التخطي إلى المحتوى الرئيسي

مكالمة من وراء القبر

*مكالمة من وراء القبر
Llamada de ultratumba

قصّة: خوان خوسيه مِيّاس
ترجمة: أحمد عبد اللطيف
كان خطأ بالطّبع أنْ نُداري على ابننا موت جدّته، لكنّنا قرّرنا ذلك أنا وزوجتي عندما جاءنا خبر الكارثة. كلّ شيء كان سريعًا جدًّا، وكان مفاجئًا جدًّا كذلك، ولم يُتَح لنا الوقت لنتصرّف برصانة. حتّى بدأت المدرسة. كُنّا نتركه في بيت أمّي في وقت عملنا، وبالتّالي كان يحبّها جدًّا، مثلنا وربما أكثر منّا. فلم يكن سهلاً بالتّالي أنْ نشرح له اختفاءها.
-هل نقول له الخبر أم لا؟ سألت زوجتي وهي تُهندم نفسها لتصحبني إلى محلّ تغسيل الموتى.
-سننتظر لعدّة أيّام –قلت أنا-كلّ شيء لم يكن متوقّعًا.
الجارة التي كانت تتكفّل به في الظّروف الطّارئة كانت خارج البيت، وبالتّالي قرّرنا أن نتركه وحيدًا. بيتنا على بُعد عشر دقائق من مغسل الموتى، بل ويمكن رؤيته من الشّرفة. سنتّصل به من آن لآخر وفي حالة حدوث شيء سيكون أحدنا أمامه في الحال.

كان الطّفل حزينًا، حتى إنّني فكّرت في لحظة ما أنّه اطّلع على كلّ شيء وأنّه لم يستوعب إصرارنا على مُداراة الخبر عنه. كنت أتفادى نظرته، إذ كان من الصّعب بمكان أنْ أُداري حزني. غيّرتْ زوجتي ملابسها مرّتين بينما كانت تسألني رأيي أيّهما الملائم أكثر للذّهاب لمحلّ الحانوتي. تردّدتْ كذلك في ارتداء عقد أم لا. وأنا قلت لها بنبرة عصبيّة أنْ ترتدي أيّ شيء على ألاّ تتأخّر في اللّبس، فلنْ نذهب إلى حفلة.
ثمّ شرحتُ للطّفل أنّنا مضطرّون للخروج وسنعود سريعًا.
-يمكن أنْ تبقى وحدك لبرهة –أضفت-فأنت أصبحت كبيرًا. وإنْ احتجت إلى شيء، اتّصل بنا على الهاتف المحمول. وأسمحُ لك بأنْ تشاهد التلفزيون حتى نعود.
أجاب على كلّ كلامي بكلمات أحاديّة المقطع، ولم يبدِ أيّ اهتمام بأنْ أترك له التلفزيون مفتوحًا. بدا لي أنّه يكرهني أنا وأمّه. أتذكّر صباحات شتويّة كنت أتركه فيها مع جدّته قبل أنْ يطلع النّهار حتّى لا أصل متأخّرًا إلى العمل، وبدا لي من الظّلم ألاّ أشركه في الخبر. ورغم أنّي كنت مرتبكًا، إلاّ أنّي لم أكنْ قادرًا على التّراجع. فكّرت أنّي سأتحدّث معه في اليوم التّالي وأنّه سيتفهّم ذلك. أحيانًا نلفّ وندور حول أشياء أكثر من اللاّزم.
في النّهاية ظهرت زوجتي. تهندمتْ أكثر من اللاّزم بحسب ذوقي، لكنّي فكّرت أنّها ربّما بذلك تُشتّت ذهن الطّفل، وكان لذلك جانبه الإيجابي. على أيّ حال، لمْ أخرج من البيت مطمئنًا.
وبينما كنّا نتّجه إلى محلّ الحانوتي راودتني أفكار عن كميّة الحوادث المنزليّة التي يتعرّض لها طفل بمفرده. كان يُسيئني، أيضًا، ألاّ أكون قادرًا على التّركيز في الألم النّاتج عن فقدان أمّي. دفعتْ زوجتي الثّمن، إذْ قلت لها كلامًا غير مريح.
في مغسل الموتى وجدت أخواتي وأخوالي، عائلتي بالكامل. وكان هناك أناس أكثر مما تخيّلت، وبالتّالي لم يلتفتوا كثيرًا لي أنا وزوجتي. ومن حين لآخر كان ثمّة فرد يقترب مني ويواسيني وأنا أردّ عليه بشكل ميكانيكي. لم أكن قادرًا على أنْ أطلّ على الزّجاج لأرى وجه المتوفّاة. وكنت أفكّر في ابني بشعور كبير بالذّنب فاتصّلت به عدّة مرات متلهّفًا.
عند عودتنا إلى البيت، قال الطّفل إنّ جدّته اتّصلتْ به. فنظرتُ إليه أنا وزوجتي مرتبِكَيْن لثوان ثمّ شرعنا في عمل أشياء لنُداري حيرتنا. وفي السّرير تناقشنا، إذْ كان يبدو لهما ممكنًا، هي من قضت حياتها تقرأ مجلات عن الأشياء الخارقة، أنّها أجرتْ مكالمة من وراء القبر.
وفي الأسبوع التّالي، قلتُ للطّفل إنّ جدّته قد ماتت، رغم أنّي زيّفتُ التّاريخ حتّى لا يتعارض مع تلك المكالمة التلفونيّة. ومع مرور الوقت تزداد قناعتي بأنّه كذبَ علينا لينتقم منّا. وبالفعل ثمّة جرح مفتوح بيني وبينه منذ ذلك الحين. تقول زوجتي إنّها مجرّد هواجس تخصّني. والحكاية أنها مستعدّة للاعتقاد بالغيب أكثر من اعتقادها بمشكلة نفسيّة. لكنّها لا تعيش ذلك كتناقض. نحن مختلفون جدًّا.
ــــــــــــــــــــــ
*النص مأخوذ من المجموعة القصصية "الأشياء تُنادينا"، ترجمة أحمد عبد اللطيف. سلسلة إبداعات عالمية الصادرة عن المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب بدولة الكويت. العدد 425 يونيو 2018.

خاص بالمدونة

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

9 من أفضل روايات أمريكا الجنوبية ننصحك بقراءتها

من البرازيل وحتى المكسيك، من تشيلي لبيرو ومرورًا بكوبا والإكوادور، في تلك البلاد والمجتمعات التي عانت كثيرًا من الاستعمار وقاومت لعقود عبر عشرات الثورات، من تلك البلاد الساحرة والمجتمعات الثرية بالحكايات كان أدب أمريكا اللاتينية جديرًا بالتبجيل والانتشار . ذلك الجمال الأدبي الساحر، والقصص والحكايات الإنسانية التي أبدع كتاب أمريكا الجنوبية في نسجها. ومن آلاف الكُتاب وعشرات الآلاف من الكتب والروايات الساحرة المنتمية لتلك البيئة نرشح لكم تلك الروايات التسعة .

المترجم عمر بوحاشي: الترجمة من الإسبانية للعربية تعرف قفزة نوعية بفضل ظهور جيل من المترجمين وتحديدا في شمال المغرب

حاورته: إيمان السلاوي يكشف المترجم المغربي عمر بوحاشي، في هذا الحوار، آخر أعماله المترجمة التي تهم رواية "الكوخ" للكاتب الإسباني بيثينتي بلاسكو إيبانييث، وكذلك عن إصداراته الأخيرة، ويقدم رؤية عن واقع الكتب المترجمة من الإسبانية إلى العربية في المغرب التي يعتبرها ذات مستقبل واعد . والمترجم حاصل على جائزة الترجمة من المعرض الدولي للنشر والثقافة بالدار البيضاء سنة 2014، عن رواية بعنوان "لسيدة بيرفيكتا" للكاتب المخضرم، بينيتو بيريث غالدوس، يؤكد أن “الترجمة تخلق نوعا من التفاعل الثقافي، وفتح الحوار بين الحضارات، وتساهم في انفتاح الشعوب على بعضها لتتعارف أكثر”. ويعتبر بوحاشي من جيل المترجمين الذين نقلوا أهم الكتب الإسبانية التي ساهمت في تشكيل المغرب في المخيلة الإسبانية خلال العقدين الأخيرين. فقد ترجم رواية "عيطة تطاون" لبينيتو بيريث غالدوس التي تعتبر منعطفا في الروايات التي كتبت حول المغرب لأنها تميزت بواقعية لم يعتدها الإنتاج الأدبي الإسباني حول الجار الجنوبي للإسبان .

عرض لكتاب "رحلة في جماليات رواية أمريكا اللاتينية"

صدر عن اتحاد الكتاب العرب بدمشق، 2007 تأليف د. ماجدة حمود   يجول هذا الكتاب عبر جماليات روايات من أمريكا اللاتينية، التي احتلت مكانا هاما في الساحة الثقافية العالمية، خاصة أن الباحث يحس بوشائج قربى مع هذا الأدب الذي يشاركنا في كثير من الهموم السياسية والاجتماعية والاقتصادية (التخلف، الاستبداد، الهيمنة الغربية...) ومع ذلك استطاع إبداع أدب أدهش العالم وما يزال! لهذا ليس غريبا أن يحصد أدباؤها كما كبيرا من الجوائز العالمية، قد منحت جائزة (نوبل) لشعراء (غابرييلا 1945، بابلو نيرودا 1971، أوكتافيو باث، 1990...) كما منحت لروائيين (ميغل أنخل أستورياس 1967، غابرييل غارثيا ماركيز 1982...) وقد رشح لهذه الجائزة أيضا كل (ماريو فارغاس يوسا) و (إيزابيل الليندي) بالإضافة إلى ذلك منحت جائزة ثرفانتس لعدد كبير منهم (كارنتيير 1977، بورخس 1979، أونيتي 1980، باث 1981، ساباتو 1984، فونتيس 1987، بوي كساريس 1990...) تحاول هذه الدراسة أن تجيب على التساؤل التالي: لِمَ تفوق هذا الأدب الذي ينتمي مثلنا إلى العالم الثالث، ووصل إلى العالمية رغم تخلف بلدانه؟ وقد اخترت تركيز الأضواء على جنس الرواية في أ...