.
مهما تكن باردة، لوَصْمَتكَ ألجأ، وأربض،
رغم أنني أحترق في شفتيك، أرتدُّ، وأُؤخرُ قُبلةَ أخي:
علامةُ خوفي كانت شابّاً يُشاهدُ ربّاً مُنكسراً يُدخِّن
.

مزمور انتحار
فضاءات الفضيحة تقذف الهواء. تضحك على نفسها حين تنفجر في العدم وتتحوّلُ إلى بندق أو طيور ليليَّةٍ. عيونها تنبحُ ككلبٍ مريضٍ، يداها ساحرتان فوق النار، لا صوت لها، جسدها يزحف كسلحفاة على الشاطئ. أتجمَّدُ هنا، قافزاً نحو الشعلة: يغلي لعابها كسمكة فوق الملح، يصطك حجابها الحاجز مع صوت الريح. المهرج، المهرج منفتح. ما زال يبتسم، بوجه مغبرٍّ بين فضاءات منغلقة.

تكوين
بدأتُ مزدوجاً. أنكر وأنكر، كلّما تكاثر التين، ولا خشب في شجرته
والبيرة ولا شعيرَ في سنبلتها، ولو واحدة،
والروح في الشتلات مع صوت فنائي وقدم خلودي،
مع المياه القديمة: نبعُ العالم والرب كلُّهُ من أجل عطَشي
بدأَتْ الإلياذات من غير أجزاء ولا أنساب
هكذا ودَّعوني: أبيض بين الملاءات المُعَلَّقَةِ في الهواء
جوعٌ في الطرقات، حقيقةُ حطبٍ محترق
طائرُ فينيق مع منقارٍ يختنقُ بالرماد. أنا أذى العينين
مجعَّدتيْن كالبطن. اللطخة التي لا سبب لوجودها في الخشب المُتحجِّر
أثرك، أثري، يشكِّلان فسيفساء. زجاجٌ ملوَّنٌ يُرسِّخُ
ذاكرتك في صورة. صحن معبدٍ يؤوي الثكالى
شمعتي تقطِّرُ القليلَ من موتك.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

قصص قصيرة جدا

إدواردو غاليانو* ترجمة: أسامة أسبر العالم صعد رجل من بلدة نيغوا، الواقعة على الساحل الكولومبي، إلى السماء. حين عاد وصف رحلته، وروى كيف تأمل الحياة البشرية من مكان مرتفع. قال: نحن بحرٌ من ألسنةِ اللهب الصغيرة. أضاف: العالم كومةُ من البشر، بحر من ألسنة اللهب الصغيرة. كل شخص يشع بضوئه الخاص وليس هناك لسانا لهب متشابهان. ثمة ألسنة لهب كبيرة وأخرى صغيرة من جميع الألوان. ألسنة لهب بعض البشر هادئة بحيث لا تتأجج حين تهب الريح، بينما يمتلك آخرون ألسنة لهب وحشية تملأ الجو بالشرار. بعض ألسنة اللهب الغبية لا تحرق ولا تضيء، لكن ثمة أخرى تفيض بلهب الحياة بحيث أنك لا تستطيع أن تنظر إليها دون أن ترف عيناك، وإذا اقتربت منها تضيئك.   العنب والخمر على فراش الموت، تحدث رجل يعمل في الكروم في أذن مرسليا. قبل أن يموت كشف السر هامساً: "إن العنب مصنوع من الخمر." هذا ما روته لي مارسيلا بيريث-سيلبا، وبعدها فكرتُ: إذا كان العنب مصنوعاً من الخمر، فربما نكون الكلمات التي تروي من نحن. فن للأطفال كانت تجلس على كرسي مرتفع أمام صحن من الحساء على مستوى العين. أنفها مجعد، أسنانها محكمة الإغلاق، وذراعاها

EL TIEMPO ENTRE COSTURAS

رواية اسبانية بنكهة مغربية أصبحت رواية الأديبة الإسبانية ماريا دوينياس "الوقت بين ثنايا الغرز"، التي تدور أحداثها في مدينة طنجة المغربية، إلى ظاهرة حقيقية حيث حققت مبيعات تجاوزت المليون نسخة، كما ترجمت لعدة لغات بينها الإنجليزية والألمانية كما تحولت إلى مسلسل تليفزيوني ضخم، سوف يبدأ عرضه مطلع 2012. وامتد نجاح الرواية ليتجاوز حدود إسبانيا حيث من المقرر أن تظهر ترجمتها الإنجليزية في الولايات المتحدة في نوفمبر المقبل، وفي نفس الشهر سوف يتم تكريم المؤلفة، في معرض جوادالاخارا الدولي للكتاب في المكسيك. وفي تصريحات لوكالة (إفي) قالت الأديبة دوينياس "أنا سعيدة لكل هذا النجاح الذي حققته الرواية، لأنه يؤكد أنها تتناول أحداثا ذات طبيعة كونية. تدور أحداث الرواية حول سيرا كيروجا، مصممة أزياء شابة، تضطر لمغادرة مدريد، بحثا عن حبيب مجهول، إلى أن تعثر عليه في مدينة طنجة التي كانت واقعة في تلك الأثناء تحت الاحتلال الإسباني، ويحاولان الاستقرار هناك. ومرة أخرى تجد سيرا نفسها مضطرة للرحيل إلى تطوان، والتي كانت أيضا تحت الاحتلال الإسباني (1902-1956)، هربا من الديون والشعور بالو

المترجمة بثينة الإبراهيم: الترجمة تقاوم القبح وتدخلنا غابة الكلمات

علي سعيد جريدة الرياض بالنسبة لبثينة الإبراهيم، الترجمة بمثابة مزاولة الرياضة اليومية. المترجمة السورية المقيمة في الكويت، احتفى بها متابعوها على شبكات التواصل لاتمام عامها الأول في نشر مقاطع أدبية واظبت على ترجمتها ونشرها كل صباح، إلى جانب استمرار مترجمة (أشباهنا في العالم) في رفد المكتبة بالأعمال التي نقلتها إلى العربية. عن تجربة الترجمة اليومية، تقول بثينة الإبراهيم: "كان أول مقطع أترجمه منفصلًا –أعني دون أن يكون في مقال أو عمل كامل- في شهر يونيو من العام الماضي، كنت أقرأ رواية لخابيير مارياس وأعجبتني عدة مقاطع من الرواية، كان أولها ذاك الذي يصف فيه يدي امرأة تجلس أمامه في القطار، لم يكن هناك خطة مسبقة لهذا، كان الأمر بسيطًا جدًا في حينها". وحول مسألة الالتزام في الترجمة اليومية، وأهميته على المترجم من حيث تطوير الأدوات وصقل التجربة، تقول الإبراهيم: "ربما لا يلتزم كل المترجمين بترجمة يومية، إلا لو كانوا مرتبطين بأعمال يودون إنجازها سريعًا، لكن من تجربتي الشخصية؛ أجد أنها لا تختلف أبدًا عن ممارسة التمارين الرياضية يوميًا، كلاهما تصقل العضلات والمهارات&q