كيف نضع حدّاً للهمجيّة
*
خوان
غُويْتِصُولو
ترجمة: توفيق البوركي
1.
لم تفاجئني كثيرا التَّفجيرات الوَحشيّة التي
نفّذها تنظيم الدولة الإسلامية في قلب مدينة باريس؛ خاصة بُعيد المَجْزرة التي
طالت المتظاهرين الأكراد في مدينة أنقرة، والتّفجير الجوّي الذي حطّم الطائرة الرّوسية
في صحراء سيناء، والهجوم الدّموي ضدّ المسجد الشيعي في بيروت، الذي يُعدّ مركز
تجنيد تابع لحزب الله، ثُمّ التهديدات ضدّ الغرب وخاصة في ظل تضاعف تلك الموجهة ضد
فرنسا. إلاّ أن ما فاجئني كان هو التّخطيط وتنفيذ الاعتداءات، التي تختلف كليّا عن
أسلوب "الذئاب المنفردة" التي نفّذت تفجير مقر صحيفة شارلي إيبدو وأحد
المتاجر الممتازة اليهودية في يناير الماضي. إذ أنها تحْمِل بصمة تنظيم إرهابي ذي
صبغة عسكرية، وهو ما يمثّل قفزة نوعية في الاستراتيجية الحربية لما يُسمى بتنظيم
الخلافة الإسلامية.
2.
ردّ الفعل العسكري المرتقب لفرنسا وحلفائها
ضد تنظيم الدّولة، يدخل ضمن خُطط هذا الأخير في الترويج لدعايته ضد الصليبيين
وإضفاء هالة من المجد على شهدائه المفترضين. فبدون أيّ تدخل عسكري برّي، حاليا لا
توجد دولة أوربية واحدة مستعدّة للمغامرة، فالضّربات الجوّية في العراق وسوريا لم
تستطع، إلى حدود اليوم، إلحاق هزيمة معتبرة بالجهاديين.
في السنتين الأخيرتين، تعقّد الوضع في سوريا، بحيث صار
عبارة عن متاهة حقيقية: صراع الشيعة ضد السنة، نعم، لكن في المقابل يُوجد تعارض
الاستراتيجيات لكل من السعودية وإيران، ودور تركيا الغامض، ثُم التحالفات غير
الطبيعية: فتركيا المدعومة من الغرب تقاتل الأكراد السوريين حلفاء الولايات
المتحدة الأمريكية؛ روسيا المدافعة عن ديكتاتور دمشق، تهاجم أعداءه المسلّحين من
طرف الغرب.
إن الصدام الذي ألهب العراق وسوريا وصل مداه، الآن، إلى
شبه الجزيرة العربية. حيث أن الريّاض، خلال تدميرها للتراث التاريخي والحضاري
لليمن في حربها ضد الحوثيين، فهي تساهم بشكل فعلي، في تعزيز تمركز الفرع الإقليمي
للقاعدة.
3.
ما حصل خلال العاميين الأخيرين يُظهر تناقضات
السياسة الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية، فباراك أوباما، الذي كان مُجبرا على
التعاطي مع الوضع المتردّي في العراق الموروث عن حقبة سلفه بوش، لم يُجد التحرك
بشكل حاسم ضد القمع الدموي لبشار الأسد، في اللحظة التي كان ذلك ممكنا، وفضّل
التوصّل إلى اتفاق مع روسيا بشأن تدمير الأسلحة الكيماوية، وهكذا تراجع عن الخطوط
الحمراء التي كان يُهدد بها الديكتاتور السوري. لقد أتثبت الأحداث شيئا واحدا:
الرئيس بوتين يعرف ماذا يريد، أما أوباما فهو يعرف فقط ما لا يريد، ولهذا يبدو أنه
انجرّ إلى اتخاذ قرارات لا تستجيب لاستراتيجية شمولية.
4.
هناك الكثير من الأمور التي تدور حالياً في
سوريا والعراق لا تزال غامضة: من يموّل تنظيم الدولة؟ إلى أين تُصدّر بترولها،
وعبر أي وسيط يتم ذلك؟ من الصّعب جدّاً الاعتقاد بأن أجهزة الاستخبارات الغربية لا
تعلم بما يجري. هل هناك تمويل سرّي من السعوديين أنفسهم الذين صنعوا تنظيم
القاعدة؟
إنّ الدور المزدوج الذي تلعبه بعض دول الشرق الأوسط،
يُفسّر لنا التخبّط الذي يطال المُهتمّين والمُتتبّعين لتعدّد الصراعات في المنطقة
والعدد الرّهيب الذي تخلفه من الضحايا.
5.
خلّفت سياسة تنظيم الدولة، المبنية على تمجيد
"أعمالها البطولية"، تأثيرا في أوساط الشّباب الذين يعانون من أزمة
هويّة ويعتقدون أنهم وجدوا الخلاص من آثامهم في تمجيد الشّر. كما أنّ الصور
الفظيعة لتفجيرات باريس تحمل في ثناياها خطر تغذية النّزعات الانتحارية داخل
العالم الإسلامي مثلما هو الشأن بالنسبة للغرب الأوربي. إن قطع رؤوس الكفار
والمرتدين المزعومين وتدمير التراث الثقافي والحضاري في العراق وسوريا، والوحشية
اللامحدودة التي ينهجها تنظيم الدولة تجاه البلدات الخاضعة لنفوذه؛ توّلد رفضا ضد
العنصر المسلم وتذكي ما يسمى بالإسلاموفوبيا، وتُمكّن تنظيم الدولة من استمالة
المزيد من المُريدين، من بين أقلّية صغيرة من المسلمين -الضحية الأولى للإرهاب
الجهادي- لكن العدد سيكون كافيا لتدعيم
صفوفه بمزيد من الجلادين.
إننا أمام حرب شاملة تتسم بعدم التوازن: فمن جهة هناك
الدول الغربية الديمقراطية وحلفائها من العرب، وفي الجهة المقابلة نجد تنظيما
إرهابيا، لا يتوفر على جيش نظامي حقيقي، لكنه قادر على زرع البلبلة في باقي أرجاء
العالم.
الرّعب الذي عاشته باريس مؤخّراً، هو بمثابة الخبز اليومي
في دولة كسوريا نزح منها ملايين المشرّدين إلى دول الجوار ومئات الآلاف من
الوافدين على أوربا بحثًا عن السلام والحرية.
علينا جميعا إذن، أن نوثّق الروابط مع فرنسا في الأوقات الصعبة
التي نعيشها.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*
تعليقات
إرسال تعليق