التخطي إلى المحتوى الرئيسي

ثلاث قصص قصيرة

تأليف: خوليو كورتاثار*

  خطوط اليد

من رسالة ملقاة على الطاولة يخرج خط يمرّ عبر لوح الصنوبر ويهبط عبر ساق. يكفي النظر جيداً لاكتشاف أن الخط يمضي عبر الأرضية الخشبية، يرتفع إلى السور، يدخل في صورة تستنسخ لوحة لـ «بوشيه»، يرسم ظهر امرأة مستلقية على الأريكة، وأخيراً يهرب من الغرفة عبر السقف، وينحدر في سلسلة مانعة الصواعق حتى الشارع. من الصعب ملاحقته هناك بسبب حركة المرور، ولكن ببعض الانتباه سيُرى صاعداً عجلة الحافلة المتوقفة في الزاوية والتي تحمل الناس إلى الميناء. هناك يهبط عبر الجورب النايلون الكريستالي للمسافرة الأكثر شقرة، يدخل في منطقة الجمارك المعادية، ينحدر ويتعرج ويزحف حتى الرصيف الكبير، وهناك -لكن من الصعب رؤيته، فقط الفئران تتابعه للصعود على ظهره- يصعد إلى سفينة التوربينات الهادرة، يمضي عبر سطح الطلاء من الدرجة الأولى، يجتاز بصعوبة فتحة السفينة الأكبر المؤدية إلى الأسفل وفي إحدى المقصورات، حيث يجلس رجل حزين يستمع إلى صفارة الرحيل، يرتفع عبر خياطة البنطلون، عبر السترة المطرزة، ينزلق حتى الكوع وبجهد أخير يأوي إلى كف اليد اليمنى، والتي في تلك اللحظة تبدأ في الانغلاق على مقبض المسدس.


مسلك المرايا في جزيرة عيد الفصح

عندما يتم وضع مرآة إلى جهة الغرب في جزيرة عيد الفصح فإنها تؤخر الوقت. وعندما يتم وضع مرآة إلى جهة الشرق في جزيرة عيد الفصح فإنها تقدم الوقت. بقياسات دقيقة يمكن إيجاد النقطة التي يكون فيها الوقت منضبطاً، لكن هذه النقطة التي تصلح لهذه المرآة ليست ضمانة أنها تصلح لأخرى، فالمرايا تعاني اختلاف المواد وتنفعل كما يحلو لها. وهكذا فإن سالومون ليموس عالم الأنثروبولوجيا، الحاصل على زمالة معهد جوجنهايم رأى نفسه ميتاً بالتيفود عند نظره للمرآة وهو يحلق لحيته، كل هذا في الجانب الغربي من الجزيرة. في الوقت نفسه فإن مرآة كانت منسية في الجانب الشرقي للجزيرة تعكس للا أحد (كانت ملقاة بين الحجارة) سالومون ليموس ببنطلونه القصير وهو ذاهب إلى المدرسة، ثم بعد ذلك وهو في حوض الاستحمام وأمه وأبوه يحممانه بحماسة؛ بعد ذلك وعمته ريميديوس تناغيه متأثرة في إحدى مزارع منطقة ترينكي لاوكن.

جمل غير مرغوب فيه

قبلوا جميع طلبات العبور عبر الحدود، لكن «جوك»، يتم إعلامه بشكل غير متوقع «غير مرغوب فيه». يذهب جوك إلى مركز الشرطة حيث يقولون له إنه لا يمكن عمل شيء، عُد إلى الواحة، بإعلانك غير مرغوب فيك فليس هناك من فائدة في إجراء الطلب. جوك الحزين يعود إلى ملاعب الطفولة. جمال العائلة والأصدقاء يحيطون به، يسألونه ماذا حدث، غير معقول، ولماذا أنت على وجه الخصوص؟ حينئذ قام وفد إلى وزارة النقل للاستئناف، بعدد هائل من الموظفين ذوي الشهادات: هذا لم يرَ من قبل، عودوا إلى الواحة على الفور وسوف ينظر في الأمر. يأكل جوك في الواحة عشبا.
كل الجمال عبرت الحدود. جوك لا يزال ينتظر. هكذا يمر الصيف والخريف. بعد ذلك يعود جوك إلى المدينة، يتوقف في ساحة فارغة. يتم تصويره كثيراً من قبل السياح ويجيب عن أسئلة التحقيقات الصحفية. لجوك هيبة غامضة في الساحة. يستغل الفرصة ليبحث عن مخرج، على البوابة يتغير كل شيء: يعلن غير مرغوب فيه. يحني جوك رأسه، يبحث عن الكلأ النادر في الساحة. نادوا عليه في أحد الأيام بمكبر الصوت ودخل سعيداً إلى مركز الشرطة وهناك يعلن «غير مرغوب فيه». يعود جوك إلى الواحة وينام. يأكل قليلا من العشب وبعد ذلك يضع خطمه في الرمال. يبدأ في إغلاق العينين بينما تغرب الشمس. من منخاره تخرج فقاعة تدوم ثانية واحدة أكثر منه.

 Share
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*مفكر وأديب أرجنتيني


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

9 من أفضل روايات أمريكا الجنوبية ننصحك بقراءتها

من البرازيل وحتى المكسيك، من تشيلي لبيرو ومرورًا بكوبا والإكوادور، في تلك البلاد والمجتمعات التي عانت كثيرًا من الاستعمار وقاومت لعقود عبر عشرات الثورات، من تلك البلاد الساحرة والمجتمعات الثرية بالحكايات كان أدب أمريكا اللاتينية جديرًا بالتبجيل والانتشار . ذلك الجمال الأدبي الساحر، والقصص والحكايات الإنسانية التي أبدع كتاب أمريكا الجنوبية في نسجها. ومن آلاف الكُتاب وعشرات الآلاف من الكتب والروايات الساحرة المنتمية لتلك البيئة نرشح لكم تلك الروايات التسعة .

المترجم عمر بوحاشي: الترجمة من الإسبانية للعربية تعرف قفزة نوعية بفضل ظهور جيل من المترجمين وتحديدا في شمال المغرب

حاورته: إيمان السلاوي يكشف المترجم المغربي عمر بوحاشي، في هذا الحوار، آخر أعماله المترجمة التي تهم رواية "الكوخ" للكاتب الإسباني بيثينتي بلاسكو إيبانييث، وكذلك عن إصداراته الأخيرة، ويقدم رؤية عن واقع الكتب المترجمة من الإسبانية إلى العربية في المغرب التي يعتبرها ذات مستقبل واعد . والمترجم حاصل على جائزة الترجمة من المعرض الدولي للنشر والثقافة بالدار البيضاء سنة 2014، عن رواية بعنوان "لسيدة بيرفيكتا" للكاتب المخضرم، بينيتو بيريث غالدوس، يؤكد أن “الترجمة تخلق نوعا من التفاعل الثقافي، وفتح الحوار بين الحضارات، وتساهم في انفتاح الشعوب على بعضها لتتعارف أكثر”. ويعتبر بوحاشي من جيل المترجمين الذين نقلوا أهم الكتب الإسبانية التي ساهمت في تشكيل المغرب في المخيلة الإسبانية خلال العقدين الأخيرين. فقد ترجم رواية "عيطة تطاون" لبينيتو بيريث غالدوس التي تعتبر منعطفا في الروايات التي كتبت حول المغرب لأنها تميزت بواقعية لم يعتدها الإنتاج الأدبي الإسباني حول الجار الجنوبي للإسبان .

عرض لكتاب "رحلة في جماليات رواية أمريكا اللاتينية"

صدر عن اتحاد الكتاب العرب بدمشق، 2007 تأليف د. ماجدة حمود   يجول هذا الكتاب عبر جماليات روايات من أمريكا اللاتينية، التي احتلت مكانا هاما في الساحة الثقافية العالمية، خاصة أن الباحث يحس بوشائج قربى مع هذا الأدب الذي يشاركنا في كثير من الهموم السياسية والاجتماعية والاقتصادية (التخلف، الاستبداد، الهيمنة الغربية...) ومع ذلك استطاع إبداع أدب أدهش العالم وما يزال! لهذا ليس غريبا أن يحصد أدباؤها كما كبيرا من الجوائز العالمية، قد منحت جائزة (نوبل) لشعراء (غابرييلا 1945، بابلو نيرودا 1971، أوكتافيو باث، 1990...) كما منحت لروائيين (ميغل أنخل أستورياس 1967، غابرييل غارثيا ماركيز 1982...) وقد رشح لهذه الجائزة أيضا كل (ماريو فارغاس يوسا) و (إيزابيل الليندي) بالإضافة إلى ذلك منحت جائزة ثرفانتس لعدد كبير منهم (كارنتيير 1977، بورخس 1979، أونيتي 1980، باث 1981، ساباتو 1984، فونتيس 1987، بوي كساريس 1990...) تحاول هذه الدراسة أن تجيب على التساؤل التالي: لِمَ تفوق هذا الأدب الذي ينتمي مثلنا إلى العالم الثالث، ووصل إلى العالمية رغم تخلف بلدانه؟ وقد اخترت تركيز الأضواء على جنس الرواية في أ...