التخطي إلى المحتوى الرئيسي

العصر الطبشوري

العصر الطبشوري

خوليا  بييّـرا*


 ترجمة: عبدالهادي سعدون

I

الصورة التي حملتني إليك، فنيسيا، وجدتها في مارينا درايف. رطبة كانت نزهة ذلك الشتاء. أحجار الساحل تلمع رمادية، ورمادي حضر شتاء البحر ذاك. بفعل الرطوبة، العديد من دكاكين مارينا درايف شيدت حولها عوارض خشبية ولم تفتح ابوابها. الكل تستهلكه رطوبة برايتون[1] ، يقول أولئك الذين من هناك، لهذا لم يفتح ابوابه خزفي الفنارات الخشبية، ولا ألماني شتوتغارت الذي كان يرسم المائيات، ولا حتى، إيه فنيسيا، بائع عجلات مارينا درايف المستعملة قد فتح دكانه. شتاء برايتون ذاك، كل من يتجول في نزهة على الأقدام، يسير ببطء شديد.
ببطء شديد كنت أتجول في مارينا درايف مساء عثوري على صورتكِ في صندوق الموسيقى. كانت صورة إمرأة من العصر الفكتوري. ترتدين قبعة بيضاء من القش وتسندين الجسد على عكاز ابيض منغرز بحجارة الساحل. ترتدين ثوباً بلون السكر، وبلون السكر أيضاً هو البحر. لا بد أنه الصيف وكنت في عطلة، ربما كنت تتابعين علاجك المائي في منتجع محلي. بدت لي، إيه فنيسيا، أن صورتك كانت حطام ما تبقى من الغرق. ذكرى وحيدة حية من بين كل رطوبة الشتاء ذاك في برايتون.
حول صندوق الموسيقى، ثلاثة نوارس يكللن صورتك. فكرت أنها سمكة. شرحت لهم أنها صورة تاريخية وكنت أرغب بالحفاظ عليها من الرطوبة. تحاورت مع النوارس، إيه فنيسيا، لأحمي صورتك؛ حشرتها بين جسدي وجاكيتي البحري الرمادي اللون الذي يفصلني عن مياه مارينا درايف. وكان كذلك مثل صورتك، صورتك وحدها التي حملتني إليك. 
أتذكر أنها بدأت تمطر. قطرات شحيحة، اخترقت حجر الممرات، بعد حين تشكلت بركاً، مزينة بمئات التيجان المؤقتة، المتشكلة تواً من تضارب القطرات. راقبتها وبدت لي كزخات عفوية تحتفل بمقدم المياه. سقطت زخات بظرف لحظات. ستارة مائية كانت تجتاز الطريق، تخيلي إيه فنيسيا، أنه حتى البحر قد غيم. بينما مارينا درايف قد بدأت تخلو من البشر. فكرت أنهم قد اجتاحهم الخوف من الغرق. قبل أن أهرب، شعرت أيضاً بالحاجة للإبتعاد عن المطر. فعثرت على متحف الصياد، دون حواجز نوافذ من الخشب، المكان الوحيد ليأويك، المكان الوحيد الجاف الذي يستطيع إيواء ذاكرتك.
دخلت في مستودع أبيض كقبو أحتله ما تبقى من سفينة كوين فكتوريا. حتماً تذكرين، إيه فنيسيا، متحف الصياد في مارينا درايف: المستودع القبو الأبيض، وبقايا كوين فكتوريا. هناك، بين عدة الصيد وثياب بحرية، عثرت على صالة صغيرة. كانت صالة معتمة، بجدرانها الأربعة المغطاة بالصور. هناك سيدات وسادة، أطفال وشباب متصورين في مارينا درايف. صور باهتة، بلون السكر، مصفرة، صورتك كذلك، صورتك المنقذة من الغرق، المستلة قبل ساعة كانت معلقة هناك، ببحرها بلون السكر، معروضة في متحف الصياد في مارينا درايف.
سمعت حينها من خلف ظهري:" أرى انها مهتمة بكنز متحفنا"، قال صوت مستهلك، بشهادة سنين من التبغ، ونغمة عميقة بعثر أفكاري كما لو بعثرتها حفنة من الملح. جون بلاكويل، قال لي أن هذا أسمه، وقدم لي قدح شاي. تحدثنا أنا و جون بلاكويل عن حياة بحارة برايتون، عن تطور وسائل الصيد، عن أنواع السفن والقوارب اللواتي مخرن عباب هذه المياه. المطر لم يشجعنا وأنا أنظر الصور العتيقة. "أنها كنزنا"، أصر جون بلاكويل بصوته المبحوح، " أنها سنين طوال، لا بد أنك تفهمينني، أعوام طوال مسؤولاً عن المتحف، لقد مر ناس كثر لمشاهدتها في مارينا درايف. ناس كثر مروا، بسرعة، بدراجاتهم المستخدمة، دون أن يتوقفوا للتمعن بها، لمشاهدة تلك التي تعلمين أنها ها هنا". رأيت صورتك، إيه فنيسيا، فكرت في ذاكرتك المنتعشة في متحف الصياد. كنت قد رأيتك مرتين، مرتان بالساعة نفسها ملتجئة من المياه.
كان يتوجب للحظة ان أبتسم، أن أظهر سروري الذي ينتظره جون بلاكويك وهو يحدثني عنك. تحدث بقناعة عن الفتية وعن الأطفال وعن السيدات الذين يوينون جدران متحف الصياد. سماه عصر الطبشور الذي فيه تعيشون كلكم، كل اولئك المستقرون في رطوبة برايتون، أولئك الذين بقيتم طلقاء بين المياه التي تطوق هذه المدينة. قال أنكم من عهود مختلفة، سكان العصر الطبشوري، لكنكم متعايشون اليوم، الآن، في مارينا درايف، جوار جون بلاكويل و جواري؛ شكلتم جزءاً من المياه المتساقطة، ومن الأمواج المتكسرة أسفل بيير العتيق، ومن رطوبة أحجار الساحل، من كل القطرات، من برك مارينا درايف لهذا الشتاء، من الشتاء الذي مضى والشتاء القادم.
أردت في هذه اللحظة أن أتحد بك. عمدتك فنيسيا كانو العصر الطبشوري، ورغبت لو تقاسمت أشواقي معك؛ رغبت أن أقص عليك رغبتي أن امضي إلى العصر الطبشوري، وان أسقط كالمطر المدرار على برايتون، أن اعتمد على الأمواج لأتمدد، أن أقبض على خمس أحجار بلقمة موجية واحدة، أن أظل قريبة من الملح، لم لا، أن أتحدث وأن تتحول كلماتي لفقاعات هواء متصاعدة، أن تصعد حتى تتسلل من المياه.

II

خلعت قبعتي تحية لك، إيه فنيسيا، بينما أقترب من بيير بالاس. تركت للقطرات أن تنساب على وجهي، ومضيت ببطء تحت المطر، اللسان الخشبي هذا الذي دعاني للدخول في البحر. فكرت بخط الساحل، مكتظ بأذرع اصطناعية تسرق حيزاً من المياه، زوائد مكسوة بالبهارج التي تسيطر على نظرات الزوار. هناك لا أحد يتأمل البحر. لهذا، فنيسيا، سكان بيير بالاس تجاهلوا وجودك، أن يوجد بشر مثلك، سكان عالم سائل يحرس مدينتنا.
حينذاك عندما اشتريت القوقعة. أشتريت القوقعة لأن صورتك لم تعد تكفيني، لأنني أردت أن أسمع صوتك، أن أسمع عنك ما اعتقدته العيش بهذه الصورة في العصر الطبشوري.
و سمعت صوتك في القوقعة، كان لها صوت رغوة بيضاء. رواحها ومجيئها اللطيفان دعوني للجلوس. المطر ينهمر في بلاس بيير وصوتك يحادثني، صوت هادئ، متمهل، فوق السرعة المتأنية للمياه. يحدثني صوتك كيف كنت تتنقلين أفقياً وشاقولياً وكيف تطوع جسدك مع الزمن لتغطية السطوح، وكيف اخترقت كل السدود وعشت في طقوس صاقعة. صوت فتح لي آلاف الأحاسيس التي زارتك في العصر الطبشوري، في عالم التنوع هذا الذي وجدت فيه مدخلاً. كان راغباً بالسفر في بحر سيلان، حيث كنت تقولين أن كل شيء كان يشع ضوءً أخضر، لا يشبه الرمادي الذي يسطع ها هنا في الأعلى؛ هناك، كنت تقولين، كل الأحياء البحرية كانت خضراء بضمنها ورود البحر. حدثتني عن مرجان البحر المتوسط الدافئ، الأحمر اللون، عن المرجان الناري الذي كان يحرق مثل قُراص الأرض. ذكرتني بالحبار الذي يغير لونه ما أن يغضب، والبحريات ذوات الأكياس بعيونها السنورية، وحكيت لي، إيه فنيسيا، عن أسماك مغلفة بغيوم تمنعنا العثور عليها.
لم اعثر عليك كذلك. كنت أنظر صورتك وأسمع صوتك ولكنني كنت أحتاج لأكثر من ذاك. أردت أن اعرف ماذا كنت تخبئين خلف هيئتك البيضاء، والبحر بلونه السُكري والجسد المستند على هذا العكاز، المنغزر بين أحجار الساحل؛ الذي بالخلف من العصر الطبشوري، أبعد من ذلك الكون الأحمر أو ذلك الفردوس الأخضر الذي سمعت عنه منك. كنت أرغب الفهم أين أنتهى هذا العالم الذي كنت تحدثينني عنه، المتمهل، الذي يخطر برواق، فيما لو كان لهذا العالم عمق، وفيما لو كان هذا العمق سرعة.
تلاشى صوتك. أتذكر بدقة الدقائق الأبدية، التي جّملت صمتك. ربما إصراري قد ضيعك للحظة. دون شك، شيئاً فشيئاً، من عمق القوقعة وصلني زئيرك بصورة حلزونية. صرخة، إيه فنيسيا، اتذكرها  جيداً. صرخت للمرة الأولى استحضاراً للأعماق، وتذبذب بعد حين صوتك. صوتك النابض افزعني. نطقت بأسماء كائنات راكدة من سكان الهاوية، تكلمت عن السمكة ـ الأفعى وعن فاكهة البحر، متغذية بالرمال، كنت تقولين، مثل ديداننا، وقادرة على التقيء. هناك كائنات غريبة في الأعماق، أسماك مضطجعة على متنها، تتداور الوضع للإسترخاء، وهناك  أسماك سمراء سامة، كان يقول صوتك المختنق، وابعد هناك، أبعد من أن تصلها يد، حيث تتسيد العتمة بالكامل، عثرت على كائنات بصوت متفرد، أسماك فسفورية، كنت تؤكدين، تماماً هناك حيث تضيع الرؤية.
أخلع قبعتي من أجلك فنيسيا، بينما تحيط جبهتي القطرات حتى يغيم حولي البحر. مياه و مياه. أنصتُّ للأمواج، واحدة وأخرى، مصرة و مكتضة، متممة عملها العادي أسفل بيير بالاس. أقتربت من الحافة لأطل ولأشجعها بإشارة: استمري بالتحطيم، استمري! و صدقيني، لقد اعجبتني هيئتي المتجزئة. في بحرك، شعر لحيتي الرمادية كان سلسلة متنوعة من الديدان المشعة، وفمي العتيق المستهلك بهيئة أفعى، أفعى متحدية، تتحدى متن الأمواج.
لكن جسدي لم يكن في الأمواج. كان له جذع تام، قديم، متعب، وبالخلف مني كان سكان عالمي يدخلون العملات اللامعة في الماكينات اللاتي شكلن شلالات مع عملات لامعة أخرى، سكان عالمي كانوا يشترون مستقبلهم في دكاكين المنجمين و حاضرهم ببضعة شلينات في محلات التسوق؛ يلتقطون الصور، إيه فنيسيا، بكاميرات دون مناظر، بليرة واحدة، سكان عالمي كانوا يصطادون بعقافات حديدية دمى وردية على هيئة دببة في مسابح إصطناعية من دمى وردية بهيئة دببة. وأنا أدير ظهري لهم.
كنت أنظر لقصر بيير القديم، بلا أبهة، متحولاً لهيكل ممتلئ بالهواء؛ تزوره النوارس و تجلده المياه، لا أعرف إن كان يسير إلى هاويته.
كنت أتمعن بك، إيه فنيسيا، في هذه الصورة التي ترتدين بها القبعة، شاهد صيفي على زيارتك لبرايتون للعلاج من مرضك، تقولين أنك لجأت للمياه كي تدافعين ضد ذلك الذي كان يزحف من الداخل لينقض على بياضك و إعتدالك. كنت مريضة بمرض الشيوخ، أخبرك الأطباء، أصوات قاطرة شاحنات وإسم لآلات ميكانيكية. بلا تصاوير، أصروا في العيادة، وبلا ماضي. لكن الآن تعرفين أن صورتك هي كنز في متحف الصياد؛ وأن صورتك هي التي حملتني إليك، أسفل صندوق الموسيقى؛ وأن الصور تغتسل في المياه، وصورتك المبتلة ها هي بين يدي بينما أحاورك يوماً آخر من خلال هذه القوقعة.
تتبلل صورتك بالمطر الرمادي، الهاطل فوق قصر بيير القديم، والذي يحمل معه النوارس. فنيسيا، حدثيني مرة أخرى، أحكي لي قصص كائناتك الكريستالية. قولي لي مرة أخرى أنها متكونة من تسعين بالمائة مياه، وواحد بالمائة فقط  من مواد حية. ذكرتني هيئتها، رائعة إلى درجة أن أي خيال بشري لا يمكنه تخيله، شفافة جداً إذ عبر جدرانها يشع الكل وكل جزء من أجزائها البسيطة.
القطرات تعود، ببركها و سيحانها وتيجانها المائية. من أجلك خلعت قبعتي و نظري يتضبب. مياه، مياه. الأمواج، إيه فنيسيا، الأمواج والمطر، صورتك هنا وربما أنا. أعيريني هذا الصوت الذي يسمي الميدوزا بأذرعها المتطاولة، ويكرر أنها تسبح بإنسيابية بفضل تقلصات جسدها. و تكررين، تكررين أن الأسماك لا تشيج عندما أسير ببطء بين ستائر من قطرات. أمضي على قدمي، لا استخدم الدراجة، وفي كل مرة أكون أكثر اسفنجية؛ كل مرة... اسفنجية.

 برايتون مدينة سياحية تبعد ساعة عن لندن تشكل مع معالمها وساحلها مسرح مجموع هذه القصيدة النثرية.[1]
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ولدت الشاعرة خوليا بييرا  JULIA PIERA في مدريد عام 1970. درست علوم الإقتصاد، وفي فترة لاحقة تخصصت بالآداب الأوربية. لها أكثر من كتاب في النقد والترجمة. عملت في الفترة الأخيرة مديرة لمعهد ثربانتس في دبلن. ظهرت نصوصها الشعرية منشورة في العديد من المجلات الثقافية المعروفة، وتم إدراجها في أنطلوجيات شعرية مختلفة مثل؛ 11 مارس قصائد للذكرى 2004، حقل مفتوح 2005، شعراء بالأسود والأبيض 2006، شراكات 2008، وآخرها (كلمات على كلمات: 13 شاعراً شاباً، 2010).

عدد من قصائدها شكلت الموضوعة الرئيسية للوحات الرسام الإسباني المعروف خسوس إيبانيث، كما لحن الموسيقار البريطاني جوف غولد قصائد أخرى لها.

من أعمالها الشعرية: عند أعالي الرمال 2003، مثل هذه العصافير المحنطة 2004، محاورات مع ماري شيلي 2006، و بويرتو ريكو ديجتال 2009.
عن موقع شهريار

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

قصص قصيرة جدا

إدواردو غاليانو* ترجمة: أسامة أسبر العالم صعد رجل من بلدة نيغوا، الواقعة على الساحل الكولومبي، إلى السماء. حين عاد وصف رحلته، وروى كيف تأمل الحياة البشرية من مكان مرتفع. قال: نحن بحرٌ من ألسنةِ اللهب الصغيرة. أضاف: العالم كومةُ من البشر، بحر من ألسنة اللهب الصغيرة. كل شخص يشع بضوئه الخاص وليس هناك لسانا لهب متشابهان. ثمة ألسنة لهب كبيرة وأخرى صغيرة من جميع الألوان. ألسنة لهب بعض البشر هادئة بحيث لا تتأجج حين تهب الريح، بينما يمتلك آخرون ألسنة لهب وحشية تملأ الجو بالشرار. بعض ألسنة اللهب الغبية لا تحرق ولا تضيء، لكن ثمة أخرى تفيض بلهب الحياة بحيث أنك لا تستطيع أن تنظر إليها دون أن ترف عيناك، وإذا اقتربت منها تضيئك.   العنب والخمر على فراش الموت، تحدث رجل يعمل في الكروم في أذن مرسليا. قبل أن يموت كشف السر هامساً: "إن العنب مصنوع من الخمر." هذا ما روته لي مارسيلا بيريث-سيلبا، وبعدها فكرتُ: إذا كان العنب مصنوعاً من الخمر، فربما نكون الكلمات التي تروي من نحن. فن للأطفال كانت تجلس على كرسي مرتفع أمام صحن من الحساء على مستوى العين. أنفها مجعد، أسنانها محكمة الإغلاق، وذراعاها

EL TIEMPO ENTRE COSTURAS

رواية اسبانية بنكهة مغربية أصبحت رواية الأديبة الإسبانية ماريا دوينياس "الوقت بين ثنايا الغرز"، التي تدور أحداثها في مدينة طنجة المغربية، إلى ظاهرة حقيقية حيث حققت مبيعات تجاوزت المليون نسخة، كما ترجمت لعدة لغات بينها الإنجليزية والألمانية كما تحولت إلى مسلسل تليفزيوني ضخم، سوف يبدأ عرضه مطلع 2012. وامتد نجاح الرواية ليتجاوز حدود إسبانيا حيث من المقرر أن تظهر ترجمتها الإنجليزية في الولايات المتحدة في نوفمبر المقبل، وفي نفس الشهر سوف يتم تكريم المؤلفة، في معرض جوادالاخارا الدولي للكتاب في المكسيك. وفي تصريحات لوكالة (إفي) قالت الأديبة دوينياس "أنا سعيدة لكل هذا النجاح الذي حققته الرواية، لأنه يؤكد أنها تتناول أحداثا ذات طبيعة كونية. تدور أحداث الرواية حول سيرا كيروجا، مصممة أزياء شابة، تضطر لمغادرة مدريد، بحثا عن حبيب مجهول، إلى أن تعثر عليه في مدينة طنجة التي كانت واقعة في تلك الأثناء تحت الاحتلال الإسباني، ويحاولان الاستقرار هناك. ومرة أخرى تجد سيرا نفسها مضطرة للرحيل إلى تطوان، والتي كانت أيضا تحت الاحتلال الإسباني (1902-1956)، هربا من الديون والشعور بالو

ظننتُ أنّ أحداً لم يعد يقرأني

  قصة: خايمي بيلي * ترجمة عن الإسبانية :  غدير أبو سنينة   سيّارة أجرة تمرّ أمام جدارية في العاصمة البيروفية ليما، آذار/ مارس 2022  عند وصولي إلى مدينة الغبار والضباب (يقصد ليما)، أعلن أحد عناصر طاقم الطائرة عبر مُكبِّر الصوت، وبنبرة مُبتهجة، كأنّما ينقل لنا أخباراً طيّبة، أننا سنستخدم دَرَجاً قديماً للهبوط، وسنضطرّ لحمل أمتعتنا واستقلال الحافلة، لنمارس رقصة الكومبيا عند كلّ منعطف نمرّ به، حتى من دون وجود موسيقى في الخلفية: يا مرحباً بكم في الفوضى ! ما إن يصل المسافرون، حتى يسيروا بأقصى سرعة كأنهم يُشاركون في مسابقة رياضية، كأنّ هناك جائزةً تُمنح لمن يصل أوّلاً إلى مكتب ضابط الهجرة. والحقيقة أنّ أحداً لا يصل أوّلاً، إذ يُصادفهم طابور طويل عريض مُتعرّج، يزحف مثل أفعى تُحتضر. لا جوائز، الجميع معاقَب بسبب البطء المُستفزّ لمن ينفّذون القانون بلا مبالاة .  بعد اجتياز عدّة ضوابط صارمة، يستقبلنا السائق بحذَر ويقودنا إلى الشاحنة المُدرَّعة، ذات النوافذ المُظلَّلة، يعرفُني باقي السائقين، يُحيُّونني بصُراخهم، يتبعونني، الحمقى، يعرضون علي خدماتهم، ويطلبون منّي بقشيشاً. أبدو لهم شخصاً فا