التخطي إلى المحتوى الرئيسي

ليلة مثل أيّ ليلة أخرى

عَلي كالديرون
قصّة: عَلي كالديرون
ترجمة عن الإسبانية: شادي روحانا

ليلةٌ مثل أيّ ليلة أخرى. ظلّ يشتغل حتى وقت متأخّر وظلّ الكتاب مفتوحاً فوق الطاولة. الرجل يغطّ في النوم. المرأة، فجأة، تستيقظ. هناك ضوضاء، أصواتٌ تصقل الصمت.
حَلُم بجدّته وبجدّة جدّته، وبأشباح أخرى تقف على حافّة العدم. أرضٌ مُنخفضة. تُزيح الستارة وتراقب الشارع، وخُلُوَّه. الزجاج. النور الخفيف. ضوء المصابيح. تعود إلى السرير. مزيج من الظلّ والعتمة. ومرّة أخرى تعود الضوضاء.

في المنام يظهر أقرباؤه ويشيرون إليه بأصابعهم. ثم يبتعدون. إنّها متوتّرة، لكن ثقل النعاس يغلبها. في الصباح يحكيان لبعضهما كلّ شيء. أتريد قهوة؟ هو يعود لشغله؛ أوديسيوس في مملكة بلوتو، الأوديسة، النشيد 11، خطٌ تحت العبارات:
[πῶς ἦλθες ὑπὸ ζόφον ἠερόεντα ζωὸς ἐών; χαλεπὸν δὲ τάδε ζωοῖσιν ὁρᾶσθαι. μέσσῳ γὰρ μεγάλοι ποταμοὶ καὶ δεινὰ ῥέεθρα, Ὠκεανὸς μὲν πρῶτα.]*


ثلاث مرّات أفلتت من بين يديّ كما لو أنها ظلٌّ أو حُلم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* ملاحظة من المترجم : الأسطر باليونانية تعني "كيف أتيح لك الضرب في دياجير هذه الدار الآخرة وأنت لا تزال حيّاً تدبّ على رجليك؟ ! ألا ما أشق هذا على بني الموتى من أهل الدار الأولى! إن ههنا أنهاراً من حميم يدور بعضها على بعض، وقد تطغى على شطآنها بعباب حميء، ويحيط البحر الأعظم"، وهي هنا مقتبسة من ترجمة دريني خشبة لـ أوديسّة هوميروس.

**عَلي كالديرون (Alí Calderón) :
 شاعر وناقد مكسيكي يدرّس الأدب في الجامعة الوطنية في مدينة بويبلا. والقصيدة من مجموعته الأخيرة "المراسلات" (دار بيسور، مدريد 2015). في تعليق للشاعر المكسيكي ماركو أنطونيو كامبوس عن المجموعة، يقول إن كالديرون "يكتب فيها عمّا حدث للتو لكي يجعله أبدياً في القصيدة: ما حدث، وما لم يحدث، وما كان من الممكن له أن يحدث، وما كان يجب أن يحدث، الظلال التي تبتعد، الظلال المتشابكة مع ظلال الحلم".

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

قصص قصيرة جدا

إدواردو غاليانو* ترجمة: أسامة أسبر العالم صعد رجل من بلدة نيغوا، الواقعة على الساحل الكولومبي، إلى السماء. حين عاد وصف رحلته، وروى كيف تأمل الحياة البشرية من مكان مرتفع. قال: نحن بحرٌ من ألسنةِ اللهب الصغيرة. أضاف: العالم كومةُ من البشر، بحر من ألسنة اللهب الصغيرة. كل شخص يشع بضوئه الخاص وليس هناك لسانا لهب متشابهان. ثمة ألسنة لهب كبيرة وأخرى صغيرة من جميع الألوان. ألسنة لهب بعض البشر هادئة بحيث لا تتأجج حين تهب الريح، بينما يمتلك آخرون ألسنة لهب وحشية تملأ الجو بالشرار. بعض ألسنة اللهب الغبية لا تحرق ولا تضيء، لكن ثمة أخرى تفيض بلهب الحياة بحيث أنك لا تستطيع أن تنظر إليها دون أن ترف عيناك، وإذا اقتربت منها تضيئك.   العنب والخمر على فراش الموت، تحدث رجل يعمل في الكروم في أذن مرسليا. قبل أن يموت كشف السر هامساً: "إن العنب مصنوع من الخمر." هذا ما روته لي مارسيلا بيريث-سيلبا، وبعدها فكرتُ: إذا كان العنب مصنوعاً من الخمر، فربما نكون الكلمات التي تروي من نحن. فن للأطفال كانت تجلس على كرسي مرتفع أمام صحن من الحساء على مستوى العين. أنفها مجعد، أسنانها محكمة الإغلاق، وذراعاها

EL TIEMPO ENTRE COSTURAS

رواية اسبانية بنكهة مغربية أصبحت رواية الأديبة الإسبانية ماريا دوينياس "الوقت بين ثنايا الغرز"، التي تدور أحداثها في مدينة طنجة المغربية، إلى ظاهرة حقيقية حيث حققت مبيعات تجاوزت المليون نسخة، كما ترجمت لعدة لغات بينها الإنجليزية والألمانية كما تحولت إلى مسلسل تليفزيوني ضخم، سوف يبدأ عرضه مطلع 2012. وامتد نجاح الرواية ليتجاوز حدود إسبانيا حيث من المقرر أن تظهر ترجمتها الإنجليزية في الولايات المتحدة في نوفمبر المقبل، وفي نفس الشهر سوف يتم تكريم المؤلفة، في معرض جوادالاخارا الدولي للكتاب في المكسيك. وفي تصريحات لوكالة (إفي) قالت الأديبة دوينياس "أنا سعيدة لكل هذا النجاح الذي حققته الرواية، لأنه يؤكد أنها تتناول أحداثا ذات طبيعة كونية. تدور أحداث الرواية حول سيرا كيروجا، مصممة أزياء شابة، تضطر لمغادرة مدريد، بحثا عن حبيب مجهول، إلى أن تعثر عليه في مدينة طنجة التي كانت واقعة في تلك الأثناء تحت الاحتلال الإسباني، ويحاولان الاستقرار هناك. ومرة أخرى تجد سيرا نفسها مضطرة للرحيل إلى تطوان، والتي كانت أيضا تحت الاحتلال الإسباني (1902-1956)، هربا من الديون والشعور بالو

ظننتُ أنّ أحداً لم يعد يقرأني

  قصة: خايمي بيلي * ترجمة عن الإسبانية :  غدير أبو سنينة   سيّارة أجرة تمرّ أمام جدارية في العاصمة البيروفية ليما، آذار/ مارس 2022  عند وصولي إلى مدينة الغبار والضباب (يقصد ليما)، أعلن أحد عناصر طاقم الطائرة عبر مُكبِّر الصوت، وبنبرة مُبتهجة، كأنّما ينقل لنا أخباراً طيّبة، أننا سنستخدم دَرَجاً قديماً للهبوط، وسنضطرّ لحمل أمتعتنا واستقلال الحافلة، لنمارس رقصة الكومبيا عند كلّ منعطف نمرّ به، حتى من دون وجود موسيقى في الخلفية: يا مرحباً بكم في الفوضى ! ما إن يصل المسافرون، حتى يسيروا بأقصى سرعة كأنهم يُشاركون في مسابقة رياضية، كأنّ هناك جائزةً تُمنح لمن يصل أوّلاً إلى مكتب ضابط الهجرة. والحقيقة أنّ أحداً لا يصل أوّلاً، إذ يُصادفهم طابور طويل عريض مُتعرّج، يزحف مثل أفعى تُحتضر. لا جوائز، الجميع معاقَب بسبب البطء المُستفزّ لمن ينفّذون القانون بلا مبالاة .  بعد اجتياز عدّة ضوابط صارمة، يستقبلنا السائق بحذَر ويقودنا إلى الشاحنة المُدرَّعة، ذات النوافذ المُظلَّلة، يعرفُني باقي السائقين، يُحيُّونني بصُراخهم، يتبعونني، الحمقى، يعرضون علي خدماتهم، ويطلبون منّي بقشيشاً. أبدو لهم شخصاً فا