التخطي إلى المحتوى الرئيسي

داريو فو.. رحيل مفاجئ لمسرحي فوضوي

عن تسعين عاماً، رحل اليوم المسرحي الإيطالي داريو فو (1926 - 2016)، الحائز على جائزة نوبل عام 1997، كواحد من أبرز رموز المسرح العالمي في القرن العشرين.
كانت صحيفة "كورير ديلا سيرا" الإيطالية أعلنت سابقاً أنه عانى من مشاكل في الرئة في الأشهر الأخيرة، وأُدخل إلى المستشفى منذ 12 يوماً.
عُرف فو بسخريته السياسية من خلال المسرح والراديو والتلفزيون، وربما تكون مسرحية "موت مفاجئ لفوضوي" أحد أفضل الأمثلة على هذه الروح المتهكّمة والنقدية. من هنا، حقّق وزوجته وملهمته الجميلة، فرانكا راميه، نجومية كبيرة بين الجماهير العادية أكثر من الأوساط النخبوية، وقد كتب فو ومثّل وغنّى معها في برامج على الراديو والتلفزيون وكان محور أعمالهما الأساسي نقد العمل السياسي وقادته في البلاد.

سخريته وصراحته اللاذعة التي ترافقت مع شعبية كبيرة، جعلته مطارَداً ممن لم يقبلوا هذا النوع من الانتقاد، وبسبب ذلك خسر الكثير من الفرص في الراديو والتلفزيون، لكن هذا زاد من شعبيته، وانعكس على الاتجاه إلى الكتابة المسرحية بشكل أكبر.
رغم أن مسرحية فو الأولى "جثّة للبيع" ظهرت في 1958، لكن الكاتب سينتظر عشرة أعوام قبل أن يكتب عرض العمر إن جاز التعبير، إذ ستضعه مسرحية "ميسترو بوفّو" موضع اهتمام في أوروبا وخارجها.
تُعتبر المسرحية أحد أكثر الأعمال جدلاً في مسرح ما بعد الحرب في أوروبا، وقد ندّد الفاتيكان بعرضها على التلفزيون واعتبر أنها أكثر الأعمال تجديفاً في تاريخ المسرح؛ إذ ابتكر فو شخصيات تعود إلى القرون الوسطى وتجلب الأخبار والحكايات، كما أن الفصل الأخير في العرض يعود إلى زمن المسيح ليخبر حكايته بطريقة مرتجلة استفزت الفاتيكان.
سيتواصل عرض "ميسترو بوفّو" ثلاثين عاماً حتى 1999، وستسافر لتعرض في أميركا اللاتينية، وكندا بينما ستُمنع من العرض في بلاد العم سام، أميركا التي ستظل علاقة الكاتب المسرحي بها صدامية.
عام 1980، منعت السلطات الأميركية فو وزوجته من العرض في "مهرجان المسرح الإيطالي" في أميركا، وليس هذا ببعيد عن ممارسات السلطة نفسها مع بريشت وشارلي شابلن وماركيز. ولهذا عقد أصدقاؤه في أيار/ ماي من ذلك العام ليلة عنوانها "أمسية من دون فو وفرانكا راميه"؛ هؤلاء الأصدقاء هم آرثر ميلر وبرنارد مالمو وريتشارد فورمان ومارتين سكورسيزي.
تكرّر الأمر عام 1983، إذ رفضت إميركا إدخال فو وزوجته بزعم أنهما ينتميان إلى "منظّمات تدعم جماعات إرهابية"، وقد أدّت هذه التهمة إلى رفعهما دعوى ضدّ السلطات الأميركية التي وجّهت إليه الاتهام.
تُرجمت أعمال فو، الذي يُعتبر رمزاً في المسرح السياسي الشعبي، إلى ثلاثين لغة، ولم تُقدّم بما يكفي إلى العربية، وربما يكون السبب في ذلك أنه يكتب بلغة الشارع التي تجعل مهمّة من ينقل مسرحياته إلى العربية صعبة، إن لم يكن يعرف الإيطالية الشعبية جيداً.
من أبرز أعماله "قصة نمر"، و"ميديا"، و"القصة القديمة نفسها"، ومسرحية "امرأة عربية تتكلّم" أحد أعماله التي كتبها بعد أن زار هو زوجته مخيّمات الفلسطينيين في لبنان. وبعد عودته، أرسلت إليه امرأة فلسطينية حكايتها مسجّلة على شريط، فقام بعرضه في أكثر من بلد ونسج بموازاته مونولوغاً تؤديه زوجته على المسرح، وتحوّلت الزيارة إلى سلسة مسرحية بعنوان "فدائيون" عَرضت أكثر من حكاية جمعها فو وزوجته من المخيّمات في لبنان وتنقّل بها على خشبات المسارح في عدّة عواصم أوروبية.
ظل داريو فو على مواقفه السياسية طيلة حياته، حتى أنه أعلن تأييده للحزب الفوضوي الإيطالي "خمس نجوم"، وهو حزب يمثّل مزاج داريوفو الذي نعثر عليه في شخصيات أعماله التي تحمل السمات الشعبية والأناركية وتعيش ضد المؤسّسة وضد العولمة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

9 من أفضل روايات أمريكا الجنوبية ننصحك بقراءتها

من البرازيل وحتى المكسيك، من تشيلي لبيرو ومرورًا بكوبا والإكوادور، في تلك البلاد والمجتمعات التي عانت كثيرًا من الاستعمار وقاومت لعقود عبر عشرات الثورات، من تلك البلاد الساحرة والمجتمعات الثرية بالحكايات كان أدب أمريكا اللاتينية جديرًا بالتبجيل والانتشار . ذلك الجمال الأدبي الساحر، والقصص والحكايات الإنسانية التي أبدع كتاب أمريكا الجنوبية في نسجها. ومن آلاف الكُتاب وعشرات الآلاف من الكتب والروايات الساحرة المنتمية لتلك البيئة نرشح لكم تلك الروايات التسعة .

المترجم عمر بوحاشي: الترجمة من الإسبانية للعربية تعرف قفزة نوعية بفضل ظهور جيل من المترجمين وتحديدا في شمال المغرب

حاورته: إيمان السلاوي يكشف المترجم المغربي عمر بوحاشي، في هذا الحوار، آخر أعماله المترجمة التي تهم رواية "الكوخ" للكاتب الإسباني بيثينتي بلاسكو إيبانييث، وكذلك عن إصداراته الأخيرة، ويقدم رؤية عن واقع الكتب المترجمة من الإسبانية إلى العربية في المغرب التي يعتبرها ذات مستقبل واعد . والمترجم حاصل على جائزة الترجمة من المعرض الدولي للنشر والثقافة بالدار البيضاء سنة 2014، عن رواية بعنوان "لسيدة بيرفيكتا" للكاتب المخضرم، بينيتو بيريث غالدوس، يؤكد أن “الترجمة تخلق نوعا من التفاعل الثقافي، وفتح الحوار بين الحضارات، وتساهم في انفتاح الشعوب على بعضها لتتعارف أكثر”. ويعتبر بوحاشي من جيل المترجمين الذين نقلوا أهم الكتب الإسبانية التي ساهمت في تشكيل المغرب في المخيلة الإسبانية خلال العقدين الأخيرين. فقد ترجم رواية "عيطة تطاون" لبينيتو بيريث غالدوس التي تعتبر منعطفا في الروايات التي كتبت حول المغرب لأنها تميزت بواقعية لم يعتدها الإنتاج الأدبي الإسباني حول الجار الجنوبي للإسبان .

عرض لكتاب "رحلة في جماليات رواية أمريكا اللاتينية"

صدر عن اتحاد الكتاب العرب بدمشق، 2007 تأليف د. ماجدة حمود   يجول هذا الكتاب عبر جماليات روايات من أمريكا اللاتينية، التي احتلت مكانا هاما في الساحة الثقافية العالمية، خاصة أن الباحث يحس بوشائج قربى مع هذا الأدب الذي يشاركنا في كثير من الهموم السياسية والاجتماعية والاقتصادية (التخلف، الاستبداد، الهيمنة الغربية...) ومع ذلك استطاع إبداع أدب أدهش العالم وما يزال! لهذا ليس غريبا أن يحصد أدباؤها كما كبيرا من الجوائز العالمية، قد منحت جائزة (نوبل) لشعراء (غابرييلا 1945، بابلو نيرودا 1971، أوكتافيو باث، 1990...) كما منحت لروائيين (ميغل أنخل أستورياس 1967، غابرييل غارثيا ماركيز 1982...) وقد رشح لهذه الجائزة أيضا كل (ماريو فارغاس يوسا) و (إيزابيل الليندي) بالإضافة إلى ذلك منحت جائزة ثرفانتس لعدد كبير منهم (كارنتيير 1977، بورخس 1979، أونيتي 1980، باث 1981، ساباتو 1984، فونتيس 1987، بوي كساريس 1990...) تحاول هذه الدراسة أن تجيب على التساؤل التالي: لِمَ تفوق هذا الأدب الذي ينتمي مثلنا إلى العالم الثالث، ووصل إلى العالمية رغم تخلف بلدانه؟ وقد اخترت تركيز الأضواء على جنس الرواية في أ...