التخطي إلى المحتوى الرئيسي

السّـر

 

السّـر

قصة: خوان خوسيه ساير(الأرجنتين)

ترجمة: أحمد عبد اللطيف

 

اشترى تاجرُ أثاثٍ كرسيًا مستعملًا بمسند، ثم اكتشف ذات مرة يوميات حميمية قد دستها إحدى مالكاته القديمات. لسبب ما، ربما موت أو نسيان أو هرب مفاجئ أو حصار، ظلت اليوميات مختبئة حتى عثر عليها التاجر، الخبير في تصليح الأثاث، بمحض صدفة عند نفض ظهر الكرسي ليختبر صلابته. في ذاك اليوم ظل حتى وقت متأخر في متجره المكتظ بالأسرّة والكراسي والمناضد والدواليب، منهمكًا في الجزء الخلفي من المتجر في قراءة اليوميات الحميمية على ضوء مصباح وهو متكئ إلى مكتب. كانت اليوميات تكشف، يومًا وراء يوم، مشاكل كاتبتها العاطفية، وأدرك تاجر الأثاث، وهو رجل ذكي ومتحفظ، أن المرأة عاشت حياتها بشخصية غير شخصيتها الحقيقية، وأنه لصدفة لا يمكن تصديقها بات هذا الرجل يعرفها أكثر بكثير من كل هؤلاء الذين كانوا يحيطون بها وتظهر أسماؤهم في اليوميات. شرد تاجر الأثاث، وخلال شروده الطويل بدا له أن فكرة إخفاء شخص لشيء في بيته، بعيدًا عن نظر العالم -سواء كان ذلك يوميات أو أي شيء آخر - فكرة غريبة، شبه مستحيلة، غير أنه بعد دقائق، وفي اللحظة التي نهض فيها وبدأ يرتب مكتبه قبل العودة للبيت، انتبه، بشيء من الدهشة أنه هو نفسه، وفي مكان ما، يحتفظ بأشياء مختبئة يجهل العالم وجودها. في سندرة بيته، على سبيل المثال، وبداخل صندوق معدني مدسوس بين مجلات قديمة وخردوات بلا فائدة، يحتفظ تاجر الأثاث بلفة بها تذاكر تنمو وتتضخم من حين لحين، لفة لا يعرف عنها أولاده ولا زوجته شيئًا. بل إن التاجر نفسه لا يمكنه أن يشرح بطريقة محددة غرضه من الاحتفاظ بتلك التذاكر، غير أنه رويدًا رويدًا بدأ يتيقن بقلق أن حياته كاملة يمكن تعريفها لا بأنشطته اليومية التي يمارسها في ضوء النهار، بل بلفة التذاكر هذه التي تتآكل في السندرة. وأنه من بين كل أنشطته يظل، بلا شك، إضافة تذكرة إلى اللفة المتآكلة نشاطه الرئيسي. وفيما كان يضيء لافتة تملأ بالضوء البنفسجي المحيط المعتم للرصيف، كان التاجر يقفز من ذكرى إلى أخرى: كان يبحث عن ممحاة في غرفة ابنه الأكبر حين عثر مصادفة على سلسلة من صور بورنوغرافية خبّأها ابنه في درج الكومودينو. أعادها التاجر سريعًا إلى مكانها ليس خجلًا بقدر ما هو خوف من أن يظن الولد أن أباه معتاد انتهاك خصوصياته. تأمل تاجر الأثاث زوجته أثناء العشاء: للمرة الأولى بعد ثلاثين عامًا معًا تخطر بباله فكرة أن لديها ما تحتفظ به سرًا، شيئًا خاصًا بها ومدسوسًا في أعماق غائرة، حد أنها حتى لو أرادت ما استطاعت أن تعترف به ولو تحت التعذيب. شعر التاجر بشيء من الدوار. ليس الخوف المبتذل من أن يكون مستغفلًا أو مخدوعًا ما جعل رأسه يدور كمن لعب النبيذ به، بل اليقين من أنه، وهو على أعتاب الشيخوخة، على وشك أن يغيّر مضطرًا أكثر الأفكار الأساسية التي كوّنت حياته. أو ما سمّاها حياته: لأن حياته، حياته الحقيقية، بحسب حدسه الجديد، كانت تحدث في مكان آخر، في الظلام، بمنأى عن الأحداث، وكانت تبدو مستحيلة المنال أكثر من الرياض التي تحيط بالكون.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

مصدر النص:

عن الصفحة الرسمية للمترجم على فيسبوك

 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

9 من أفضل روايات أمريكا الجنوبية ننصحك بقراءتها

من البرازيل وحتى المكسيك، من تشيلي لبيرو ومرورًا بكوبا والإكوادور، في تلك البلاد والمجتمعات التي عانت كثيرًا من الاستعمار وقاومت لعقود عبر عشرات الثورات، من تلك البلاد الساحرة والمجتمعات الثرية بالحكايات كان أدب أمريكا اللاتينية جديرًا بالتبجيل والانتشار . ذلك الجمال الأدبي الساحر، والقصص والحكايات الإنسانية التي أبدع كتاب أمريكا الجنوبية في نسجها. ومن آلاف الكُتاب وعشرات الآلاف من الكتب والروايات الساحرة المنتمية لتلك البيئة نرشح لكم تلك الروايات التسعة .

المترجم عمر بوحاشي: الترجمة من الإسبانية للعربية تعرف قفزة نوعية بفضل ظهور جيل من المترجمين وتحديدا في شمال المغرب

حاورته: إيمان السلاوي يكشف المترجم المغربي عمر بوحاشي، في هذا الحوار، آخر أعماله المترجمة التي تهم رواية "الكوخ" للكاتب الإسباني بيثينتي بلاسكو إيبانييث، وكذلك عن إصداراته الأخيرة، ويقدم رؤية عن واقع الكتب المترجمة من الإسبانية إلى العربية في المغرب التي يعتبرها ذات مستقبل واعد . والمترجم حاصل على جائزة الترجمة من المعرض الدولي للنشر والثقافة بالدار البيضاء سنة 2014، عن رواية بعنوان "لسيدة بيرفيكتا" للكاتب المخضرم، بينيتو بيريث غالدوس، يؤكد أن “الترجمة تخلق نوعا من التفاعل الثقافي، وفتح الحوار بين الحضارات، وتساهم في انفتاح الشعوب على بعضها لتتعارف أكثر”. ويعتبر بوحاشي من جيل المترجمين الذين نقلوا أهم الكتب الإسبانية التي ساهمت في تشكيل المغرب في المخيلة الإسبانية خلال العقدين الأخيرين. فقد ترجم رواية "عيطة تطاون" لبينيتو بيريث غالدوس التي تعتبر منعطفا في الروايات التي كتبت حول المغرب لأنها تميزت بواقعية لم يعتدها الإنتاج الأدبي الإسباني حول الجار الجنوبي للإسبان .

عرض لكتاب "رحلة في جماليات رواية أمريكا اللاتينية"

صدر عن اتحاد الكتاب العرب بدمشق، 2007 تأليف د. ماجدة حمود   يجول هذا الكتاب عبر جماليات روايات من أمريكا اللاتينية، التي احتلت مكانا هاما في الساحة الثقافية العالمية، خاصة أن الباحث يحس بوشائج قربى مع هذا الأدب الذي يشاركنا في كثير من الهموم السياسية والاجتماعية والاقتصادية (التخلف، الاستبداد، الهيمنة الغربية...) ومع ذلك استطاع إبداع أدب أدهش العالم وما يزال! لهذا ليس غريبا أن يحصد أدباؤها كما كبيرا من الجوائز العالمية، قد منحت جائزة (نوبل) لشعراء (غابرييلا 1945، بابلو نيرودا 1971، أوكتافيو باث، 1990...) كما منحت لروائيين (ميغل أنخل أستورياس 1967، غابرييل غارثيا ماركيز 1982...) وقد رشح لهذه الجائزة أيضا كل (ماريو فارغاس يوسا) و (إيزابيل الليندي) بالإضافة إلى ذلك منحت جائزة ثرفانتس لعدد كبير منهم (كارنتيير 1977، بورخس 1979، أونيتي 1980، باث 1981، ساباتو 1984، فونتيس 1987، بوي كساريس 1990...) تحاول هذه الدراسة أن تجيب على التساؤل التالي: لِمَ تفوق هذا الأدب الذي ينتمي مثلنا إلى العالم الثالث، ووصل إلى العالمية رغم تخلف بلدانه؟ وقد اخترت تركيز الأضواء على جنس الرواية في أ...