التخطي إلى المحتوى الرئيسي

ترجمة عربية ...وآفات

ترجمة عربية ...وآفات*
بقلم: عبده وازن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قرأت أخيراً رواية يابانية في ترجمة عربية فأحصيت فيها بلا مبالغة، نحو مئة وخمسين خطأ لغوياً ناهيك عن الأخطاء الطباعية. ولما سألت الناشر، وهو من الأصدقاء، عن رداءة هذه الترجمة التي تمّت عن اليابانية، قال إنها هفوة ارتُكبت، ولولا الدعم الياباني لسحبها من السوق. وكان فعلاً قبل أشهر أتلف رواية مترجمة، متحملاً الخسارة، بعدما بلغته ملاحظات نقدية غير قليلة من أصدقاء له.
هذه «الظاهرة» التي تسيء الى حركة الترجمة في العالم العربي، ليست مقتصرة على رواية أو روايتين وثلاث بل هي تشمل نتاجاً بات غزيراً في شتى الحقول، بعدما راجت مراكز الترجمة ومبادرات الدعم الأجنبية والنشر المشترك... ولو شرعت جماعة من النقاد في مراقبة الكتب المترجمة عن كثب لرصدت من الأخطاء ما يكفل إحداث فضائح. مثل هذا الاتهام لا يطاول كل المترجمين العرب ولا كل الكتب المترجمة الى العربية ولا كل الدور والمراكز، فبعض المترجمين (والناشرين أيضاً) يستحقون فعلاً التحية وربما التكريم، نظراً الى رقيّ عملهم في حقل الترجمة ورفعتهم العلمية ودقتهم في النقل والتعريب وفهم النصوص وحسن تأويلها. وبعض الترجمات يمكن ان تُعدّ من الأعمال الإبداعية بلا تردد وهي تعيد الى الذاكرة عصر ازدهار الترجمة الحديثة على ايدي مترجمين كبار نُشرت اعمالهم على سبيل المثل في سلسلة «روائع الترجمة» - اليونسكو.
لماذا يُقدم على الترجمة شخص لا يُجيد العربية كما يجب؟ لماذا ايضاً يقبل على الترجمة شخص لا يُجيد تماماً اللغة الأجنبية التي يترجم عنها؟ امتلاك لغة لا يعني فقط ان يتقن صاحبها القراءة فيها أو الكتابة. هذه الإجادة لا تكفي من يسمّي نفسه مترجماً. إذا لم أكن أملك ضوابط اللغتين، الأولى التي أترجم عنها والأخرى التي أترجم إليها، فماذا تراني أفعل؟ والضوابط هنا هي أولاً قواعد اللغتين، صرفاً ونحواً، ثم القدرة على التأويل ثم على السبك والصوغ. فعل الترجمة يوازي فعل الكتابة نفسه، إبداعاً ومراساً، ولعله أصعب منالاً، بصفته فعلاً مزدوجاً. المترجم يكتب أولاً بقلم الآخر الذي هو الكاتب الأول، صاحب النص، ثم يكتب بقلمه هو ما سنح له النص أن يكتب.
معايير الترجمة كُتب عنها أكثر مما يُتوقع، شروط الترجمة أيضاً كتب عنها ومفاهيم الترجمة وتقنياتها. أما نظرياً فاْقرأ حتى الشطط. لكنّ ما يهم هنا هو سؤال الترجمة العربية، وهو سؤال تخرج منه أسئلة. هل بلغت حركة الترجمة العربية شأوها إبداعاً وازدهاراً؟ هل حقّقت ما ترومه الترجمة بذاتها؟ هل أضحى القارئ والكاتب والباحث (لا سيما الأكاديمي) قادراً على أن يستغني عن الأصل مكتفياً بـ «قرينه» العربي؟
آفات حركة الترجمة العربية لا تحصى. عدم التخصص في الترجمة آفة. عدم امتلاك اللغات امتلاكاً رصيناً آفة. عدم الأمانة على النص الأصل وخيانته خيانة قصوى آفة أيضاً. أذكر هنا كيف يحذف بعض المترجمين مقاطع يشعرون أنهم عاجزون عن ترجمتها بلا وجل ولا حذر، أو كيف يختزلون جملاً اختزالاً عشوائياً ويختارون مفردات في غير محلها ويرتكبون أخطاء المعاني المغلوطة... وهلمّ جرا.
إحدى آفات الترجمة العربية أننا ما زلنا نترجم - نترجم كثيراً - عن لغات وسيطة. هذه الآفة تخطتها الدول المتقدمة، ولم يبق مسموحاً بها في الغرب إلا في ما ندر. لدينا مترجمون اختصاصهم الترجمة عن لغات وسيطة. وبعض هؤلاء يتصدّرون واجهة الترجمة بلا هوادة . يخطر في ذهني الآن مترجم كبير هو سامي الدروبي الذي نقل كل أعمال دوستويفسكي إلى العربية، وترجماته بديعة حقاً وأهم من كل ما ترجم لصاحب «الأبله» عن الروسية. هل نغفر له هذا «الإثم»؟ أجل، لا سيما أن كاتبنا الروسي لم يحظ حتى الآن بترجمة أخرى تضاهي هذه الترجمة «الخائنة» جمالاً وقوة وإيحاء. وقد يستحق سامي الدروبي مقالاً على حدة في هذا الشأن. لكنّ كثيرين سواه ممن خطوا خطوه لا يستحقون المسامحة. هؤلاء لم يستطيعوا أن يكونوا مبدعين في خيانتهم. ولكن لا حل وشيكاً لهذه الآفة، مع أن مراكز الترجمة وعدت قراءها بتخطّيها ولم تفِ إلاّ نادراً.
أما آفة الآفات فهي الرقابة التي تُمارس على الترجمة، وهي اتسعت في الحقبة الأخيرة، لا سيما بعد صعود الحركات الأصولية في العالم العربي. هذه الرقابة التي تُمارس في عواصم عدة يتغافل عنها رؤساء المراكز ومديرو دور النشر وفي ظنهم أن القرّاء تسهل مغايبتهم وربما استغباؤهم. كم من فضيحة حصلت في هذا القبيل وكم من فضائح تحصل وأخرى تنتظر من يكشفها. والفادح في الأمر هو كذب المترجم والناشر على القارئ وتجاهلهما هذا الإثم وجعله يمرّ سراً. أذكر كم كان شنيعاً مثلاً إقدام مترجمة على حذف مقاطع كاملة من ترجمتها كتاب رولان بارت «مقطوعات من خطاب عاشق» برضا الناشر وإشرافه، وهو من المؤسسات العريقة في حقل الترجمة. والفضائح المماثلة ستكون كثيرة إن توافر لها من يصطادها في متون الترجمات. إنها رقابة دينية وأخلاقية وقد تكون سياسية في أحيان، وتاريخية... وبات يمارسها المترجمون أنفسهم متواطئين مع الناشرين. بعض الرقباء يدافعون عن فعلتهم هذه متذرّعين بحجج أخلاقية ووطنية. وإن كانوا يظنّون أنهم على حق فلماذا يقدمون على ترجمة كتب ليسوا بقادرين على تحمل جرأتها وصراحتها؟ أليس من الأفضل عدم ترجمة الكتب الجريئة من أن تترجم ناقصة ومراقبة ومحذوفاً منها ومشوّهةً ومزوّرة؟

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

9 من أفضل روايات أمريكا الجنوبية ننصحك بقراءتها

من البرازيل وحتى المكسيك، من تشيلي لبيرو ومرورًا بكوبا والإكوادور، في تلك البلاد والمجتمعات التي عانت كثيرًا من الاستعمار وقاومت لعقود عبر عشرات الثورات، من تلك البلاد الساحرة والمجتمعات الثرية بالحكايات كان أدب أمريكا اللاتينية جديرًا بالتبجيل والانتشار . ذلك الجمال الأدبي الساحر، والقصص والحكايات الإنسانية التي أبدع كتاب أمريكا الجنوبية في نسجها. ومن آلاف الكُتاب وعشرات الآلاف من الكتب والروايات الساحرة المنتمية لتلك البيئة نرشح لكم تلك الروايات التسعة .

المترجم عمر بوحاشي: الترجمة من الإسبانية للعربية تعرف قفزة نوعية بفضل ظهور جيل من المترجمين وتحديدا في شمال المغرب

حاورته: إيمان السلاوي يكشف المترجم المغربي عمر بوحاشي، في هذا الحوار، آخر أعماله المترجمة التي تهم رواية "الكوخ" للكاتب الإسباني بيثينتي بلاسكو إيبانييث، وكذلك عن إصداراته الأخيرة، ويقدم رؤية عن واقع الكتب المترجمة من الإسبانية إلى العربية في المغرب التي يعتبرها ذات مستقبل واعد . والمترجم حاصل على جائزة الترجمة من المعرض الدولي للنشر والثقافة بالدار البيضاء سنة 2014، عن رواية بعنوان "لسيدة بيرفيكتا" للكاتب المخضرم، بينيتو بيريث غالدوس، يؤكد أن “الترجمة تخلق نوعا من التفاعل الثقافي، وفتح الحوار بين الحضارات، وتساهم في انفتاح الشعوب على بعضها لتتعارف أكثر”. ويعتبر بوحاشي من جيل المترجمين الذين نقلوا أهم الكتب الإسبانية التي ساهمت في تشكيل المغرب في المخيلة الإسبانية خلال العقدين الأخيرين. فقد ترجم رواية "عيطة تطاون" لبينيتو بيريث غالدوس التي تعتبر منعطفا في الروايات التي كتبت حول المغرب لأنها تميزت بواقعية لم يعتدها الإنتاج الأدبي الإسباني حول الجار الجنوبي للإسبان .

عرض لكتاب "رحلة في جماليات رواية أمريكا اللاتينية"

صدر عن اتحاد الكتاب العرب بدمشق، 2007 تأليف د. ماجدة حمود   يجول هذا الكتاب عبر جماليات روايات من أمريكا اللاتينية، التي احتلت مكانا هاما في الساحة الثقافية العالمية، خاصة أن الباحث يحس بوشائج قربى مع هذا الأدب الذي يشاركنا في كثير من الهموم السياسية والاجتماعية والاقتصادية (التخلف، الاستبداد، الهيمنة الغربية...) ومع ذلك استطاع إبداع أدب أدهش العالم وما يزال! لهذا ليس غريبا أن يحصد أدباؤها كما كبيرا من الجوائز العالمية، قد منحت جائزة (نوبل) لشعراء (غابرييلا 1945، بابلو نيرودا 1971، أوكتافيو باث، 1990...) كما منحت لروائيين (ميغل أنخل أستورياس 1967، غابرييل غارثيا ماركيز 1982...) وقد رشح لهذه الجائزة أيضا كل (ماريو فارغاس يوسا) و (إيزابيل الليندي) بالإضافة إلى ذلك منحت جائزة ثرفانتس لعدد كبير منهم (كارنتيير 1977، بورخس 1979، أونيتي 1980، باث 1981، ساباتو 1984، فونتيس 1987، بوي كساريس 1990...) تحاول هذه الدراسة أن تجيب على التساؤل التالي: لِمَ تفوق هذا الأدب الذي ينتمي مثلنا إلى العالم الثالث، ووصل إلى العالمية رغم تخلف بلدانه؟ وقد اخترت تركيز الأضواء على جنس الرواية في أ...