التخطي إلى المحتوى الرئيسي

دمية ماركيز

هناك نص وداع جميل ومؤثّر تم نشره عبر مواقع الإنترنت بصيغ مختلفة من بينها الفيديو. وجاء في الخبر المرافق، والمهيّء للنص بذكاء، أن الروائي الشهير غابرييل غارسيا ماركيز قد اعتزل الحياة العامة لأسباب صحية بسبب معاناته من مرض خبيث ويبدو أن صحته تتدهور حالياً، ومن على فراش المرض أرسل رسالة وداع إلى أصدقائه، ولقد انتشرت تلك الرسالة بسرعة، وذلك بفضل الإنترنت فوصلت إلى ملايين الأصدقاء والمحبين عبر العالم.
ومما جاء في النص الذي حمل عنوان ” الدمية” :
- لو شاء الله أن ينسى إنني دمية وأن يهبني شيئاً من حياة أخرى، فإنني سوف أستثمرها بكل قواي، ربما لن أقول كل ما أفكر به لكنني حتماً سأفكر في كل ما سأقوله.
سأمنح الأشياء قيمتها، لا لما تمثله، بل لما تعنيه. 
-سأنام قليلاً، وأحلم كثيراً، مدركاً أن كل لحظة نغلق فيها أعيننا تعني خسارة ستين ثانية من النور.
-سوف أسير فيما يتوقف الآخرون، وسأصحو فيما الكلّ نيام. -
-لو شاء ربي أن يهبني حياة أخرى، فسأرتدي ملابس بسيطة وأستلقي على الأرض ليس فقط عاري الجسد وإنما عاري الروح أيضاً
- سأبرهن للناس كم يخطئون عندما يعتقدون أنهم لن يكونوا عشاقاً متى شاخوا، دون أن يدروا أنهم يشيخون إذا توقفوا عن العشق.
للطفل سوف أعطي الأجنحة، لكنني سأدعه يتعلّم التحليق وحده. 
-وللكهول سأعلّمهم أن الموت لا يأتي مع الشيخوخة بل بفعل النسيان.
- لقد تعلمت منكم الكثير أيها البشر… تعلمت أن الجميع يريد العيش في قمة الجبل غير مدركين أن سرّ السعادة يكمن في تسلقه.
*
لا حاجة إلى التذكير بفوائد الإنترنت؛ أصبح ذلك من تحصيل الحاصل. لكننا نستطيع دائما الحديث عن مساوئه وعيوبه التي تبدو طارئة علينا لحداثة عهدنا بهذا الوسيط المعرفي، خصوصاً لجهة سرعة انتقال المعلومة وانتشارها. فما بالك إذا كانت هذه المعلومة خاطئة…
في هذه النقطة تحديدا تمر المعلومة الخطأ وتنتشر عبر العالم مثل فيروس غير فتاك بالأجهزة وإنما بالعقول. أسوق هذا الكلام وفي ذهني ما نشر عبر النت واخترق أرجاء الدنيا، وبكل اللغات، عن وصية ماركيز هذه، وهو يودعنا ويودع الحياة. وما جعل النص ينتشر أكثر هو جماليته الفائقة أيضا إلى جانب ارتباطه بشخصية ماركيز، وبالوضع البشري إجمالاً.
وحقيقة هذا النص أن غابرييل غارسيا ماركيز، الحائز على جائزة نوبل للآداب 1982، كان خلال صيف عام 1999، يعالج من مرض السرطان اللمفاوي. وفي أواخر شهر أيار/ مايو، ظهر نص بعنوان ” الدمية” في صحيفة ” لاروبوبليكا” البيروفية بتوقيعه. وسرعان ما نقلته عنها صحف أخرى، كما أذاعته محطات إذاعية عديدة. ومن بين العناوين التي ألحقت بالنص ما نشرته ” لاكرونيكا” واصفة النص بالقول” ماركيز ينشد أغنية للحياة”.
كانت “القصيدة” كما أطلق عليها لاحقا، مفعمة بسيولة عاطفية وكليشيهات ليست من خصائص ماركيز. وذلك على الرغم من حسن صياغتها. وتبيّن لاحقًا أن هذا النص من تأليف كاتب مكسيكي مغمور يدعى جوني وولش. ولقد اعترف هذا الأخير في لقاء مع محطة مكسيكو الإذاعية بأنه كاتب غير مهم فعلا لكنه يعاني أيضا من قلة الاعتراف بما يقدمه من مجهود!
توضح هذا الأمر عندي وعندك الآن، لكن الخطأ مازال يجوب عالم الإنترنت ويجد مصدقين له.
*
زيادة على ذلك يمكن أن نقرأ في مواقع عربية عديدة: “تذكروا أن هذا الشخص رفض جائزة نوبل لأنها منحت في السابق لشمعون بيريز ورابين” والحال أن ماركيز استلم الجائزة ولم يرفضها. وكانت تلك من المرات النادرة التي لم تشرف الجائزة رجلا بمقدار ما شرّفها.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

قصص قصيرة جدا

إدواردو غاليانو* ترجمة: أسامة أسبر العالم صعد رجل من بلدة نيغوا، الواقعة على الساحل الكولومبي، إلى السماء. حين عاد وصف رحلته، وروى كيف تأمل الحياة البشرية من مكان مرتفع. قال: نحن بحرٌ من ألسنةِ اللهب الصغيرة. أضاف: العالم كومةُ من البشر، بحر من ألسنة اللهب الصغيرة. كل شخص يشع بضوئه الخاص وليس هناك لسانا لهب متشابهان. ثمة ألسنة لهب كبيرة وأخرى صغيرة من جميع الألوان. ألسنة لهب بعض البشر هادئة بحيث لا تتأجج حين تهب الريح، بينما يمتلك آخرون ألسنة لهب وحشية تملأ الجو بالشرار. بعض ألسنة اللهب الغبية لا تحرق ولا تضيء، لكن ثمة أخرى تفيض بلهب الحياة بحيث أنك لا تستطيع أن تنظر إليها دون أن ترف عيناك، وإذا اقتربت منها تضيئك.   العنب والخمر على فراش الموت، تحدث رجل يعمل في الكروم في أذن مرسليا. قبل أن يموت كشف السر هامساً: "إن العنب مصنوع من الخمر." هذا ما روته لي مارسيلا بيريث-سيلبا، وبعدها فكرتُ: إذا كان العنب مصنوعاً من الخمر، فربما نكون الكلمات التي تروي من نحن. فن للأطفال كانت تجلس على كرسي مرتفع أمام صحن من الحساء على مستوى العين. أنفها مجعد، أسنانها محكمة الإغلاق، وذراعاها

EL TIEMPO ENTRE COSTURAS

رواية اسبانية بنكهة مغربية أصبحت رواية الأديبة الإسبانية ماريا دوينياس "الوقت بين ثنايا الغرز"، التي تدور أحداثها في مدينة طنجة المغربية، إلى ظاهرة حقيقية حيث حققت مبيعات تجاوزت المليون نسخة، كما ترجمت لعدة لغات بينها الإنجليزية والألمانية كما تحولت إلى مسلسل تليفزيوني ضخم، سوف يبدأ عرضه مطلع 2012. وامتد نجاح الرواية ليتجاوز حدود إسبانيا حيث من المقرر أن تظهر ترجمتها الإنجليزية في الولايات المتحدة في نوفمبر المقبل، وفي نفس الشهر سوف يتم تكريم المؤلفة، في معرض جوادالاخارا الدولي للكتاب في المكسيك. وفي تصريحات لوكالة (إفي) قالت الأديبة دوينياس "أنا سعيدة لكل هذا النجاح الذي حققته الرواية، لأنه يؤكد أنها تتناول أحداثا ذات طبيعة كونية. تدور أحداث الرواية حول سيرا كيروجا، مصممة أزياء شابة، تضطر لمغادرة مدريد، بحثا عن حبيب مجهول، إلى أن تعثر عليه في مدينة طنجة التي كانت واقعة في تلك الأثناء تحت الاحتلال الإسباني، ويحاولان الاستقرار هناك. ومرة أخرى تجد سيرا نفسها مضطرة للرحيل إلى تطوان، والتي كانت أيضا تحت الاحتلال الإسباني (1902-1956)، هربا من الديون والشعور بالو

المترجمة بثينة الإبراهيم: الترجمة تقاوم القبح وتدخلنا غابة الكلمات

علي سعيد جريدة الرياض بالنسبة لبثينة الإبراهيم، الترجمة بمثابة مزاولة الرياضة اليومية. المترجمة السورية المقيمة في الكويت، احتفى بها متابعوها على شبكات التواصل لاتمام عامها الأول في نشر مقاطع أدبية واظبت على ترجمتها ونشرها كل صباح، إلى جانب استمرار مترجمة (أشباهنا في العالم) في رفد المكتبة بالأعمال التي نقلتها إلى العربية. عن تجربة الترجمة اليومية، تقول بثينة الإبراهيم: "كان أول مقطع أترجمه منفصلًا –أعني دون أن يكون في مقال أو عمل كامل- في شهر يونيو من العام الماضي، كنت أقرأ رواية لخابيير مارياس وأعجبتني عدة مقاطع من الرواية، كان أولها ذاك الذي يصف فيه يدي امرأة تجلس أمامه في القطار، لم يكن هناك خطة مسبقة لهذا، كان الأمر بسيطًا جدًا في حينها". وحول مسألة الالتزام في الترجمة اليومية، وأهميته على المترجم من حيث تطوير الأدوات وصقل التجربة، تقول الإبراهيم: "ربما لا يلتزم كل المترجمين بترجمة يومية، إلا لو كانوا مرتبطين بأعمال يودون إنجازها سريعًا، لكن من تجربتي الشخصية؛ أجد أنها لا تختلف أبدًا عن ممارسة التمارين الرياضية يوميًا، كلاهما تصقل العضلات والمهارات&q