التخطي إلى المحتوى الرئيسي

المغرب والمغاربة بأقلام إسبانية

بقلم: عبد الله توتي*

كثيرا ما نجد النص الرحلي مليئا بآراء وأحاسيس الرحالة تجاه مكان ما أو شيء معين في فضاء المغايرة أو الهناك. هذا ما يجعل الرحلة تلعب دورا في إظهار العلاقة الموجودة ما بين الرحالة من جهة والآخر وفضائه من جهة ثانية.
هذا ما سأحاول إبرازه من خلال هذه الدراسة الصغيرة المتواضعة، إذ اقتصرت فيها على إبراز نظرة بعض الرحالة الإسبان إلى المغرب والمغاربة في فترة الاستعمار من خلال نصوص مقتبسة من ثلاثة كتب لثلاثة رحالة عاشوا هذه الفترة فنقلوا لنا حال المغرب والمغاربة بصورتهم الخاصة.

وبما أن الكتاب إسبانيون، والنصوص إسبانية فإني اضطررت إلى ترجمة هذه النصوص إلى العربية، وإن كنت لم أركز على فعل الترجمة بقدر ما ركزت على الصورة، حتى أتمكن من نقلها وإبرازها للمتلقي العربي غير الناطق بالإسبانية.
وللإشارة، فالدراسات الاستشراقية ليست بحديثة العهد بل عرفت دارسين كبارا نذكر منهم المفكر الفلسطيني الراحل إدوارد سعيد من خلال كتابه المشهور الاستشراق 1978 الذي عمد فيه إلى دراسة علاقة الغرب بالشرق من خلال الأدبين الإنجليزي والفرنسي. ثم جاء بعده مجموعة من التابعين من مختلف اللغات والثقافات ونذكر منهم خاصة فيما يتعلق بموضوعنا أستاذي الكبير إدريس السوناني من خلال كتابه: من مدريد إلى تطوان:
DE MADRID A TETUAN/ UNA TENDENCIA ANTE BELICA SOBRE MARRUECOS. .
و آخر ما صدر في هذا المجال:
.LO MORO/ José Gonzáles Alcantud وهو أستاذ بجامعة غرناطة

نظرة بعض الرحالة الإسبان إلى المغرب والمغاربة في فترة الاستعمار:

كثيرة هي النصوص الأدبية الإسبانية التي نجدها تتحدث عن المغرب خاصة في فترة الاستعمار، لكن غالبا ما نجدها تتحدث عنا بصفة العدو اللدود.

هذه الفكرة تدفع الرحالة دون شعور إلى أن يبحث عن الهفوات والجوانب السلبية للمغاربة لينقلها للآخر، فهو في هذا الحال يستخدم أحاسيسه أكثر من عقله، فنجده ينطلق من وصف الواقع ليختم نصه برأي سلبي منبعث من أحاسيسه الشخصية؛ فيكون بذلك الهدف من النص ليس هو الوصف بحد ذاته ولكن إظهار جانب سلبي أو إعطاء رأي شخصي في حق الموصوف، فيكون الوصف في هذه الحالة أداة للإقناع والبرهنة ليس إلا. هذا مع تصوير الأشياء وتفسيرها حسب الهوى دون احترام ثقافة الآخر، فيجعلون من "الحبة قبة" كما يقال، وهذا ما نجده في النص التالي لكاتبه:

(إن حضور المرأة الإسلامية في سبتة وتطوان وشفشاون والعرائش من أول ما يبهر الإسبان. أولئك النساء القرويات الأمازيغيات ذوات اللباس الأبيض البهي والقبعات القشية تكشف عن خصلات شعر لامع كالحرير. تصادفهن في السوق بسلع من الدجاج والخضر أو في الشارع بأولادهن غالبا أو بجرات ماء على أكتافهن... نساء قويات فرضن أنفسهن، بجانبهن نساء متحضرات أو أقل تحضرا... وجوه مستورة لا يظهر منها سوى عيون سوداء مليئة بالألغاز، ثاقبة نظراتها، وأحيانا أجسام ملفوفة في جلابيب بخطوات متزنة لا تخلو من إغراء... غير أن بعضهن يحملن حقائب ثمينة ويلبسن جلابيب من الحرير... ألا يحس هذا الجندي بانجذابه نحو هؤلاء النسوة؟)
JOSE MARIA RODRIGUEZ MENDEZ

Los ojos negros, penetrantes, anunciaban un constante misterio. Algunos vestían ricas chilabas sedosas y portaban ricos bolsos. ¿ qué carpeta ve túnico soldadito no se sintió atraído por la presencia de estas mujeres?
La presencia de las mujeres musulmanas en las ciudades de Ceuta ; de Tetuan, de Xaun, de Larache era lo primero que encandilaba los ojos de los peninsulares. ¡Aquellas mujeres campesinas, de la tierra beréber, vestidas de blanco, con sus pintorescos y vistosos sombreros de paja; que vendían verduras o agua! Llevaban la cara morena y expresiva cubiertas de tatuajes y bajo el enorme sombrero de paja dejaban ver el pelo reluciente y sedoso. Mujeres campesinas, fuertes, llenas de presencia. A lado de ellas, se veían a las mujeres mas o menos urbanas, siempre con el rostro cubierto- salvo rarísimas excepciones – en vueltas en sus oscilantes chilabas; andando con un movimiento rítmico no exento de incitante sexualidad. Muchas de ellas llevaban a sus hijos de la mano, o colgado de la espalda mediante un pañuelo anudado.
PUDRIENDOME CON LOS ARABES، Ed, cit, pp 34 – 35

لقد انطلق الكاتب في هذا النص من وصف النساء المغربيات المسلمات، وانتهى برأي شخصي يكمن في كون الزي الإسلامي أكثر إغراء من الزي الإسباني الأوربي، و هذا ما أراد توضيحه حين قال (في حركات لا تخلو من إغراء) و كذا في تساؤله (ألا يحس هذا الجندي بانجذابه تجاه هؤلاء النسوة؟)

إننا عندما نقرأ النص نحس بأن الكاتب لا يهمه الوصف إطلاقا، وإنما استغرابه وتساؤله عن حال الجنود الإسبان دفعه إلى الوصف حتي يقنع القارئ ويوهمه بأن ما يقوله حقيقة تستوجب السؤال؛ فيكون بذلك قد بلغ هدفه ألا وهو السخرية من الديانة الإسلامية والمسلمين المغاربة. وكأنه يقول بصارح العبارة: إنكم أيها المسلمون لا تطبقون من الإسلام شيئا، أو إن إسلامكم فيه تناقض.
هذه الفكرة لا يكف الكاتب عن الدفاع عنها وتأكيدها فيعود ليطرحها من جديد خلال النص التالي:
(ترى في الرباط أكثر من أي مدينة أخرى الكثير من المسلمين، رجال ونساء بالزي الأوربي يملؤون كراسي البارات الفاخرة ويتابعون الموسيقى دون إعادة الحفاظ (أو إنه انطباعي) على الجزء غير القابل للاختزال من أنفسهم... الواجهات الزجاجية المضاءة تعرض منشورات أدبية مقروءة، كل الخراء الأدبي الذي أذهل و لوث قسطا كبيرا من شباب الجنوب).

Por Rabat se veía mas que en ciudad alguna a muchos musulmanes, hombres y mujeres, vestidos a la europea ; sentados en las barras de los lujosos bares, frecuentando los “dancing” sin reguardar ( o era impresión mía) la parte irreducible de se si mismos(…) los escaparates iluminados ofrecían en accesibles ediciones vistosas toda la mierda literaria que ha atonado y podrido a muy buena parte de la juventud meridional.
JOSE MARIA RODRIGUEZ MENDEZ; Pudriéndome con los árabes; ed, cit, p 91
فالكاتب هنا كذلك قد اقتصر على إظهار الثغرة من جانب الدين (رجال و نساء بالزي الأوربي يملؤون كراسي البارات الفاخرة..) و إبراز التقدم الذي حققه المستعمر الفرنسي في تغيير طريقة تفكير الشباب المغربي. هذا من جانب، أما من جانب آخر نجد الكاتب يستهزئ وينتقد المستوى الثقافي لشباب الجنوب. بعبارة أكثر وضوحا إن الكاتب ضد كل ما ليس إسبانيا، إنه متأثر مثله مثل شخصية الدون كيخوته الذي جعل من كل شيء متحرك عدوا إلى أن وصل به الحال إلى مصارعة الطواحين الهوائية.
ومسألة العدو هذه ليست بالجديدة في العلاقة المغربية الإسبانية، بل هي قديمة إذ نجد نصوصا رحلية يعود تاريخها إلى القرن السابع عشر، وهذا ما سجلته من خلال كتاب عتبات الكتابة للدكتور عبد النبي ذاكر إذ يقول:
(وسيشهد القرن السابع عشر ميلاد عناوين فهرسية جدالية منسجمة مع عنوان المؤلف، ومنغرسة في لحظتها التداولية المتوترة. ولاستيعاب هذا التحول نسوق مسرد كتاب ( ناصر الدين على القوم الكافرين وهو السيف الأشهر على كل من كفر) لأحمد بن قاسم الحجري افوقاي.
الباب الأول: ذكر ما وقع لي بمدينة غرناطة مع القسيس الكبير في شأن الرق الذي وجد في الصومعة القديمة وشيء من الكتب التي وجدت في خندق الجنة بقرب غرناطة مكتوبة بالعربية في رق من رصاص من الزمن القريب بعد سيدنا عيسى عليه السلام.
الباب الثاني: في قدومنا إلى بلاد المسلمين وما اتفق لنا عند خروجنا من بين النصارى سالمين منهم بعد أن كنا في أيديهم متعرضين للهلاك بلطف من الله تعالى.)
(عبد النبي ذاكر: عتبات الكتابة، الطبعة الأولى 1998/ رقم الإيداع 1571/98 ص 62)

ففي عنوان الكتاب نفسه تتضح العداوة من خلال عبارتي: القوم الكافرين/ السيف الأشهر على كل من كفر. كما تتضح كذلك من خلال الباب الثاني إذ يحمد الله على خروجه من بين أيادي النصارى الإسبان سالما. فقد اعتمد أحمد بن قاسم الحجري أفوقاي في فهرسة كتابه على بعض مقومات قول الحقيقي والواقعي كما وضح ذلك الدكتور عبد النبي ذاكر:


هذه المقومات غالبا ما يستخدمها الرحالة، إلا في بعض الأحيان حيث يلجأ إلى الحكم دون تبريره تبريرا كافيا وهذا ما نجده لدى بعض الكتاب الإسبانيين مثل أوخنيو نويل من خلال كتابه (ما رأيته في الحرب، يوميات جندي):
(سكان قبائل الحسيمة دواب مفسدة إلى درجة يصعب تصور الفساد الأخلاقي الذي وصلوا إليه. منافقين وفوضويين كبار ومزاجهم البائس لا يتجاوز غريزتهم المتمردة والشرسة)
1- التركيز على نقل التجربة الشخصية الواقعية (ما وقع لي.. ما اتفق لي) 2- الحديث عن النقلة الفعلية (في قدومنا إلى- في رجوعنا)
  Los moros de las cabilas de Alhucemas son unos malos bichos. Difícilmente podéis imaginaros hasta que grado de prostitucion moral llegan. Su hipocresía seria tan grande como su ruindad, si su miserable carácter no sobre pujara a su instinto cobarde de matones.
LO QUE VI EN LA GUERRA. DIARIO DE UN SOLDADO, ed.cit; p 301

هذه الأحكام، بلا شك، عامة تشمل الرجال والنساء على حد سواء كما تشمل المغاربة أجمعين لأن الحسيمة جزء من المغرب والجزء له علاقة بالكل.

الغريب في النص كما أسلفت الذكر هو أن الكاتب أقصى مجموعة من الأدلة الإقناعية إلا واحدا فاكتفى بذكر المزاج. غير أن هذه الكلمة كافية لإقناع العديد من القراء خاصة وأن الكاتب كما قلت عايش الحدث فالتجأ إلى وصف المغاربة بأبشع الأوصاف، أوصاف لا يمكن أن يقولها إلا عدو حقود إلى أقصى درجة.

إن تلك الأوصاف البشعة لا يصفون بها البشر المغربي فقط، بل كل ما له علاقة بالمغاربة أو كل ما تدخلت فيه يد مغربية.

(جمال تطوان لا يبهرني. تبدو لي تطوان قرية موسخة، نتنة الرائحة، مظلمة حتى في الأيام المشمسة. لذا حسب رأيي يجب أن تتحول الشمس إلى كل تلك المناطق التي تخلو من أهمية حسب الفنانين مثل: ساحة إسبانيا وزنقة الهلال وطريق سبتة، أرى الشمس أوربية فأحس بي أوربيا مثلها)

La belleza de Tetuán no me impresiona, me parecía un pueblo sucio, maloliente , tenebroso aun en los días de sol. Al sol debía sucederle lo que a mi puesto que se vertía alborotadamente en todos aquellos lugares que según los artistas, carecían de interés y de sugestión : la plaza de España, la calle de la luneta, la carretera de Ceuta. Yo veía el sol muy europeizado y me sentía tan europeo como él.
JOSE DIAZ FERNANDEZ: EL BLOCAO. Ed, cit;pp 48-49
ومن خلال هذه النصوص أستطيع أن أقول أنها لا تخرج عن نطاق جملة إدوارد سعيد الشهيرة (الشرق مشهد مسرحي يكون فيه الجمهور والمخرج والممثلون لإمتاع أوربا). وما الاستشراق حسب سعيد إلا وسيلة إغواء جنسية كما يظهر ذلك في العديد من الكتابات خاصة في كتابات النهضة حيث النساء مخلوقات لفنطازية الرجل المستبد، ويعطين انطباعات لشهوانية لا حدود لها، وهن غبيات بهذا القدر أو ذاك، لكنهن راغبات.
أن يبحث الاستشراق عن مشاعر حية للواقع الإنساني، أو حتى الواقع الاجتماعي للشرقيين – على أنهم سكان معاصرون في عالم حديث – هو أمر لا جدوى منه البتة. هكذا يؤكد سعيد أن لا أحد يمكنه أن ينتظر مدحا من عدوه، بقدر ما يمكنه أن ينتظر هجاء ونقدا سلبيا.

المصادر:
- RODRIGUEZ MENDEZ , JOSE MARIA : P udriendome con los arabes , barcelona , edp. 1974
- NOEL, EUGENIO : Lo que vi en la guerra. Diario de un soldado. Barcelona la neotipia; 1912
- DIAZ FERNANDEZ, JOSE : El blocao. Madrid imp Argis 1928
- عتبات الكتابة. مقاربة لميثاق المحكي الرحلي العربي. د. عبد النبي ذاكر. الطبعة الأولى 1998
.

* كاتب و صحافي ومترجم من المغرب

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

قصص قصيرة جدا

إدواردو غاليانو* ترجمة: أسامة أسبر العالم صعد رجل من بلدة نيغوا، الواقعة على الساحل الكولومبي، إلى السماء. حين عاد وصف رحلته، وروى كيف تأمل الحياة البشرية من مكان مرتفع. قال: نحن بحرٌ من ألسنةِ اللهب الصغيرة. أضاف: العالم كومةُ من البشر، بحر من ألسنة اللهب الصغيرة. كل شخص يشع بضوئه الخاص وليس هناك لسانا لهب متشابهان. ثمة ألسنة لهب كبيرة وأخرى صغيرة من جميع الألوان. ألسنة لهب بعض البشر هادئة بحيث لا تتأجج حين تهب الريح، بينما يمتلك آخرون ألسنة لهب وحشية تملأ الجو بالشرار. بعض ألسنة اللهب الغبية لا تحرق ولا تضيء، لكن ثمة أخرى تفيض بلهب الحياة بحيث أنك لا تستطيع أن تنظر إليها دون أن ترف عيناك، وإذا اقتربت منها تضيئك.   العنب والخمر على فراش الموت، تحدث رجل يعمل في الكروم في أذن مرسليا. قبل أن يموت كشف السر هامساً: "إن العنب مصنوع من الخمر." هذا ما روته لي مارسيلا بيريث-سيلبا، وبعدها فكرتُ: إذا كان العنب مصنوعاً من الخمر، فربما نكون الكلمات التي تروي من نحن. فن للأطفال كانت تجلس على كرسي مرتفع أمام صحن من الحساء على مستوى العين. أنفها مجعد، أسنانها محكمة الإغلاق، وذراعاها

EL TIEMPO ENTRE COSTURAS

رواية اسبانية بنكهة مغربية أصبحت رواية الأديبة الإسبانية ماريا دوينياس "الوقت بين ثنايا الغرز"، التي تدور أحداثها في مدينة طنجة المغربية، إلى ظاهرة حقيقية حيث حققت مبيعات تجاوزت المليون نسخة، كما ترجمت لعدة لغات بينها الإنجليزية والألمانية كما تحولت إلى مسلسل تليفزيوني ضخم، سوف يبدأ عرضه مطلع 2012. وامتد نجاح الرواية ليتجاوز حدود إسبانيا حيث من المقرر أن تظهر ترجمتها الإنجليزية في الولايات المتحدة في نوفمبر المقبل، وفي نفس الشهر سوف يتم تكريم المؤلفة، في معرض جوادالاخارا الدولي للكتاب في المكسيك. وفي تصريحات لوكالة (إفي) قالت الأديبة دوينياس "أنا سعيدة لكل هذا النجاح الذي حققته الرواية، لأنه يؤكد أنها تتناول أحداثا ذات طبيعة كونية. تدور أحداث الرواية حول سيرا كيروجا، مصممة أزياء شابة، تضطر لمغادرة مدريد، بحثا عن حبيب مجهول، إلى أن تعثر عليه في مدينة طنجة التي كانت واقعة في تلك الأثناء تحت الاحتلال الإسباني، ويحاولان الاستقرار هناك. ومرة أخرى تجد سيرا نفسها مضطرة للرحيل إلى تطوان، والتي كانت أيضا تحت الاحتلال الإسباني (1902-1956)، هربا من الديون والشعور بالو

ظننتُ أنّ أحداً لم يعد يقرأني

  قصة: خايمي بيلي * ترجمة عن الإسبانية :  غدير أبو سنينة   سيّارة أجرة تمرّ أمام جدارية في العاصمة البيروفية ليما، آذار/ مارس 2022  عند وصولي إلى مدينة الغبار والضباب (يقصد ليما)، أعلن أحد عناصر طاقم الطائرة عبر مُكبِّر الصوت، وبنبرة مُبتهجة، كأنّما ينقل لنا أخباراً طيّبة، أننا سنستخدم دَرَجاً قديماً للهبوط، وسنضطرّ لحمل أمتعتنا واستقلال الحافلة، لنمارس رقصة الكومبيا عند كلّ منعطف نمرّ به، حتى من دون وجود موسيقى في الخلفية: يا مرحباً بكم في الفوضى ! ما إن يصل المسافرون، حتى يسيروا بأقصى سرعة كأنهم يُشاركون في مسابقة رياضية، كأنّ هناك جائزةً تُمنح لمن يصل أوّلاً إلى مكتب ضابط الهجرة. والحقيقة أنّ أحداً لا يصل أوّلاً، إذ يُصادفهم طابور طويل عريض مُتعرّج، يزحف مثل أفعى تُحتضر. لا جوائز، الجميع معاقَب بسبب البطء المُستفزّ لمن ينفّذون القانون بلا مبالاة .  بعد اجتياز عدّة ضوابط صارمة، يستقبلنا السائق بحذَر ويقودنا إلى الشاحنة المُدرَّعة، ذات النوافذ المُظلَّلة، يعرفُني باقي السائقين، يُحيُّونني بصُراخهم، يتبعونني، الحمقى، يعرضون علي خدماتهم، ويطلبون منّي بقشيشاً. أبدو لهم شخصاً فا