التخطي إلى المحتوى الرئيسي

هواجس اوليغاريو


هواجس اوليغاريو 

ترجمة توفيق البوركي

لم يكن أُوليغاريو بارعا، فقط، في التنبؤ والتكهّن بما سيحدث مستقبلا، بل كان دائم الاعتداد بقدراته الذهنية، أحيانا يبقى مستغرقا في التأمل للحظات، ثمّ يقول: "غدا سوف تمطر"، وتمطر. في أحايين أخرى يحكّ عنقه، و يعلن أن الرقم 57 هو من سيتصدر السباق يوم الثلاثاء، وفي ذلك اليوم يكون الرقم 57 هو المتصدّر. وهكذا إلى أن نال إعجابا منقطع النظير بين أصدقائه.
بعض هؤلاء الأصدقاء يتذكرون أشهر تخمينات أُوليغاريو. حدث أن كانوا يتمشون أمام الجامعة، عندما علا نفير شاحنة رجال المطافئ مخترقا الأجواء الصباحية، فابتسم أُوليغاريو  خُفية وقال: "من المحتمل أن منزلي يحترق في هذه الأثناء ".
طلبوا سيارة أجرة، وكلفوا السائق بتعقُّب رجال المطافئ، الذين سلكوا طريق الريفييرا، فتدخل أُوليغاريو مجددا: "أنا الآن شبه متأكد أن منزلي يحترق". لزم الأصدقاء صمتا، ينمّ عن الاحترام ولم ينبسوا بشيء، فلطالما كانت قدراته محط إعجابهم وتقديرهم.
تابع رجال المطافئ طريقهم وسلكوا شارع برييرا، وقد بلغ القلق ذروته. وبعد أن داروا ناحية الشارع الذي يقطن فيه أُوليغاريو، بقي الأصدقاء، حينها، جامدين إزاء التوقع. 
فقد توقفت الشاحنة، أخيرا، أمام منزل أُوليغاريو المشتعل، وبدأ رجال المطافئ التحضير بسرعة للترتيبات اللازمة لإخماد الحريق. ومن حين لآخر ، كانت بعض شظايا نوافذ الطابق العلوي  تتناثر في الأجواء .
بكل رصانة، نزل أُوليغاريو من السيارة، وعدل ربطة عنقه، وبتواضع المنتصر تقدم لاستقبال تهاني الأصدقاء !!!


النص للكاتب الأوروغوياني ماريو بندتي : (1920-2009) Mario Benedetti

للإطلاع عن النص الأصلي يرجى زيارة الرابط التالي:
http://ciudadseva.com/textos/cuentos/esp/benedett/bomberos.htm

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

9 من أفضل روايات أمريكا الجنوبية ننصحك بقراءتها

من البرازيل وحتى المكسيك، من تشيلي لبيرو ومرورًا بكوبا والإكوادور، في تلك البلاد والمجتمعات التي عانت كثيرًا من الاستعمار وقاومت لعقود عبر عشرات الثورات، من تلك البلاد الساحرة والمجتمعات الثرية بالحكايات كان أدب أمريكا اللاتينية جديرًا بالتبجيل والانتشار . ذلك الجمال الأدبي الساحر، والقصص والحكايات الإنسانية التي أبدع كتاب أمريكا الجنوبية في نسجها. ومن آلاف الكُتاب وعشرات الآلاف من الكتب والروايات الساحرة المنتمية لتلك البيئة نرشح لكم تلك الروايات التسعة .

المترجم عمر بوحاشي: الترجمة من الإسبانية للعربية تعرف قفزة نوعية بفضل ظهور جيل من المترجمين وتحديدا في شمال المغرب

حاورته: إيمان السلاوي يكشف المترجم المغربي عمر بوحاشي، في هذا الحوار، آخر أعماله المترجمة التي تهم رواية "الكوخ" للكاتب الإسباني بيثينتي بلاسكو إيبانييث، وكذلك عن إصداراته الأخيرة، ويقدم رؤية عن واقع الكتب المترجمة من الإسبانية إلى العربية في المغرب التي يعتبرها ذات مستقبل واعد . والمترجم حاصل على جائزة الترجمة من المعرض الدولي للنشر والثقافة بالدار البيضاء سنة 2014، عن رواية بعنوان "لسيدة بيرفيكتا" للكاتب المخضرم، بينيتو بيريث غالدوس، يؤكد أن “الترجمة تخلق نوعا من التفاعل الثقافي، وفتح الحوار بين الحضارات، وتساهم في انفتاح الشعوب على بعضها لتتعارف أكثر”. ويعتبر بوحاشي من جيل المترجمين الذين نقلوا أهم الكتب الإسبانية التي ساهمت في تشكيل المغرب في المخيلة الإسبانية خلال العقدين الأخيرين. فقد ترجم رواية "عيطة تطاون" لبينيتو بيريث غالدوس التي تعتبر منعطفا في الروايات التي كتبت حول المغرب لأنها تميزت بواقعية لم يعتدها الإنتاج الأدبي الإسباني حول الجار الجنوبي للإسبان .

قصص قصيرة جدا

إدواردو غاليانو* ترجمة: أسامة أسبر العالم صعد رجل من بلدة نيغوا، الواقعة على الساحل الكولومبي، إلى السماء. حين عاد وصف رحلته، وروى كيف تأمل الحياة البشرية من مكان مرتفع. قال: نحن بحرٌ من ألسنةِ اللهب الصغيرة. أضاف: العالم كومةُ من البشر، بحر من ألسنة اللهب الصغيرة. كل شخص يشع بضوئه الخاص وليس هناك لسانا لهب متشابهان. ثمة ألسنة لهب كبيرة وأخرى صغيرة من جميع الألوان. ألسنة لهب بعض البشر هادئة بحيث لا تتأجج حين تهب الريح، بينما يمتلك آخرون ألسنة لهب وحشية تملأ الجو بالشرار. بعض ألسنة اللهب الغبية لا تحرق ولا تضيء، لكن ثمة أخرى تفيض بلهب الحياة بحيث أنك لا تستطيع أن تنظر إليها دون أن ترف عيناك، وإذا اقتربت منها تضيئك.   العنب والخمر على فراش الموت، تحدث رجل يعمل في الكروم في أذن مرسليا. قبل أن يموت كشف السر هامساً: "إن العنب مصنوع من الخمر." هذا ما روته لي مارسيلا بيريث-سيلبا، وبعدها فكرتُ: إذا كان العنب مصنوعاً من الخمر، فربما نكون الكلمات التي تروي من نحن. فن للأطفال كانت تجلس على كرسي مرتفع أمام صحن من الحساء على مستوى العين. أنفها مجعد، أسنانها محكمة الإغلاق، وذراعاها...