التخطي إلى المحتوى الرئيسي

بارغاس يوسا ولعنة ماركيز

Mario Vargas LLosa
ماناغوا (نيكاراغوا) - غدير أبو سنينة

يبدو أن الأمور لم تجرِ كما يشتهي الروائي البيروفي ماريو فارغاس يوسا (نوبل 2010) في معرض الكتاب الكولومبي في بوغوتا الذي اختتم مؤخراً. ففي حوار بينه وبين مجموعة من القراء وقف أحدهم ممسكاً بكتب يوسا ومزقها أمام ناظريه مستاءً ومعترضاً على مواقفه السياسية.
ومن المحتمل أن يكون الأمر ردة فعل على مواقف يوسا الأخيرة ضد الحكومة الفنزويلية الحالية التي تمثل أحد أبرز الاتجاهات اليسارية في أميركا اللاتينية. ففي زيارته الأخيرة لفنزويلا وجه يوسا نقداً لاذعا للرئيس الحالي ماذورو وللرئيس الراحل تشافيز؛ ما أغضب قطاعات شعبية كثيرة، في فنزويلا وخارجها، ما زال تشافيز يحظى بشعبية كبيرة لديها.
ورغم تظاهر "يوسا" بعدم الاكتراث، إلا أنه رفض التحدث مع الصحافة بعد انتهاء ذلك الحوار، وبان عليه الغضب الشديد.

لكن هذا لن يمنع الروائي الذي أتم الـ 78 عاماً من إعلان عزمه التمثيل من جديد في عمل مسرحي كتبه مؤخراً هو "حكايات الطاعون"، وذلك بعد تجارب سابقة له كممثل في أعمال مسرحية من كتابته.
وكان "يوسا" قد صرَّح في وقت سابق إنه سيتدرّب على دوره في المسرحية بين الأول من تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل وحتى منتصف كانون الثاني/ يناير 2015، على خشبة "مسرح إسبانيا" في مدريد.

Gabriel García Márquez           



لكن الكاتب الذي عرف عنه تخبّطه في مواقفه السياسية ذات الطابع اليميني غالباً، يبدو متردّداً أيضاً في مشروعه التمثيلي، إذ قال إنه من الممكن أن يجهض المشروع إذا لم تسعفه ذاكرته في تذكّر حواره المسرحي: "سأتدرّب على العمل، لكنني اتفقت مع المخرج أنني لن أصعد خشبة المسرح إن خانتني الذاكرة، إذ سيصبح الوضع كارثيّاً"، وفقاً لصحيفة "إل تيمبو" الكولومبية. لم يعرف عن يوسا انحيازاً للقضايا العادلة، فهو مثلاً "صديق لإسرائيل" كما يصف نفسه، وحاز جائزة القدس الصهيونية عام 1995، وكان من مستقبلي شمعون بيريز في معرض الكتاب في جوادالاخارا 2013 (أكبر معرض كتاب في العالم الناطق بالإسبانية). بل ويوسا نفسه أحد عرّابي صفقة الاحتفاء بـ"إسرائيل" كـ"ضيف الشرف" في المعرض المذكور العام الماضي. وفي السياق الأميركي اللاتيني، أقل ما يقال في مواقفه أنها تتسم باليمينية والليبرالية السياسية. من الطبيعي إذن أن يقارن القارئ والمواطن اللاتيني بين موقف كل من الروائييّيْن الحاصليْن على نوبل للآداب والمفترقيْن في طريق السياسة؛ يوسا وغابرييل غارسيا ماركيز. إلى درجة أن منتمي اليسار في أميركا اللاتينية صاغوا شعار "لنا ماركيزنا ولهم يوساهم" تعبيراً عن امتعاضهم من مواقف يوسا. لعنة ماركيز ستظل تلاحق يوسا الذي بدا مستاء الشهر الماضي من أسئلة الصحافيين التي تمحورت حول "شعوره بعد فقد ماركيز"، مكتفياً بقوله: "قلت كل ما عندي". الأمر الآخر الذي سيشترك به يوسا مع ماركيز إضافة لـ"نوبل" هو أنه قرر أن يموت دون أن يبوح أبداً بسر اللكمة التي وجّهها لماركيز قبل عقود وبقي سببها موضع تكهنات وإشاعات. رغم جائزة نوبل وبقية الأمجاد التي وصل إليها يوسا، فالأرجح أن المكانة التي نالها صاحب "مئة عام من العزلة" ستظل ممتنعة عليه، وأنه سيظل في أذيال ماركيز؛ صديق الشعوب المظلومة وشهرزادها.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

قصص قصيرة جدا

إدواردو غاليانو* ترجمة: أسامة أسبر العالم صعد رجل من بلدة نيغوا، الواقعة على الساحل الكولومبي، إلى السماء. حين عاد وصف رحلته، وروى كيف تأمل الحياة البشرية من مكان مرتفع. قال: نحن بحرٌ من ألسنةِ اللهب الصغيرة. أضاف: العالم كومةُ من البشر، بحر من ألسنة اللهب الصغيرة. كل شخص يشع بضوئه الخاص وليس هناك لسانا لهب متشابهان. ثمة ألسنة لهب كبيرة وأخرى صغيرة من جميع الألوان. ألسنة لهب بعض البشر هادئة بحيث لا تتأجج حين تهب الريح، بينما يمتلك آخرون ألسنة لهب وحشية تملأ الجو بالشرار. بعض ألسنة اللهب الغبية لا تحرق ولا تضيء، لكن ثمة أخرى تفيض بلهب الحياة بحيث أنك لا تستطيع أن تنظر إليها دون أن ترف عيناك، وإذا اقتربت منها تضيئك.   العنب والخمر على فراش الموت، تحدث رجل يعمل في الكروم في أذن مرسليا. قبل أن يموت كشف السر هامساً: "إن العنب مصنوع من الخمر." هذا ما روته لي مارسيلا بيريث-سيلبا، وبعدها فكرتُ: إذا كان العنب مصنوعاً من الخمر، فربما نكون الكلمات التي تروي من نحن. فن للأطفال كانت تجلس على كرسي مرتفع أمام صحن من الحساء على مستوى العين. أنفها مجعد، أسنانها محكمة الإغلاق، وذراعاها

EL TIEMPO ENTRE COSTURAS

رواية اسبانية بنكهة مغربية أصبحت رواية الأديبة الإسبانية ماريا دوينياس "الوقت بين ثنايا الغرز"، التي تدور أحداثها في مدينة طنجة المغربية، إلى ظاهرة حقيقية حيث حققت مبيعات تجاوزت المليون نسخة، كما ترجمت لعدة لغات بينها الإنجليزية والألمانية كما تحولت إلى مسلسل تليفزيوني ضخم، سوف يبدأ عرضه مطلع 2012. وامتد نجاح الرواية ليتجاوز حدود إسبانيا حيث من المقرر أن تظهر ترجمتها الإنجليزية في الولايات المتحدة في نوفمبر المقبل، وفي نفس الشهر سوف يتم تكريم المؤلفة، في معرض جوادالاخارا الدولي للكتاب في المكسيك. وفي تصريحات لوكالة (إفي) قالت الأديبة دوينياس "أنا سعيدة لكل هذا النجاح الذي حققته الرواية، لأنه يؤكد أنها تتناول أحداثا ذات طبيعة كونية. تدور أحداث الرواية حول سيرا كيروجا، مصممة أزياء شابة، تضطر لمغادرة مدريد، بحثا عن حبيب مجهول، إلى أن تعثر عليه في مدينة طنجة التي كانت واقعة في تلك الأثناء تحت الاحتلال الإسباني، ويحاولان الاستقرار هناك. ومرة أخرى تجد سيرا نفسها مضطرة للرحيل إلى تطوان، والتي كانت أيضا تحت الاحتلال الإسباني (1902-1956)، هربا من الديون والشعور بالو

ظننتُ أنّ أحداً لم يعد يقرأني

  قصة: خايمي بيلي * ترجمة عن الإسبانية :  غدير أبو سنينة   سيّارة أجرة تمرّ أمام جدارية في العاصمة البيروفية ليما، آذار/ مارس 2022  عند وصولي إلى مدينة الغبار والضباب (يقصد ليما)، أعلن أحد عناصر طاقم الطائرة عبر مُكبِّر الصوت، وبنبرة مُبتهجة، كأنّما ينقل لنا أخباراً طيّبة، أننا سنستخدم دَرَجاً قديماً للهبوط، وسنضطرّ لحمل أمتعتنا واستقلال الحافلة، لنمارس رقصة الكومبيا عند كلّ منعطف نمرّ به، حتى من دون وجود موسيقى في الخلفية: يا مرحباً بكم في الفوضى ! ما إن يصل المسافرون، حتى يسيروا بأقصى سرعة كأنهم يُشاركون في مسابقة رياضية، كأنّ هناك جائزةً تُمنح لمن يصل أوّلاً إلى مكتب ضابط الهجرة. والحقيقة أنّ أحداً لا يصل أوّلاً، إذ يُصادفهم طابور طويل عريض مُتعرّج، يزحف مثل أفعى تُحتضر. لا جوائز، الجميع معاقَب بسبب البطء المُستفزّ لمن ينفّذون القانون بلا مبالاة .  بعد اجتياز عدّة ضوابط صارمة، يستقبلنا السائق بحذَر ويقودنا إلى الشاحنة المُدرَّعة، ذات النوافذ المُظلَّلة، يعرفُني باقي السائقين، يُحيُّونني بصُراخهم، يتبعونني، الحمقى، يعرضون علي خدماتهم، ويطلبون منّي بقشيشاً. أبدو لهم شخصاً فا