التخطي إلى المحتوى الرئيسي

عن الترجمة، والكتابة بوصفها ترجمة أيضًا، برأي ساراماغو

 
جوزيه ساراماغو (1922 – 2010) روائي برتغالي حائز على جائزة نوبل للأدب وكاتب أدبي و مسرحي وصحفي. مؤلفاته التي يمكن اعتبار بعضها أمثولات، تستعرض عادة أحداثا تاريخية من وجهة نظر مختلفة تتمركز حول العنصر الإنساني. نال جائزة نوبل للآداب في عام 1998.
نشر (ساراماغو) في كتابه (المفكرة) مقالة قصيرة، يتحدث فيها عن الكتابة وعلاقتها بالترجمة، يقول فيها:
الكتابة هي دومًا ترجمة، حتى عندما نستعمل لغتنا الخاصة. فنحن ننقل ما نراه ونشعره (بافتراض أن الرؤية والشعور، كما نفهمها عادة، هما شيء أكثر من مجرد الكلمات التي كان من الممكن نسبيًا لنا أن نعبر بها عن تجربة الإبصار والشعور) بواسطة شيفرة تقليدية متعارف عليها من الإشارات، الكتابة، ونأمل في أن يسمح لها الظرف وتقلبات الاتصال بالوصول إلى عقل القارئ، إذا لم يكن سليمًا، بوصفها التجربة الكاملة التي قصدنا أن ننقلها – حتمًا تنقل كلماتنا مجرد نتف من الواقع الذي تغذت عليه تجربتنا – عندئذ مع ظل على الأقل لما نعرف في أعماق روحنا أنه غير قابل للترجمة: العاطفة النقية للقاء، دهشة الاكتشاف، تلك اللحظة الهائمة من الصمت قبل تُنتج الكلمة ستبقى في الذاكرة مثل أضغاث حلم لم يمحوه الزمن بشكل كامل.
يتابع بعد ذلك، فيقول:
هكذا، يترجم شخص ما، ليس أن ينقل إلى لغة أخرى (لغته) عادة، شيئًا كان قبلئذ في العمل وفي اللغة الأصلية ترجمة، أي، إدراكًا مفترضًا لواقع اجتماعي وتاريخي وأيدلوجي وثقافي، وليس واقع المترجم، وإدراكًا يجسده سياق لغوي ودلالي، وهو أيضًا ليس سياقه. فالنص الأصلي هو مجرد واحد من الترجمات الممكنة لتجربة المؤلف مع الواقع، وعلى المترجم أن يحول نص الترجمة هذا إلى ترجمة نص، وهذا يخلق حتمًا بعض الالتباس نظرًا إلى أن المترجم، وقد بدأ يقبض على تجربة الواقع الذي هو موضوع اهتمامه، يتعين عليه عندئذ أن يقوم بالمهمة الأكبر، مهمة إدخالها دون مس إلى سياقها اللغوي والدلالي للواقع (الآخر) الذي يفترض به أن يترجمه إليه، كاشفًا عن الاحترام المستحق في الوقت ذاته لكل من المكان الذي جاء منه والمكان الذي يذهب إليه. بالنسبة إلى المترجم، لحظة الصمت التي تسبق الكلمة هي لذلك مثل عتبة خيميائي يجب فيها تحويل “الشيء الذي يكونه” إلى شيء آخر لكي يبقى “الشيء الذي كانه”.
وأخيرًا، يختتم بأن يعرّج على أحد أساليب المترجمين في فهم النص، ألا وهو الحوار مع المؤلف. يقول:
إن الحوار بين المؤلف والمترجم، في العلاقة بين النص الذي يكون والنص الذي يفترض أن يكون، ليس فقط بين شخصيتين فرديتين ينبغي أن تكمل أحدهما الأخرى، إنه قبل كل شيء لقاء ثقافتين جمعيتين يجب أن تعترف كل واحدة منهما بالأخرى.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

قصص قصيرة جدا

إدواردو غاليانو* ترجمة: أسامة أسبر العالم صعد رجل من بلدة نيغوا، الواقعة على الساحل الكولومبي، إلى السماء. حين عاد وصف رحلته، وروى كيف تأمل الحياة البشرية من مكان مرتفع. قال: نحن بحرٌ من ألسنةِ اللهب الصغيرة. أضاف: العالم كومةُ من البشر، بحر من ألسنة اللهب الصغيرة. كل شخص يشع بضوئه الخاص وليس هناك لسانا لهب متشابهان. ثمة ألسنة لهب كبيرة وأخرى صغيرة من جميع الألوان. ألسنة لهب بعض البشر هادئة بحيث لا تتأجج حين تهب الريح، بينما يمتلك آخرون ألسنة لهب وحشية تملأ الجو بالشرار. بعض ألسنة اللهب الغبية لا تحرق ولا تضيء، لكن ثمة أخرى تفيض بلهب الحياة بحيث أنك لا تستطيع أن تنظر إليها دون أن ترف عيناك، وإذا اقتربت منها تضيئك.   العنب والخمر على فراش الموت، تحدث رجل يعمل في الكروم في أذن مرسليا. قبل أن يموت كشف السر هامساً: "إن العنب مصنوع من الخمر." هذا ما روته لي مارسيلا بيريث-سيلبا، وبعدها فكرتُ: إذا كان العنب مصنوعاً من الخمر، فربما نكون الكلمات التي تروي من نحن. فن للأطفال كانت تجلس على كرسي مرتفع أمام صحن من الحساء على مستوى العين. أنفها مجعد، أسنانها محكمة الإغلاق، وذراعاها

EL TIEMPO ENTRE COSTURAS

رواية اسبانية بنكهة مغربية أصبحت رواية الأديبة الإسبانية ماريا دوينياس "الوقت بين ثنايا الغرز"، التي تدور أحداثها في مدينة طنجة المغربية، إلى ظاهرة حقيقية حيث حققت مبيعات تجاوزت المليون نسخة، كما ترجمت لعدة لغات بينها الإنجليزية والألمانية كما تحولت إلى مسلسل تليفزيوني ضخم، سوف يبدأ عرضه مطلع 2012. وامتد نجاح الرواية ليتجاوز حدود إسبانيا حيث من المقرر أن تظهر ترجمتها الإنجليزية في الولايات المتحدة في نوفمبر المقبل، وفي نفس الشهر سوف يتم تكريم المؤلفة، في معرض جوادالاخارا الدولي للكتاب في المكسيك. وفي تصريحات لوكالة (إفي) قالت الأديبة دوينياس "أنا سعيدة لكل هذا النجاح الذي حققته الرواية، لأنه يؤكد أنها تتناول أحداثا ذات طبيعة كونية. تدور أحداث الرواية حول سيرا كيروجا، مصممة أزياء شابة، تضطر لمغادرة مدريد، بحثا عن حبيب مجهول، إلى أن تعثر عليه في مدينة طنجة التي كانت واقعة في تلك الأثناء تحت الاحتلال الإسباني، ويحاولان الاستقرار هناك. ومرة أخرى تجد سيرا نفسها مضطرة للرحيل إلى تطوان، والتي كانت أيضا تحت الاحتلال الإسباني (1902-1956)، هربا من الديون والشعور بالو

ظننتُ أنّ أحداً لم يعد يقرأني

  قصة: خايمي بيلي * ترجمة عن الإسبانية :  غدير أبو سنينة   سيّارة أجرة تمرّ أمام جدارية في العاصمة البيروفية ليما، آذار/ مارس 2022  عند وصولي إلى مدينة الغبار والضباب (يقصد ليما)، أعلن أحد عناصر طاقم الطائرة عبر مُكبِّر الصوت، وبنبرة مُبتهجة، كأنّما ينقل لنا أخباراً طيّبة، أننا سنستخدم دَرَجاً قديماً للهبوط، وسنضطرّ لحمل أمتعتنا واستقلال الحافلة، لنمارس رقصة الكومبيا عند كلّ منعطف نمرّ به، حتى من دون وجود موسيقى في الخلفية: يا مرحباً بكم في الفوضى ! ما إن يصل المسافرون، حتى يسيروا بأقصى سرعة كأنهم يُشاركون في مسابقة رياضية، كأنّ هناك جائزةً تُمنح لمن يصل أوّلاً إلى مكتب ضابط الهجرة. والحقيقة أنّ أحداً لا يصل أوّلاً، إذ يُصادفهم طابور طويل عريض مُتعرّج، يزحف مثل أفعى تُحتضر. لا جوائز، الجميع معاقَب بسبب البطء المُستفزّ لمن ينفّذون القانون بلا مبالاة .  بعد اجتياز عدّة ضوابط صارمة، يستقبلنا السائق بحذَر ويقودنا إلى الشاحنة المُدرَّعة، ذات النوافذ المُظلَّلة، يعرفُني باقي السائقين، يُحيُّونني بصُراخهم، يتبعونني، الحمقى، يعرضون علي خدماتهم، ويطلبون منّي بقشيشاً. أبدو لهم شخصاً فا