التخطي إلى المحتوى الرئيسي

اَللَّعِبُ

قصة: باتريسيا إِسْتِيبَانْ إِرْلِيسْ

ترجمة: لحسن الكيري

أعيش تحت وطأة العقاب. عندما أطل من باب غرفتي الموارب أسمع ضجيج أصواتهم عبر فتحة الدرج.
 كانت أمي تنشج بصوت خفيض بينما كان أبي يرفع نبرته عندما يتكلم عن تلك المصحة السويسرية التي أوصاه الطبيب أوكامبو بأن يودعني فيها. أستمع إلى وقع أقدامه، بلوب بلوب بلوب، وصوته يقترب ويبتعد بعد ذلك لأنه لم يكف عن التحرك من جانب إلى آخر كنمر الحديقة الأصفر. إنه من دون شك يمشي ويداه خلف ظهره كما يفعل عندما يكون قلقا بينما أمي تبكي وهي جالسة في مقعدها وساقاها مجتمعان جدا ومنديل أبيض اللون مكور بين يديها. يجب أن نتخذ قرارا يا مرسيدس يقول لها أبي، وبعد ذلك يعم الصمت.
   سيأخذانني إلى هنالك، لا أدري إن كانت لا وريتا ستأتي معي أم لا لكنني متأكدة من أنهما سيأخذانني إلى هنالك. أنت المذنبة، أقول لها وأنا قلقة جدا وأنعطف انطلاقا من الباب. تبتسم أختي التوأم لاوريتا وهي جالسة على الفراش وتهز كتفيها. إنها متعودة على الإفلات من جميع العقوبات ورغم أنني أفعل فقط ما تأمرني به فإنها تنفلت دائما.
   سيحلقون شعري من منابته في ذلك الكوليج الحقير الخاص بالبنات السيئات، سيلبسونني لباسا مخيطا من الأكياس، سيحبسونني في غرفة مليئة بالفئران والصراصير وسأشرب فقط من ماء المطر الذي يمكن أن أجمعه براحة يدي من بين قضبان نافذة صغيرة. لقد قلتُ لهم الحقيقة لكن لم يصدقوني. أنا خائفة. الآن أبكي بصوت خفيض، هيهيهيهي، مثل كلبنا خاسبير المضطجع في ظل شجرة صفصاف عندما اقتربت منه وتذكار نصر أبي في يدي. لقد احتل أبي المرتبة الثالثة في بطولة النادي السنة الماضية فأهدوه ذلك الرجل البرونزي الحقير بقبعة وعصا جولف مرفوعة، والذي كان وزنه ثقيلا. في الحقيقة لم يكن لدي أي حساب أصفيه مع خاسبير. كانت أختي لاوريتا، كما تفعل دائما، هي من أمرتني بأن آخذ ذاك التذكار من الخزانة الزجاجية وأن أربطه في طرف الحبل الذي نقفز عليه، هي من همست إليّ بأن خاسبير كان يعاني كثيرا من الروماتيزم وكان من الأفضل أن أربط بإحكام الطرف الآخر من الحبل بعنقه. لقد رفضت ذلك في البداية كما هي العادة لكن لاوريتا قالت لي بأننا سنلعب عندها لعبة الموت إن لم أفعل، فأطعتُها.
   كان خاسبير أعمى وبالكاد كان يستطيع أن يحرك رجليه الخلفيتين لأنه كان قد بلغ الاثنتا عشرة سنة. تباكى بصوت خفيض عندما انحنيت إلى جانبه كي أداعب أذنيه الطويلتين والمجعدتين كشعر أحد الملوك الفرنسيين المستعار ولم يكف عن فعل ذلك بينما كنت أحمله بين ذراعي حتى حافة المسبح. بعد ذلك رأيته يتخبط بسرعة في تلك المساحة محاولا أن يطفو على السطح لكن القوى ما فتئت أن خانته فورا لينزل إلى القعر. عندما نظرت إليه هنالك في الأسفل، هامدا جدا، فكرت بأنه لم يكن ليثير الكثير من الأسف لأنه في واقع الأمر لم يكن يبدو كلبا صغيرا وإنما ظِلَّ عنكبوتٍ أسود وغليظٍ جدا. بعد ساعة كنت أنا ولاوريتا قد اضطجعنا بهدوء كبير جدا في فراشي ونحن نقرأ معا في نفس كتاب "الخمسة" الذي كان يعجبنا كثيرا بينما سمعنا صراخ أمي في الحديقة.
   في الحقيقة، أصبحت لاوريتا مزعجةً مؤخرا غير أن أبي لم يكن ليصدق ولا كلمة مما أقول بينما كانت أمي تشرع في البكاء عندما أتهم لاوريتا بكونها هي من تجبرني على فعل بعض الأشياء. بالطبع، هما ليسا مجبرين على أن يصدقا لعبة الموت الصغير وإنما سيفعلان كذلك كل ما ستطلبه منهم. أكره تلك اللعبة يا أميمتي العزيزة، بحت إلى أمي للمرة ما قبل الأخيرة، إن لاوريتا خبيثة وتقول إنها ستموت أمام عيني إن لم أطعها. لكن أمي نظرت إلى وكأنها لم تفهم، بعينيها المفتوحتين كصحنين وبعض قطع دميتها عطيل الصغير بين يديها دون أن تكف عن الهمس مرة بعد أخرى، لماذا فعلت ذلك، فكتوريا، لماذا؟ لم تكن هي تتصور الأسف الذي شعرتُ به عندما رطمتُ بالأرض تلك الدمية الخزفية السوداء التي كانت في ملكية جدتي الكوبية. هذا إلى درجة أني أغمضت عيني كي أفعل ذلك. كنت أعرف أن ذلك الصغير ذا اللون الشوكولاتي واليدين الصغيرتين والغليظتين المرفوعتين وكأني به فرح جدا وسيشرع في التصفيق بين الفينة والأخرى، قد كان آخر تذكار تبقى لأمي من أمها. كان عطيل الصغير جميلا حقا، جميلا جدا. كان يبتسم بفمه المفتوح وأسنانه الشديدة البياض وحتى أنه كان ذا زغب أسود مجعد في أعلى رأسه الصغير. لقد حاكت له جدتي سيلفيا قميصا وسروالا أزرق سماويا منقطا والذي كان يرتديه بالإضافة إلى حذاء صغير بأصداف من اللؤلؤ بحيث كانت أمي تغسل تلك الملابس كل أسبوع لكيلا يعلق بها الغبار في أعلى الخزانة. بعد ذلك، وبينما كانت الملابس تجف في الظل، كانت أمي وهي ملفوفة في منشفة بيضاء كما لو كانت كنزا تفرك بقطعة قماش مبتلة ذراعي وساقي عطيل الصغير ووجهه الأسود السعيد، وهي تدندن بأغنيةِ مهدٍ كانت جدتي سيلفيا قد علمتها إياها عندما كانتا تعيشان في هافانا. كنت أعرف كم كان سيؤلمها أن تجد عطيل الصغير منكسرا إلى قطع، بل سينكسر قلبها هي الأخرى كذلك إلى ركام من القطع بحيث لن يكون باستطاعة أحد إصلاحه كما كان من قبل. غير أن لاوريتا جمعت ذراعيها وحركت رأسها من اتجاه إلى آخر بينما كنتُ أتوسل إليها مهدية إياها كُللي الزجاجية الزرقاء وحوض السباحة بالأرجل النحاسية الخاص ببيت دُمَايَ، وحتى المِدلاة الذهبية التي كانت قد أهدتها إلى عرَّابتنا. يا لكِ من حمقاء، قالت لي. ما حاجتي إلى مدلاة توجد في خصلة شعري، إن جاز لي أن أسأل؟ كسِّري الدمية أو نلعب، قالت. وما أتذكره بعد ذلك هو أنها جعلتني أصعد فوق أحد المقاعد كي يصبح عطيل الصغير في متناولي، والذي كان هنالك كما هو الحال دائما جالسا وسعيدا جدا في زاويته من خزانة والدي المصنوعة من الجوز. ولا حتى الارتطام المهول مع القرميد استطاع أن يفقده ابتسامة شفتيه، وإنما شطرها له إلى شطرين فقط.
    تنحيت بسرعة عن الباب لأنني سمعت خطى أمي المتعبة في أسفل الدرج. جريت نحو السرير ودفعت لاوريتا فجأة كي تفسح لي مكانا. تصنَّعي، أمي قادمة، قلت لها مغمغمة. وهكذا جلسنا باستواء وشرعنا في اللعب بالحجر، الورق أو المقص. توقفت أمي بمحاذاة الباب وطرقته طرقتين خفيفتين جدا ثم سألت: هل أنت هنا يا فيكتوريا؟ وفعلت ذلك بصوت حزين جدا جعل حنجرتي ترتعش إثر إجابتها بنعم وأننا نحن الاثنتين ها هنا نلعب بهدوء. كنت أعرفُ أن أمي كانت تكتم نحيبها في الجانب الآخر وتنتظر قليلا ويدها في مقبض الباب قبل أن تدخل. لم نقل شيئا أنا ولاوريتا عندما رأيناها تدخل. اكتفينا فقط بالضحك في أذنينا كي تهدأ هي وترى أن الكل على ما يرام في تلك الساعة. لكن أمي لم تبتسم. كانت تبدو كالشبح الحزين. كانت قد بدأت تبرز في كل رأسها بعض الشعرات البيضاء الفضية بينما كان لباسها الأسود المخيف والذي يساوي ضعفي قامتها يعطيها هيئة فظيعة. جلست في فراش لاوريتا وسوت المخدة التي تتخذ شكل قلب وبعدها نظرت إلي.
لماذا، يا فكتوريا؟
   ها نحن. تتكلم معي أنا فقط كما هي العادة فتمحي الابتسامة من وجهي. أقلق، أقلق كثيرا. أريد أن تصدقني فأبدأ في الحكي لها مرة أخرى من البداية عمَّا تعلق بالموت الصغير كي تتأكد من أنني لا أكذب. لقد بدأت أحمر من الحنق. أغمض عيني. أقول لها إن لاوريتا ألحت على لعب ذلك أول مرة ذات أحدٍ صباحا، بعد الرجوع من القُدَّاس وأنها كانت تلح على معاودة فعل ذلك. حكيت لها كيف كنا نصعد الدرج جريا بينما كان أبي يجلس في الصالون وهو يقرأ يوميته في حين كانت هي تتوجه إلى المطبخ كي تشرف على أعمال طباختنا متجلدي. كنت أمشي بخطوات خلف لاوريتا وهي تَخِبُّ إلى غرفة نومهما والتي كانت مكانها الأثير كي تموت. إذن، كانت تضطجع على فراش الزوجية بينما ترفع ذراعها مشيرة إلى بإيماءة متغطرسة كي أغلق باب الغرفة. وهكذا كنت أفعل. لم أكن أملك أن أخالف لها أمرا رغم أن ذلك اللعب كان يخيفني كثيرا.
   طلبت منِّي أمي أن أتفضل بالهدوء لكنني لم أعرها اهتماما. عوض ذلك قلت لها على أني لم أكن أتحمل النظر إلى لاوريتا عندما كانت تبقى هامدة جدا، لكني لم أكن أستطيع فعل أي شيء آخر. كنت أبقى جنب السرير وأنا أنظر إلى شعرها الأسود يطفو فوق المخدة الناعمة كشعر تلك الممثلة المشهورة المتحجر والتي ألقت بنفسها في أحد الأنهار وظهرت في جميع الجرائد. عندما كانت أختي تغمض عينيها كان الأمر كما لو أن جميع النّجيمَات البيضاء تنطفئ فجأة والتي كانت تلمع في داخلهما. كانت لاوريتا تشبه دميةً أكثر من أي وقت مضى. كان يخيفني أن أنظر إلى خياشيمها بحليتها وهدبها الطويلة المحنطة حول جفنيها ويديها الصغيرتين المتقاطعتين فوق صدرها واللتين تشبهان يدي جدتها سيلفيا. كان ذلك عندما أتى ذاك الرجل الرشيق عن خدمة دفن الموتى وقال لنا بأننا يمكن أن نذهب لرؤيتها لأنها كانت قد جهزت للتشييع. كان ذاك اللباس الحريري الذي كانت أمي تلبسنا إياه نحن الاثنتين معا في أيام الآحاد لم يعد يشبه لباسي وتحول إلى كمه ثابتة لمصباح صغير. كان ساقا لاوريتا يبدوان كعَصَوَيْنِ صغيرتين مغمدتين في جوربيها البيضاوين اللذين انتهيا بحذاء جلدي أسود لامعٍ جدا وباطنه لا زال حديثا.
   أنا كنت على قيد الحياة بينما كانت أختي لاوريتا قد غادرت إلى درا البقاء. وأنا جامدة جنب السرير، كان الواقع واللعب يمتزجان فيتحولان إلى شيء واحد. لقد كنت على قيد الحياة بينما أختي التوأم قد غادرت إلى دار البقاء. كنت أحس بالذنب بينما كنت أمشي وأرتعش كما الورقة وعيناي مليئتان بالدموع التي بالكاد كنت أحتويها، في حين قد بقيت أختي هامدة إلى الأبد والحذاء في رجليها. لقد كان ذلك أكثر سوءا، حذاؤها الحديث الذي لن يبلى أبدا. عندها عدوت نحو الخزانة، فتحتها واختبأت داخلها. بقيت منكمشة هنالك وقتا طويلا إلى أن شرعت لاوريتا في الضحك والقفز فوق الفراش صائحة بي بأني حمقاء وجبانة فانزعجت وخرجت حانقة عندما لم أعد قادرة على المكوث هناك وخداي محمران جدا بسبب غياب الهواء.
   لم أعد قلقة، الآن أضحك بينما أتذكر وجهي الأحمر كالطماطم وقهقهتا لاوريتا المجلجلة وهي تشير إلى بينما تكاد تموت من شدة الضحك وهي تركل فراش والدي. عندما أنهيت حكي كل هذا إلى أمي انتبهت إلى أنني لم أعد في حاجة حتى إلى أن تصدقني. أخرجت أمي منديلها المجعد من قبضة قميصها وجففت الأثر الذي تركته الدموع على خديها. كانت لاوريتا تنظر إليّ بعينيها الحاقدتين. نظرت إلى أمي متطلعة فقالت بينما كنت أعرف أنها ستقول ذاك لي:
عزيزتي، لقد ماتت أختك. هل تفهمين هذا الأمر؟
   لكنني لم أجبها لا بنعم ولا بلا. نظرت إلى لاوريتا التي أخرجت لسانها الآن ورفعت أصبعها إلى مستوى الصدغ محركة إياه. خامرتني ضِحكة. نعم، بالطبع هي ميتة، ما الذي ستعرفه هي.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

عن الكاتبة:
باتريسيا إِسْتِيبَانْ إِرْلِيسْ هي كاتبة وقاصة إسبانية معروفة في الساحة الأدبية الإسبانية على وجه الخصوص. ازدادت بمدينة سرقسطة سنة 1972. كتبت إلى حد الآن ثلاث مجاميع قصصية. هذا وقد تم اختيار العديد من قصصها لضمها إلى أنطولوجيات قصصية تُعَرِّفُ بفن القصة في بلد ميغيل دي سيرفانتس. وقد فازت ببعض الجوائز في هذا المجال الإبداعي كجائزة سانتا إسابيل، ملكة البرتغال سنة 2008.


عن المترجم:
لحسن الكيري كاتب، مترجم، باحث في علوم الترجمة ومتخصص في ديداكتيك اللغات الأجنبية -الدار البيضاء -المغرب.



تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

قصص قصيرة جدا

إدواردو غاليانو* ترجمة: أسامة أسبر العالم صعد رجل من بلدة نيغوا، الواقعة على الساحل الكولومبي، إلى السماء. حين عاد وصف رحلته، وروى كيف تأمل الحياة البشرية من مكان مرتفع. قال: نحن بحرٌ من ألسنةِ اللهب الصغيرة. أضاف: العالم كومةُ من البشر، بحر من ألسنة اللهب الصغيرة. كل شخص يشع بضوئه الخاص وليس هناك لسانا لهب متشابهان. ثمة ألسنة لهب كبيرة وأخرى صغيرة من جميع الألوان. ألسنة لهب بعض البشر هادئة بحيث لا تتأجج حين تهب الريح، بينما يمتلك آخرون ألسنة لهب وحشية تملأ الجو بالشرار. بعض ألسنة اللهب الغبية لا تحرق ولا تضيء، لكن ثمة أخرى تفيض بلهب الحياة بحيث أنك لا تستطيع أن تنظر إليها دون أن ترف عيناك، وإذا اقتربت منها تضيئك.   العنب والخمر على فراش الموت، تحدث رجل يعمل في الكروم في أذن مرسليا. قبل أن يموت كشف السر هامساً: "إن العنب مصنوع من الخمر." هذا ما روته لي مارسيلا بيريث-سيلبا، وبعدها فكرتُ: إذا كان العنب مصنوعاً من الخمر، فربما نكون الكلمات التي تروي من نحن. فن للأطفال كانت تجلس على كرسي مرتفع أمام صحن من الحساء على مستوى العين. أنفها مجعد، أسنانها محكمة الإغلاق، وذراعاها

EL TIEMPO ENTRE COSTURAS

رواية اسبانية بنكهة مغربية أصبحت رواية الأديبة الإسبانية ماريا دوينياس "الوقت بين ثنايا الغرز"، التي تدور أحداثها في مدينة طنجة المغربية، إلى ظاهرة حقيقية حيث حققت مبيعات تجاوزت المليون نسخة، كما ترجمت لعدة لغات بينها الإنجليزية والألمانية كما تحولت إلى مسلسل تليفزيوني ضخم، سوف يبدأ عرضه مطلع 2012. وامتد نجاح الرواية ليتجاوز حدود إسبانيا حيث من المقرر أن تظهر ترجمتها الإنجليزية في الولايات المتحدة في نوفمبر المقبل، وفي نفس الشهر سوف يتم تكريم المؤلفة، في معرض جوادالاخارا الدولي للكتاب في المكسيك. وفي تصريحات لوكالة (إفي) قالت الأديبة دوينياس "أنا سعيدة لكل هذا النجاح الذي حققته الرواية، لأنه يؤكد أنها تتناول أحداثا ذات طبيعة كونية. تدور أحداث الرواية حول سيرا كيروجا، مصممة أزياء شابة، تضطر لمغادرة مدريد، بحثا عن حبيب مجهول، إلى أن تعثر عليه في مدينة طنجة التي كانت واقعة في تلك الأثناء تحت الاحتلال الإسباني، ويحاولان الاستقرار هناك. ومرة أخرى تجد سيرا نفسها مضطرة للرحيل إلى تطوان، والتي كانت أيضا تحت الاحتلال الإسباني (1902-1956)، هربا من الديون والشعور بالو

ظننتُ أنّ أحداً لم يعد يقرأني

  قصة: خايمي بيلي * ترجمة عن الإسبانية :  غدير أبو سنينة   سيّارة أجرة تمرّ أمام جدارية في العاصمة البيروفية ليما، آذار/ مارس 2022  عند وصولي إلى مدينة الغبار والضباب (يقصد ليما)، أعلن أحد عناصر طاقم الطائرة عبر مُكبِّر الصوت، وبنبرة مُبتهجة، كأنّما ينقل لنا أخباراً طيّبة، أننا سنستخدم دَرَجاً قديماً للهبوط، وسنضطرّ لحمل أمتعتنا واستقلال الحافلة، لنمارس رقصة الكومبيا عند كلّ منعطف نمرّ به، حتى من دون وجود موسيقى في الخلفية: يا مرحباً بكم في الفوضى ! ما إن يصل المسافرون، حتى يسيروا بأقصى سرعة كأنهم يُشاركون في مسابقة رياضية، كأنّ هناك جائزةً تُمنح لمن يصل أوّلاً إلى مكتب ضابط الهجرة. والحقيقة أنّ أحداً لا يصل أوّلاً، إذ يُصادفهم طابور طويل عريض مُتعرّج، يزحف مثل أفعى تُحتضر. لا جوائز، الجميع معاقَب بسبب البطء المُستفزّ لمن ينفّذون القانون بلا مبالاة .  بعد اجتياز عدّة ضوابط صارمة، يستقبلنا السائق بحذَر ويقودنا إلى الشاحنة المُدرَّعة، ذات النوافذ المُظلَّلة، يعرفُني باقي السائقين، يُحيُّونني بصُراخهم، يتبعونني، الحمقى، يعرضون علي خدماتهم، ويطلبون منّي بقشيشاً. أبدو لهم شخصاً فا