التخطي إلى المحتوى الرئيسي

الأبوروفوبيا (رهاب الفقراء): ليست رفضا للأجنبي وإنما هي رفض للفقير

حوار مع الفيلسوفة الإسبانية أديلا كورتينا


ترجمة: توفيق البوركي




مدخل:

أنا أدعى أديلا كورتينا، أستاذة جامعية، أدرس مادة الأخلاق والفلسفة السياسية.

كتبت عدة كتب من بينها:

 لماذا تصلح الإيثيقا واقعيا؟"  و"الأبوروفوبيا، رفض الفقراء".

 

نص الحوار:

سؤال: أود منك لو تشرحي قليلاً معنى الأبوروفوبيا (رهاب الفقراء)، وما الذي يحمله هذا المفهوم؟

جواب: كنت أتساءل هل هذا الرفض الكبير للأجنبي هو رفض عامّ أم أن الأمر يسري فقط على نوع محدد من الأجانب دون آخر. لأنه عند قدوم السياح، نكتب في الجرائد بحماس كبير:

"لقد وفد إلينا 81 مليون سائح هذا العام".

القضية، إذن، تتعلق بالأجانب الآخرين الذين يأتون من دون مال، الذين يأتون من الجانب الآخر لمضيق جبل طارق، في حالتنا. في الولايات المتحدة، قاموا بوضع سياج فاصل لمنع المكسيكيين، لكن أيضا لمنع النيكاراغويين، ومنع... لكن في المقابل، لم يُوضع لمنع عرب الخليج.

كل هذا المزيج يقودنا إلى التساؤل، وهذا يحصل في جميع البلدان، هل من يزعج، في الحقيقة، هم الأجانب؟ أم أن من يزعج هم الفقراء سواء كانوا أجانب أم كانوا من أبناء الوطن؟ يبدو لي أن من يثير الإزعاج هم الفقراء وبالإضافة إلى ذلك، فهذا الأمر عابر للأجناس، فكما تزعج النساء الفقيرات، فالفقراء من الرجال يزعجون...

كل هؤلاء مثيرون للإزعاج عنما يكونون فقراء. حسنا، يبدو لي أن الظاهرة عالمية وأنه كان من المفروض إيجاد اسم لها، لأنه إذا لم يتم ذلك، فالظاهرة موجودة، ولا نشعر بها. وبالمقابل، فتأثيرها كبير.   

لحسن الحظ، في عام 2017، تم وضع الكلمة وأُدْرِجَتْ في قاموس الأكاديمية الملكية. ورهاني، حاليا، هو محاولة عولمتها وإدراجها في جميع قواميس اللغات الأخرى.

لأن الطريقة الوحيدة لندرك أن شيئا ما موجود ... لا أقول الوحيدة، ولكن واحدة من الطرائق لندرك أن هناك شيئا موجودا هي أن نضع له اسما.

سؤال: ما الذي يجعل هذا الفقير يتعرض للرفض؟

جواب: الفقر شيء غير مرئي. لهذا السبب كان من المهم، على الأقل، أن تكون هناك كلمة لهذا النوع من الرُّهاب، الذي لا يختلف عن باقي الأنواع الأخرى.

نحب أن نكون مع أولئك الذين يشبهوننا... وهذا من شأنه أن يكون أصل كراهية الأجانب (الإكزينوفوبيا)، نحب أن نكون مع أولئك الذين يتحدثون مثلنا ... لأنه، على امتداد تشكّل الدماغ، في فترة النمو، كنا نتماهى مع أولئك الذين ينتمون إلى جماعتنا، في مواجهة الجماعات الخاصة بالأجانب، الخ.

لكن هناك خطوة أخرى، والتي تبدو لي مهمة جدا، وهي أننا معشر البشر عبارة عن حيوانات "اجتماعية"، على استعداد للعطاء في مقابل الأخذ. وبالتالي، فالأساس الذي يقوم عليه مجتمعنا هو أساس تعاقدي. فنحن نعيش على هذه القاعدة: "أنا مستعد لأداء واجباتي طالما الدولة تحمي حقوقي. وأنا على استعداد لإلقاء دروسي طالما أنهم يدفعون لي راتبا في المقابل. أنا على استعداد ... لهذا الأخذ والعطاء، ونحن نعيش في مجتمع قائم على التبادل، والتعاقد، والمواثيق. ولكن ماذا عن أولئك الذين ليس لهم، على ما يبدو، شيئا مهما ليقدموه؟

تدخل: ليقدموه، بالطبع.

جواب: ليس بمستطاعهم تقديم شيء كمقابل. نحن معتادون على: "اليوم عليك، وغدًا علي"، إلخ.

وبهذا فأولئك الذين لا يمكن أن يقدموا شيئا في المقابل، هم الفقراء. لذلك، فإن كلمة "aporophobia" تتكون من: "aporos"، وتعني "الفقراء" باللغة اليونانية، و"phobos"، وهو تعني الخوف والريبة". ورفض الفقراء، في رأيي له أصل في الدماغ البشري، وبالتالي فالظاهرة عالمية.

لأنه أمام من لا يستطيع منحنا شيئا مثيرا للاهتمام كمقابل، أو هكذا نعتقد، فما نفعله هو التأهب لرفضه وتهميشه.

سؤال: وتربويا، كيف يمكننا أن نشتغل ...؟

جواب: تربويا، أولا هناك خبر ممتاز، مفاده أن الدماغ عبارة عن كتلة لَدِنة.

الدماغ كتلة لدنة، هذا هو منطلق التربية. إذ باستطاعتنا تغييره.

تدخل: تغييره

جواب: يمكننا تشكيل دماغنا، شخصيتنا، طباعنا ...ميولاتنا توجهاتنا.  بهذا المعنى، أعتقد، أن مهمة التربية مثيرة للغاية.

لأن ما هو واضح، من بين أشياء أخرى كثيرة، هو أن الأبوروفوبيا (رهاب الفقراء) تتعارض مع الكرامة الإنسانية ومع الديمقراطية. فيجب أن تكون الديمقراطية، بالضرورة، دامجة

في حين أن الأبوروفوبيا إقصائية.

لا يمكن أن يكون هناك مجتمع تسود فيه الأبوروفوبيا والديمقراطية في الوقت نفسه. وفي المقابل، فكل المجتمعات التي أعرفها هي مجتمعات لا تخلو من الأبوروفوبيا.

يبدو الأمر مذهلا حقا لفئة الشباب. لكن لماذا؟ لماذا نفعل هذا؟ لهذا السبب يبدو لي أن التربية أمامها الكثير لتفعله.

أعتقد، إذن، أن الأبوروفوبيا، في هذا السياق، فكرة يجب القضاء عليها. والمسألة لا تقتصر على جانب التربية بل أيضا على الجانب المؤسساتي.

علينا أن نضع حدا للامساواة في القرن ال 21.

هذا شيء واضح.


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

قصص قصيرة جدا

إدواردو غاليانو* ترجمة: أسامة أسبر العالم صعد رجل من بلدة نيغوا، الواقعة على الساحل الكولومبي، إلى السماء. حين عاد وصف رحلته، وروى كيف تأمل الحياة البشرية من مكان مرتفع. قال: نحن بحرٌ من ألسنةِ اللهب الصغيرة. أضاف: العالم كومةُ من البشر، بحر من ألسنة اللهب الصغيرة. كل شخص يشع بضوئه الخاص وليس هناك لسانا لهب متشابهان. ثمة ألسنة لهب كبيرة وأخرى صغيرة من جميع الألوان. ألسنة لهب بعض البشر هادئة بحيث لا تتأجج حين تهب الريح، بينما يمتلك آخرون ألسنة لهب وحشية تملأ الجو بالشرار. بعض ألسنة اللهب الغبية لا تحرق ولا تضيء، لكن ثمة أخرى تفيض بلهب الحياة بحيث أنك لا تستطيع أن تنظر إليها دون أن ترف عيناك، وإذا اقتربت منها تضيئك.   العنب والخمر على فراش الموت، تحدث رجل يعمل في الكروم في أذن مرسليا. قبل أن يموت كشف السر هامساً: "إن العنب مصنوع من الخمر." هذا ما روته لي مارسيلا بيريث-سيلبا، وبعدها فكرتُ: إذا كان العنب مصنوعاً من الخمر، فربما نكون الكلمات التي تروي من نحن. فن للأطفال كانت تجلس على كرسي مرتفع أمام صحن من الحساء على مستوى العين. أنفها مجعد، أسنانها محكمة الإغلاق، وذراعاها

EL TIEMPO ENTRE COSTURAS

رواية اسبانية بنكهة مغربية أصبحت رواية الأديبة الإسبانية ماريا دوينياس "الوقت بين ثنايا الغرز"، التي تدور أحداثها في مدينة طنجة المغربية، إلى ظاهرة حقيقية حيث حققت مبيعات تجاوزت المليون نسخة، كما ترجمت لعدة لغات بينها الإنجليزية والألمانية كما تحولت إلى مسلسل تليفزيوني ضخم، سوف يبدأ عرضه مطلع 2012. وامتد نجاح الرواية ليتجاوز حدود إسبانيا حيث من المقرر أن تظهر ترجمتها الإنجليزية في الولايات المتحدة في نوفمبر المقبل، وفي نفس الشهر سوف يتم تكريم المؤلفة، في معرض جوادالاخارا الدولي للكتاب في المكسيك. وفي تصريحات لوكالة (إفي) قالت الأديبة دوينياس "أنا سعيدة لكل هذا النجاح الذي حققته الرواية، لأنه يؤكد أنها تتناول أحداثا ذات طبيعة كونية. تدور أحداث الرواية حول سيرا كيروجا، مصممة أزياء شابة، تضطر لمغادرة مدريد، بحثا عن حبيب مجهول، إلى أن تعثر عليه في مدينة طنجة التي كانت واقعة في تلك الأثناء تحت الاحتلال الإسباني، ويحاولان الاستقرار هناك. ومرة أخرى تجد سيرا نفسها مضطرة للرحيل إلى تطوان، والتي كانت أيضا تحت الاحتلال الإسباني (1902-1956)، هربا من الديون والشعور بالو

ظننتُ أنّ أحداً لم يعد يقرأني

  قصة: خايمي بيلي * ترجمة عن الإسبانية :  غدير أبو سنينة   سيّارة أجرة تمرّ أمام جدارية في العاصمة البيروفية ليما، آذار/ مارس 2022  عند وصولي إلى مدينة الغبار والضباب (يقصد ليما)، أعلن أحد عناصر طاقم الطائرة عبر مُكبِّر الصوت، وبنبرة مُبتهجة، كأنّما ينقل لنا أخباراً طيّبة، أننا سنستخدم دَرَجاً قديماً للهبوط، وسنضطرّ لحمل أمتعتنا واستقلال الحافلة، لنمارس رقصة الكومبيا عند كلّ منعطف نمرّ به، حتى من دون وجود موسيقى في الخلفية: يا مرحباً بكم في الفوضى ! ما إن يصل المسافرون، حتى يسيروا بأقصى سرعة كأنهم يُشاركون في مسابقة رياضية، كأنّ هناك جائزةً تُمنح لمن يصل أوّلاً إلى مكتب ضابط الهجرة. والحقيقة أنّ أحداً لا يصل أوّلاً، إذ يُصادفهم طابور طويل عريض مُتعرّج، يزحف مثل أفعى تُحتضر. لا جوائز، الجميع معاقَب بسبب البطء المُستفزّ لمن ينفّذون القانون بلا مبالاة .  بعد اجتياز عدّة ضوابط صارمة، يستقبلنا السائق بحذَر ويقودنا إلى الشاحنة المُدرَّعة، ذات النوافذ المُظلَّلة، يعرفُني باقي السائقين، يُحيُّونني بصُراخهم، يتبعونني، الحمقى، يعرضون علي خدماتهم، ويطلبون منّي بقشيشاً. أبدو لهم شخصاً فا