سارا نافاس
ترجمة: توفيق البوركي
كتب خابيير كاستيّو Javier Castillo (مالقة، 1987) روايته الأولى، في سنّ السابعة والعشرين، خلال رحلات القطار إلى
مقر عمله حيث يشتغل مستشارا ماليا في أحد مكاتب الاستشارات. كان يمضي في الكتابة
أقلّ من ساعتين في اليوم؛ وهي المدة التي يستغرقها في الذّهاب والعودة من مالقة
حيث يشتغل إلى فوينخرولا حيث يعيش. ومثل هذا الوقت يمضيه الكثيرون وعيونهم مثبتة
إلى شاشات هواتفهم النقالة. رفيقه كان حاسوبه المحمول الذي استغله ليخرج إلى
الوجود، في ظرف سنة ونصف، رواية الإثارة الرومانسية "اليوم الذي ضاع فيه
عقلي".
"قرأت العديد من الرّوايات
المنشورة والتي أعتقد أنّها كانت أسوأ بكثير من روايتي" يقرّ خابيير كاستيّو
لمُحاوِرَته. لهذا تحمّس وربط اتصالات مع مجموعة من دور النشر نهاية سنة 2014، بعد
أن انتهى من كتابة الرّواية. تلقى جوابًا من دار نشر واحدة فقط، أخبره القائمون
عليها أنهم سيتواصلون معه، لكن بعد مرور 13 شهرا ولأن كمّ المخطوطات الواردة عليهم
يفوق طاقتهم، قرّر كاستيّو عدم الانتظار أكثر.
"لم يكن لذلك معنى، فقد كنت حينها موظّفًا، وكانت
الكتابة بالنّسبة لي مجرّد هواية. ما كنت أريده من كلّ هذا هو أن يقرأ لي أحد ما،
وهكذا حمّلت الرّواية على موقع أمازون وحددت ثمنها في ثلاثة يوروهات، ثمّ أخبرت
أصدقائي المقرّبين بما فعلت ونسيت الأمر" يقول كاستيّو موضّحًا. بعد مُضيّ
أسبوعين أراد أن يتأكد إن كان أحد أصدقائه قد اقتنى الكتاب ولكن ما اكتشفه فاق كل
توقّعاته: روايته تحتل صدارة المبيعات في إسبانيا وتظهر إلى جانب رواية كين فوليت
وبريث ريفيرتي.
"ظننت أنّ هذا الترتيب يراعي الحروف الأبجديّة، لأنّني
لم أكن قادرًا على تصديق ما أرى. فقد بدأت، بين عشية وضحاها، أبيع ألف نسخة في
اليوم على موقع أمازون". وصلتْ روايته الأولى إلى طبعتها
الثالثة والثلاثين، ويعد كاستيّو، الذي ألف أربع روايات وحقق رقم مبيعات وصل إلى
615000 نسخة، ثالث أكثر الكتّاب مبيعًا في إسبانيا (خلف أرتورو بريث ريفيرتي
وفرناندو أرامبورو)، وهي أرقام تجاوزت على نطاق كبير متوسّط معاملات قطاع
النشر. فوفقًا لتقرير حول قطاع النشر في إسبانيا صدر سنة 2018 عن
فيدرالية الناشرين الإسبان، فكل عنوان لديه معدل سحب يقارب 3762 نسخة.
وقد نشر الكاتب، الذي يبلغ من العمر الآن 33 سنة، روايته
الرابعة "فتاة الثّلج" (متوفرة في المكتبات الإسبانية منذ 12 من شهر مارس
الجاري) ويسترجع مع مُحاورته الدّوامة التي حصلت مع طفرته الرّقمية. "بعد متابعة
ظاهرة المبيعات الرّقمية، اتصلت بي العديد من دور النّشر مبدية اهتمامها بالرّواية.
وقد كتبت لي ناشرتي الحالية تغريدة تطلب منّي فيها ألاّ أوقع عقدًا مع أي طرف كان،
لأنهم يهتمون جدّيا بالموضوع، وبعد يومين قدّموا لي عرضًا". وهكذا بدأت مغامرة
خابيير كاستيّو، الذي واصل الذّهاب يوميًّا إلى العمل في مالقة لأنه كان يعتقد أنه
باع بالفعل كل ما يمكنه بيعه على موقع أمازون إلى جانب دار نشر سوما دي ليتراس
التي أصدرت النسخة الورقية للرّواية. "سُحب من الطبعة الأولى للرواية 8000 نسخة،
ومنذ ذلك الحين بيع منها حوالي 500000 نسخة واحتلّت صدارة المبيعات لأسابيع طويلة.
أتذكّر أنّهم في دار النّشر كانوا يتّصلون بي يوميّا ليخبروني أن ما يحصل هو أمر جنوني".
ولكن النجاح المُتسارع الذي حققه كاستيّو
لم تكن له علاقة كبيرة بحظ المبتدئين. فروايته الثانية "اليوم الذي ضاع فيه الحب"،
وهي تتمة للرواية الأولى، احتلت لثمانية أسابيع صدارة المبيعات عند صدروها في يناير
2018. أما الرواية الثالثة "كل ما حصل مع ميراندا هوف" التي صدرت في شهر
مارس 2019 فقد صمدت لعشرة أسابيع متواصلة في صدارة الكتب الأكثر مبيعا. ومثلما أوضح
خيسوس رويز مانتيّا في مقال نشر في جريدة الباييس EL PAÍS سنة 2018، فإلى جانب
إليسيت بينابينت Elisset Benavent وإيفا غارسيا ساينس دي أوريرتي Eva García Sáenz de
Urturi، فإن خابيير كاستيّو هو "أحد أعظم السحرة الذين حققوا أفضل المبيعات
باللغة الإسبانية"، وتحديدا رواية الإثارة والرواية السوداء. تمكن هؤلاء المؤلفون
الثلاثة من نشر وبيع الكتب بسرعة مذهلة دون أن يتوقع أي شخص هذه المستويات من الشعبية
عند بداياتهم التي لم تحظ بدعم النّاشرين.
وفي المقابل، فثالث أكثر الكتّاب مبيعًا في إسبانيا
لا يلقى مواكبة واهتمامًا نقديّا بأعماله يوازي حجم الاهتمام الذي يلقاه من الجمهور
الذي يتهافت على رواياته في المكتبات الإسبانية.
تنتمي أعمال كاستيّو الروائية -رواية سوداء، سريعة الإيقاع، واستعراضية-إلى
مجال أدب التّرفيه والتّسلية، والرّوايات سريعة الاستهلاك، والتي لا تظهر عادة في المنشورات
الأدبية. يعترف الكاتب أنه لم يفهم، في البداية، سبب لامبالاة النّقاد وهو الكاتب
الذي يبيع مئات الآلاف من النّسخ، لكنّه مع مرور الوقت، رأى في ذلك نوعًا من العدل؛
فهناك مجموعة من الكتب كانت بحاجة إلى التّرويج أكثر من كتبه وقد حظيت باهتمام لم ينله
هو من طرف وسائل الإعلام.
"يبدو لي الآن أنه من الرائع ألا يتحدّثوا
عني، لدرجة أن الأمر يمنحني إحساسًا براحة البال. صحيح أنني لم أتفهّم الوضع من قبل،
ولكن الآن أعتقد أنه شيء جيّد. الشيء الوحيد المهم هو أن يقرأ لك الناس. عدا ذلك فالمسألة
مرتبطة بإرضاء غرور الأنا وهذا هو أسوأ عدو يواجهه أيّ كاتب، لأنه يجب أن تكون على
استعداد لئلا تبيع شيئا وألاّ تحظ بإعجاب أحد. فالأمر في النهاية يتعلق بالاستمتاع
يومًا بعد يوم مع العائلة والأصدقاء ".
يكتب خابيير، بثقة ورزانة،
رواياته في المكتبة العامة لفوينخرولا محاطًا بالطلاب والمهتمين
("صرنا نعرف بعضنا لأنها نفس الوجوه التي تحضر دائمًا")، وبالكاد يظهر اسمه
في وسائل الإعلام. لكن في كلّ مرة يحضر فيها حفل توقيع رواية من روايته، فالآلاف من
الأشخاص يتحملون الانتظار لساعات ليتقاسموا معه بعض اللحظات.
يتابعه أكثر من
300000 شخص على موقع الإنستغرام، وترجمت كتبه إلى لغات عدّة. وقد استدعي لحضور الغذاء
السنوي الذي يقيمه القصر الملكي بمناسبة احتفالية جائزة ثيرفانتس، وتجاذب أطراف الحديث
مع الملك فليبي السادس وعقيلته الملكة لتيثيا حول مواضيع ذات طابع أدبي. حتى أن الكاتب
جويل ديكر، كاتبه المفضل، امتدح روايته في كلمة قرّر مع ناشره وضعها على ظهر
غلاف روايته الثالثة ("خابيير كاستيّو هو بلا شك الظاهرة الجديدة في الأدب الأوربي").
حاول كاستيّو، لبعض الوقت،
التوّفيق بين مسيرته الأدبية الوليدة والوظيفة التي كانت مصدر رزقه طيلة ستّ سنوات،
وأيضا مسؤوليته كأب، لأنه رُزق بمولودته غالا قبل شهر واحد فقط من نشر سوما دي ليتراس
لروايته الأولى. "قضيت الكثير من الوقت في العمل بعيدًا عن البيت. فلم أستطع الاستمتاع
بالنجاح الذي تحققه روايتي، ولم أتمكن من رؤية ابنتي وقتما أردت. لقد كان وقتًا صعبًا،
إذ كلما حملت غالا بين ذراعي كانت تبكي وأدركت وقتها أنني لا أستطيع الاستمرار على
هذا النّحو. كنت بحاجة إلى وظيفة تسمح لي بأن أكون في البيت لأستمتع أيما استمتاع بالأبوّة
تجاه ابنتي وبالنجاح الذي تحقق لي من الكتابة ". وهكذا ودّع خافيير كاستيّو الاستقرار
الوظيفي ليراهن على حياته الجديدة بوصفه كاتبًا. "لم أكن أعلم البتة ما إذا كان
هذا الوضع سيستمر، لكن ما كنت أعلمه هو أنني بحاجة إلى المحاولة."
يستطيع كاستيّو، بعد
ثلاث سنوات من اتخاذه لهذا القرار، أن يقول بأنه كان مُصيبا فيما فعل، لكنه واع تمامًا
أنّ ما حصل معه لم يكن عاديّا. "إنه أمر بالغ التّعقيد أن يحدث لشخص ما نفس ما
حصل معي. لدي مداخيل جيدة ومبيعات كتبي تمكّنني من العيش في رخاء؛ لكن الكثير من أصدقائي
الكتّاب لا يتعدى حجم مبيعاتهم 10000 نسخة وهذا أمر مثير للسخط" يقول كاستيّو
معترفًا في الآن نفسه أن الكاتب إن هو أراد العيش من كتبه فيجب عليه أن يبيع 15000
نسخة سنويًّا. "علاوة على ذلك، يتيح لك إمكانية التّوفير، والأكثر من ذلك أنه
يسمح لك بفاصل زمني بين كتاب وآخر. أما إذا كنت تبيع مائة ألف نسخة، فيمكنك التّفكير
في إنجاز كتاب كلّ ثلاث سنوات. لكن أولئك الذين وصلوا لهذا المستوى هم ثُلّة من المحظوظين،
فالأمر ليس سهلاً. وأغلب الكتاب لهم وظائف أخرى بالموازاة مع احتراف الكتابة".
لقد أتاح له بيع أكثر
من نصف مليون كتاب فرصة تحقيق أحد الأحلام التي كان يتقاسمها مع زوجته فيرونيكا دياز
(المعروفة باسم Just Coco): وهو تشييد منزل به مسبح وحديقة حيث يمكنه تربية طفليه؛
غالا ذات الثلاث سنوات، وبرونو الذي أتم عامه الأول. يُشرك الزوجان متابعيهما في حياتهما
اليوميّة عبر قناة على اليوتيوب أنشأتها فيرونيكا عام 2016. وعبرها يظهر خابيير مرّات
كثيرة وهو يكتب بينما زوجته تكشف عن تفاصيل حياتهم اليومية للمتابعين 900000 في شبكات
التواصل الاجتماعي. سمحت قناة اليوتيوب، التي تديرها فيرونيكا، لكاستيّو بالوصول إلى
جمهور لم يكن ليقرأ له دونها. "ومما لا شك فيه أن القناة تُقرّبك من الأشخاص الذين
لا قبل لهم بمعرفتك. خاصة وأن مشتركيها من النساء اللواتي تعودن قراءة الروايات الرومانسية،
ثم ينتقلن، بداعي الفضول بعد ظهوري في مقاطع الفيديو، إلى قراءة روايات الجريمة".
فضلاً عن ذلك، يقول صاحب رواية فتاة الثلج: " فاليوتيوب يسمح بإبراز بعض الأمور
التي تخصّ أسرتنا وأيضا يظهر ما يوجد وراء الكتابة".
في غضون بضعة أشهر،
سينقل الظاهرة خافيير كاستيّو صفحات روايته إلى شاشات أجهزة التلفزيون والحواسيب، ولكن
على الرغم من أنه متحمّس للفكرة، إلاّ أنه لا يستطيع الحديث كثيرًا حول الموضوع.
"الرّوايتان الأوليان ستتحوّلان إلى مسلسل، وأنا الآن أساعد في إنجاز الجزء التّمهيدي
من السيناريو". ويبقى زمان ومكان عرض المسلسل سرّا بالنسبة لقرّاء الرّوايتين
الذين فاق عددهم نصف مليون قارئ.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
© خاص بالمدونة
تعليقات
إرسال تعليق